اتفاق ثلاثي يعقد مهمة فرنسا بالنيجر.. هل وقعت باريس في فخ الساحل؟
"أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي طرف متعاقد أو أكثر يعتبر عدوانا على الأطراف الأخرى"، جزء من اتفاق أبرمته ثلاث دول في منطقة الساحل الأفريقي، وضع الدبلوماسية الفرنسية في حرج.
فبينما ترفض فرنسا الخروج من النيجر، غير آبهة برفض المجلس العسكري وبعض مؤيديه من المحتجين وجودها، باتت نيامي تلعب بكل أوراقها، أملا في الدفاع عن نفسه ضد أي تدخل عسكري من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، قد تؤيده باريس.
وفي محاولة لموازنة القوى بين دول منطقة الساحل ضد فرنسا التي تبحث من دون جدوى عن مخرج للازمة إثر انقلاب 26 يوليو/تموز العسكري في النيجر، وقّع قادة مالي وبوركينا فاسو والنيجر السبت اتفاقا للدفاع المشترك.
وجاء في منشور لقائد المجموعة العسكرية الحاكمة في مالي أسيمي غويتا على منصة "إكس" (تويتر سابقا): "وقعت اليوم (السبت) مع رئيسي دولتي بوركينا فاسو والنيجر ميثاق ليبتاكو-غورما المنشئ لتحالف دول الساحل والرامي إلى إنشاء هيكلية للدفاع المشترك والمساعدة المتبادلة لما فيه مصلحة شعوبنا".
وتشهد منطقة ليبتاكو-غورما حيث تلتقي حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر، أعمال عنف منذ سنوات، وتواجه الدول الثلاث تمردا إرهابيًا اندلع في شمال مالي في العام 2012 وامتد إلى النيجر وبوركينا فاسو في العام 2015.
كذلك شهدت الدول الثلاث انقلابات اعتبارا من العام 2020، كان آخرها في النيجر، حيث أطاح جنود في يوليو/تموز بالرئيس محمد بازوم.
وقال وزير الدفاع المالي عبد الله ديوب في المؤتمر الصحافي السبت، إن "هذا التحالف سيكون مزيجا من الجهود العسكرية والاقتصادية بين الدول الثلاث"، مضيفًا: "أولويتنا هي مكافحة الإرهاب في البلدان الثلاثة".
على ماذا ينص الميثاق؟
يلزم الميثاق الذي تم توقيعه السبت الموقعين بمساعدة بعضهم البعض، بما في ذلك عسكريا، في حال وقوع هجوم على أي منهم.
ونص الميثاق على أن "أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي طرف متعاقد أو أكثر يعتبر عدوانا على الأطراف الأخرى وينشأ عنه واجب تقديم المساعدة.. بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه".
سر التوقيت؟
وكان الانقلاب الأخير في النيجر سببا في إحداث شرخ إضافي بين الدول الثلاث والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي هددت باستخدام القوة لاستعادة الحكم الدستوري في البلاد.
وتعهدت مالي وبوركينا فاسو بتقديم المساعدة للنيجر إذا تعرضت لهجوم.
وكانت الدول الثلاث أعضاء في القوة المشتركة لتحالف مجموعة الساحل الخمس المدعومة من فرنسا مع تشاد وموريتانيا، والتي تشكلت في عام 2017 للتصدي للجماعات الإرهابية في المنطقة.
ومنذ ذلك الحين، تركت مالي المنظمة الخاملة بعد انقلاب عسكري، وقال رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم في مايو/أيار من العام الماضي، إن القوة أصبحت الآن "ميتة" بعد رحيل مالي.
وتوترت العلاقات بين فرنسا والدول الثلاث منذ الانقلابات.
والجمعة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن السفير الفرنسي في نيامي "يحتجزه" العسكريون الممسكون بالسلطة وأنه لا يتناول سوى "حصص غذائية عسكرية".
وترفض باريس الاعتراف بالسلطات النيجرية الجديدة، كما ترفض مغادرة سفيرها سيلفان ايتيه تلبية لطلب الانقلابيين الذين أطاحوا الرئيس محمد بازوم المحتجز في قصره.
ولدى سؤاله عن احتمال عودة السفير إلى باريس، قال ماكرون: "سأفعل ما سنتفق عليه مع الرئيس بازوم لأنه هو صاحب السلطة الشرعية"، موضحا أنه يتحدث "كل يوم" إلى الرئيس النيجري المنتخب ديمقراطيا في 2021 والذي تجمعه بماكرون علاقة شخصية وثيقة، بحسب مصادر عدة قريبة من الرئاسة.
واضطرت فرنسا إلى سحب قواتها من مالي وبوركينا فاسو، وهي الآن في مواجهة مشوبة بالتوتر مع المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في النيجر بعد أن طلب منها سحب قواتها وسفيرها.
إضافة إلى محاربة الإرهابيين المرتبطين بتنظيمي القاعدة و"داعش"، تشهد مالي تصاعدا للتوتر بين الجماعات المسلّحة التي يغلب عليها الطوارق والسلطة المركزية.
وقد برزت هذه التوترات مع بدء انسحاب بعثة الأمم المتحدة المنتشرة في مالي منذ العام 2013، والتي دفعتها السلطات المالية للمغادرة في العام 2023.
وتعارض الجماعات المسلّحة نقل معسكرات البعثة إلى الجيش المالي، وسط تنافس على السيطرة على المنطقة. وجعل المجلس العسكري من استعادة السيادة أحد أهدافه.
ويبدو اتفاق السلام الذي تم توقيعه عام 2015 أو ما يسمى اتفاق الجزائر بين الحكومة المالية و"تنسيقية حركات أزواد"، على وشك الانهيار.
و"تنسيقية حركات أزواد" تحالف يضم جماعات تطالب بالاستقلال والحكم الذاتي ويهيمن عليه الطوارق.
ما موقف فرنسا؟
قال مدير معهد تمبكتو في داكار بكاري سامبي، إن "العناد غير الواقعي لماكرون مع خطاب يعزز الانطباع باتباع سياسة الوصاية أصابا الدبلوماسية الفرنسية بالضياع في هذا الملف".
واضاف أن "الخوف من رؤية الوضع في النيجر ينسحب على المنطقة برمتها، أرخى بثقله على العناد الفرنسي. المؤسف أن فرنسا تجد نفسها داخل حلقة مفرغة".
بعد عشرة أعوام من عمليات مكافحة الإرهابيين، دفع العسكريون والدبلوماسيون الفرنسيون إلى خارج مالي، ثم إلى خارج بوركينا فاسو العام الفائت. ومذاك، استعان المجلس العسكري في باماكو بخدمات مجموعة فاغنر الروسية. ولم يبق لباريس سوى حليف واحد في المنطقة هو نيامي.
مصيدة الساحل
أنطوان غلاسر الذي شارك في تأليف كتاب "فخ ماكرون الأفريقي"، قال إن "أسلوب التعبير لدى إيمانويل ماكرون والذي بات يفتقر أكثر فأكثر إلى الدبلوماسية يكشف انزعاجا شديدا. نلاحظ فعلا أنه بات في الزاوية وأن فرنسا وقعت الآن في مصيدة الساحل".
وسبق أن توعدت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالتدخل عسكريا في النيجر لإعادة الانتظام الدستوري. وفي هذا السياق قال غلاسر :"مع كل يوم يمر، يتضاءل إمكان تدخل إيكواس، حتى لو كان ذلك لا يعني أنها لن تقوم" بهذه الخطوة.
aXA6IDMuMTM1LjE4NC4xMzYg
جزيرة ام اند امز