"ارتياب" نيجيري في طريق المغرب إلى "سيدياو"
المغرب يراهن بشكل كبير على انضمامه إلى المجموعة الاقتصادية "سيدياو"، رغم أن الانضمام مازال متعثرا بسبب الارتياب النيجيري.
لا يزال المغرب يسابق الزمن لضمان قبول طلب انضمامه إلى التكتل الاقتصادي لدول غرب إفريقيا “سيدياو”، عقد رؤساء المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بعد أن تجاهلت القمة الاستثنائية الأخيرة للتجمع والتي عقدت أبريل/ نيسان الجاري في العاصمة التوغولية ليومي، الطلب المغربي بالانضمام للتكتل.
يراهن المغرب بشكل كبير على انضمامه إلى المجموعة الاقتصادية "سيدياو" كعربون وفاء للتاريخ المشترك الذي يربطه بالقارة السمراء، وهو انضمام يحمل لا محالة رهانات مشتركة مع عدد من بلدان إفريقيا، والهدف هو تنمية الاستثمارات ورفع مستوى التبادل التجاري الذي ما يزال ضعيفا.
ومنذ أن تقدم المغرب بطلب رسمي للانضمام إلى المجموعة في فبراير/ شباط من العام الماضي، كثرت الندوات والتحليلات الراصدة للأسباب الكامنة وراء رغبته في تقوية تعاونه مع دول غرب إفريقيا، التي تعتبر أقوى وأنجح تكتل اقتصادي في القارة السمراء بسوق استهلاكية تقدر بـ350 مليون نسمة.
وعكس ما يعتقد حول رغبة المغرب في الاستفادة أكثر بدخوله سوق "سيدياو"، فإن الرباط لديها أيضاً فرص كثيرة لاستقطاب الاستثمار من دول هذه المجموعة الاقتصادية، كما أن الأمر ذو فائدة للطرفين معاً وللقارة الإفريقية أجمع، بهدف الرفع من التجارة البينية وخلق سلاسل قيمة إقليمية لمواكبة السوق الدولية.
وفي هذا الصدد، قالت سناء لحلو، مديرة دولية بالوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، إن اندماج المغرب في "سيدياو" سيتيح تعزيز الاستثمارات والصادرات بين مختلف الدول، إلى جانب تموقع المجموعة في المرتبة السادسة عشرة عالمياً من الناحية الاقتصادية.
وترى لحلو، في حوار أجرته معها جريدة هسبريس الإلكترونية على هامش مشاركتها في ندوة نُظمت الأسبوع الماضي بأبيدجان حول رهان انضمام المغرب إلى "سيدياو"، أن الأمر يمثل أيضاً فرصة جيدة للمستثمرين من هذه الدول لاستغلال الفرص المتاحة في المملكة.
وأوضحت المسؤولة بالوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات أن هذا الانضمام المرتقب يشكل أيضاً فرصة لربط المنطقة بسلاسل القيمة العالمية عبر تحقيق التكامل الصناعي بين المغرب والدول الخمسة عشرة المكونة للمجموعة الاقتصادية.
وترى لحلو أن "سيدياو" بـ16 دولة، أي بانضمام المغرب، سيكون ناتجها المحلي الإجمالي قرابة 730 مليار دولار، كما أن توسيع أعضاء المجموعة سيساهم في تعزيز الاستقرار الماكروـــ اقتصادي في المستقبل وتحقيق التكامل والتقارب بين الاقتصادات.
ويعتبر أبرز مكسب سيتحقق بهذا الانضمام هو تموقع المغرب كحليف لمواجهة الدول الناشئة مثل الصين والبرازيل وبعض البلدان الأوروبية، إضافة إلى زيادة جاذبية الاستثمار في المجموعة، ورفع حجم التجارة البينية الإفريقية التي لا تتجاوز حالياً 13%، وتسهيل الولوج إلى القروض والأسواق المالية.
وخلافاً للأفكار الرائجة، تعتقد سناء لحلو أن انضمام المغرب إلى "سيدياو" سيكون فرصة لمستثمري المجموعة للاستثمار في المملكة، مشيرةً إلى أن المغرب وضع في السنوات الأخيرة عدداً من الإجراءات والتدابير لتنويع مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر بهدف جذب أكثر للمستثمرين من القارة السمراء.
وأوضحت في هذا الصدد أن اقتصاد المغرب يتميز بالاستقرار والانفتاح، ويقر تدابير ضريبية محفزة وحماية حقوق المستثمرين الأجانب عبر إتاحة ترحيل الأرباح إلى الخارج، إضافة إلى تبسيط مساطر إنشاء المقاولات عبر نموذج "one stop shop".
وما يحفز أكثر الاستثمار الأفريقي في المغرب هو الهيكلة التي يتميز بها الاقتصاد المغربي بإعطاء أولوية للصناعات الناشئة ذات القيمة المضافة العالية؛ أهمها صناعات السيارات والطيران والكهرباء، والصناعات الإلكترونية، والنسيج، وتقنيات الاتصال والتواصل.
ومن بين المستثمرين الأفارقة المتواجدين في المغرب، نجد دولة نيجيريا عبر مجموعة "Dangote"، من خلال شركاتها المتخصصة في اللوجستيك والأسمدة، إضافة إلى الكونغو عبر مجموعة "Etoka" المتخصصة في النفط والغاز ومواد التشحيم.
في سياق متصل، أبدت مجلة "فايننشال أفريك" اهتماماً متزايداً مع اقتراب انضمام المغرب إلى المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، المعروفة اختصاراً بـ "سيدياو"، وقالت إن "هذا التوجه الاستراتيجي سيلعب دوراً هاماً في خلق التوازنات الاقتصادية داخل هذا التكتل الجهوي، بالرغم من بعض التعقيدات التي قد تواجهه قبل المصادقة النهائية عليه.
وفي افتتاحية لها خصَّصَتْها للحديث عن انضمام المغرب للمجموعة الاقتصادية "سيدياو"، قالت المجلة إن "هذا الانضمام سيُتيح بشكل كامل تحركاً حراً للأفراد وعملة موحدة مُرتقبة، وبالتالي إحساس المغاربة أكثر بهذا الاندماج موازاة مع الإرادة السياسية التي تعكس التوجه الإفريقي، خاصة بعد التجاوب الكبير الذي لقيه هذا الطلب وتوج بموافقة غالبية هذه الدول مبدئياً عليه.
وأشارت الافتتاحية إلى أن "مشاركة المغرب ستمكن الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من اعتماد خطط شراكة متوازنة تسمح للقطاع الخاص المغربي والغرب الإفريقي بتوحيد الجهود في معالجة الفوارق على مستوى التنمية والرفع من الحواجز التي تعيق تحرك الأسواق الاقتصادية".
ويعتبر المغرب أكبر مستثمر في المنطقة؛ إذ وقّع على اتفاقيات عدة مع بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تهم بالأساس بالجانب الاقتصادي، تقول الافتتاحية، مضيفة: "على مستوى الماكرو اقتصادي، سيشكل المغرب ونيجيريا سوقين أساسين داخل هذا التكتل الجهوي، وسيعملان معاً على تحقيق عدد من المشاريع المعلقة، أهمها إنشاء وزارة خارجية خاصة بالمجموعة؛ وذلك لتوحيد رؤية المجموعة السياسية وتقديم جبهة موحدة في المفاوضات الدولية".
وتوقفت المجلة الإفريقية التي تعنى بقضايا الاقتصاد والأعمال عند ما سمته بـ"ارتياب" نيجيري من انضمام المغرب للمجموعة الجهوية؛ إذ كانت "كيغالي" قد امتنعت عن التوقيع على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الإفريقية الحرة وبرتوكول حرية التنقل للأفراد والبضائع بين دول القارة السمراء، التي وقعتها أكثر من 50 دولة إفريقية، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة تخالف تقاليدها المبنية على التضامن والوحدة، وتعكس مواقف متباينة بخصوص انضمام المغرب للتكتل الاقتصادي الجهوي.
وتضم مجموعة "سيدياو" 15 دولة هي بنين، بوركينا فاسو، الرأس الأخضر، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، كوت ديفوار، ليبريا، مالي، النيجر، نيجيريا، السنغال، سيراليون، وتوغو. وتغطي هذه الدول مساحة إجمالية تقدر بـ 5 ملايين و100 ألف كيلومتر مربع.
وإذا ما تمّ قبول انضمامه لهذه المجموعة الإفريقية، فسيكون المغرب ثاني أكبر اقتصاد فيها بعد نيجيريا، التي ينجز معها مشروعًا ضخمًا لمد أنبوب الغاز إلى البحر الأبيض المتوسط، تستفيد منه الدول الأعضاء في مجال الطاقة الكهربائية والاندماج الصناعي الإقليمي.