الاحتفال بليلة النصف من شعبان.. كيف يحيي المسلمون الليلة المباركة؟
تكثُر طرق الاحتفال بليلة النصف من شعبان المباركة التي يطبقها المسلمون، فقد ذكرت دار الإفتاء المصرية موعدها وحكم الاحتفال بها حيث يكون مشروع على جهة الاستحباب.
أجمع علماء المسلمين على أن النصف من شعبان ليلة مباركة لها مكانة كبيرة، حيث يستحب الاحتفال بليلة النصف من شعبان عن طريق الدعوة فيها بالعفو والمغفرة وصلاح الحال، مع الصوم وقراءة القرآن والتصدق وقيام الليل وترك المشاحنة والخصام.
وتتنوع مظاهر الاحتفال بليلة الخامس عشر من شهر شعبان بين الدول، إذ تكتفي بعضها بتخصيص هذه المناسبة المباركة للصلاة وأعمال الخير، فيما تشرع دول أخرى للاحتفال بتوزيع حلوى مخصصة مع إقامة بعض المظاهر الأخرى.
أهمية ليلة النصف من شعبان
تعتبر ليلة النصف من شعبان من أهم الليالي التي تكثُر بها النفحات الربانية، وذلك لأن الله عز وجل يمحو فيها السيئات ويُضاعف فيها الحسنات لمن يشاء. فقد ذُكرت بعض الأحاديث التي تدل على مكانتها، منها:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".
ماذا حدث في ليلة النصف من شعبان؟
تكمن أهمية ليلة النصف من شعبان وحكم الاحتفال بها في أنها الليلة التي تم تحويل القبلة فيها من بيت المقدس إلى البيت الحرام في مكة المكرمة. ويتوقع البعض أنه تم تغير القبلة في العام الثاني من الهجرة، بعد أن ظلت القبلة تجاه المسجد الأقصى لمدة ستة عشر شهرًا.
وكانت الحكمة من تحويل القبلة هو زيادة تقوية إيمان المؤمنين وتطهير قلوبهم ونفوسهم، حيث تبين من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ويصد كلامه ومن يكذبه وينقلب عليه. فقد قال الله تعالى:
"وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ".
فضل ليلة النصف من شعبان
يكون لليلة النصف من شعبان فضل عظيم، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الأحاديث الشريفة التي توضح فضلها ومكانة شهر شعبان، وإن كان بعضها ضعيف. ومن هذه الأحاديث الشريفة ما يلي:
"إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثر من شَعْرِ غَنَمِ بني كلب، وهي قبيلة فيها غنم كثير". رواه أحمد والطبراني.
وأيضا:
كما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنه: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قُبِضَ، فَلَمَّا رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: “يا عائشة أو يا حُميراء ظننت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خَاسَ بك”؟ أي لم يعطك حقك. قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضتَ لطول سجودك، فقال: "أَتَدْرِينَ أَيُّ ليلة هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال “هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين ، ويرحم المسترحِمِينَ، ويُؤخر أهل الحقد كما هم".
هل الاحتفال بليلة النصف من شعبان بدعة؟
ورد العديد من الأحاديث الشريفة التي توضح فضل ليلة النصف من شعبان وحكم الاحتفال بها فهي ليلة مباركة، لهذا يكون من السنة النبوية الاحتفال بها وإحيائها. فقد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
"فقدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة، فخرجت أطلبه فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء، فقال: يا عائشة، أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟، فقلت: وما بي ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب".
رأي دار الإفتاء في الاحتفال بليلة النصف من شعبان
ومن جانبها فقد أعلنت دار الإفتاء المصرية عن رأيها في حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان، حيث قالت لا بأس بالاحتفال بليلة النصف من شعبان.
وأكدت أنها ليلة مباركة، ورد في ذكر فضلها عدد كبير من الأحاديث يعضد بعضها بعضًا ويرفعها إلى درجة الحسن والقوة.
فقد ورد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا...؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجة."
رأي علماء الشام في الاحتفال بليلة النصف من شعبان
كما اختلف علماء الشام في صفة إحياء ليلة النصف من شعبان، وقال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف":
"اختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين؛ أحدهما: أنه يُستحب إحياؤها جماعةً في المساجد. كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المسجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله. والثاني: أنه يُكرَهُ الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يُصلي الرجل فيها بخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم".
بينما استحب بعض العلماء قيام مثل ليلة النصف من شبعان وليلة القدر فرادى، وقال بعضهم:
لا بأس باجتماع الناس بمكان كالمسجد لإحيائها جماعة.
الاجتماع في المساجد لإحياء ليلة النصف من شعبان
ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة الاجتماع لإحياء ليلة النصف من شعبان وليلتي العيدين في المساجد، لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، فأنكره أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم:
عطاء وابن أبي مليكة وفقهاء أهل المدينة وأصحاب مالك وغيرهم، وقالوا ذلك كله بدعة ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه.
ما هي مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان؟
تحتفل أغلب الدول العربية والإسلامية بليلة النصف من شهر شعبان وإن كانت مظاهر إحيائها مختلفة ومتنوعة. في مصر، اعتادت وزارة الأوقاف تنظيم احتفالية لإحياء ليلة النصف من شعبان بأحد مساجدها الشهيرة عقب صلاة العشاء يوم 14 شعبان. ويكون الاحتفال كما يلي:
- تلاوة ما تيسر من القرآن الكريم.
- إلقاء كلمة للدكتور رئيس جامعة الأزهر حول الدروس والعبر المستفادة من هذه الذكري الكريمة.
- ثم كلمة الوزارة وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد والقرآن الكريم، حول إمكانية ترجمة دروس ذكري ليلة النصف من شعبان، لتحقيق نهضة الأمة الإسلامية، وتحسين أحوال شعوبها.
- يختتم الاحتفال بابتهالات دينية حول تلك المناسبة.
- يشارك في الاحتفال لفيف من قيادات الأزهر، والأوقاف، والقيادات الدينية، والسياسية، وسفراء الدول العربية، والإسلامية بالقاهرة.
يكون الاحتفال بالمناسبات الدينية منبعه تعميق وترسيخ لمعاني الإسلام السمحة وأهدافه السامية في النفوس، معتبرة أنه أحد أهم وسائل نشر الوعي الإسلامي الصحيح.
حق الليلة
من العادات المنتشرة منذ مئات السنين في منطقة الخليج العربي الاحتفال بـ"حق الليلة"، لكن بعض دول الخليج مثل الإمارات والسعودية والبحرين تحتفل بها في ليلة 15 من شعبان، أما الكويت وعُمان فتحتفلان بها في ليلة 15 رمضان.
وفي الإمارات، تعرف احتفالات ليلة النصف من شعبان باسم "حق الليلة قرقيعان" وتعتبر جزءً من التراث الأصيل للدولة الذي توارثته الأجيال، وهي من عادات الأجيال القديمة لاستقبال رمضان وتعريف الأطفال بموعد قدوم الشهر الفضيل.
وبالرغم من تطور الملابس والحلويات والديكورات فلا تزال حق الليلة تحتفظ برونقها التراثي فترى الكبار يتقاسمون السعادة مع أطفالهم عند الاحتفال بهذه المناسبة.
كما تشهد احتفالات حق الليلة ارتداء الأطفال ملابس مخصصة للمناسبة (الأولاد الكندورة والفتيات أثواب ملونة)، وجمع الحلوى من أفراد العائلة دون أن يجوبوا الأحياء لجمعها مثل قديم الزمن، إذ صارت تقام هذه الاحتفالية في بيت الجد والجدة، بحضور كل أفراد العائلة، وتقوم كل عائلة بتوزيع حلويات حق الليلة الخاصة بها على الأطفال.
هل الدعاء مستجاب في النصف من شعبان؟
من فضل الدعاء في ليلة النصف من شعبان إنه ورد عن بعض الصالحين أن ليلة النصف من شعبان من الليالي الخمس التي يستجاب الله فيها الدعاء وتُفتح فيها أبواب السماء.
كما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنه: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قُبِضَ، فَلَمَّا رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: “يا عائشة أو يا حُميراء ظننت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خَاسَ بك”؟ أي لم يعطك حقك. قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضتَ لطول سجودك، فقال: "أَتَدْرِينَ أَيُّ ليلة هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال “هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين ، ويرحم المسترحِمِينَ، ويُؤخر أهل الحقد كما هم".
ما ورد في ليلة النصف من شعبان
فقد ورد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
"لم أرك تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع علمي وأنا صائم".
لماذا سميت ليلة البراءة؟
يُطلق على ليلة النصف من شعبان ليلة المغفرة أو ليلة البراءة أو يوم الكفارة. ذلك لأنها الليلة التي يمحو الله فيها الله الذنوب ويغير فيها الأقدار. فهي ليلة البراءة من المعاصي والذنوب.
أسماء ليلة النصف من شعبان
كما من المعروف أن ليلة النصف من شعبان أُطلق عليها حوالي ثلاثة عشر اسمًا، والتي تصف أحداثها، ومنها:
- ليلة البراءة.
- ليله الدعاء.
- ليلة القِسمة.
- ليله الإجابة.
- الليلة المباركة.
- ليله الشفاعة.
- ليلة الغفران والعتق من النيران.
- ليله التكفير.
- ليلة الحياة ليلة الشفاعة.
- ليله المغفرة ليلة العتق.
- ليلة القسمة والتقدير.
وأخيرًا، فالاهتمام بها وإحياؤها من الدين ولا شك فيه، وهذا بعد صرف النظر عما قد يكون ضعيفًا أو موضوعًا في فضل هذه الليلة.