احتفالات النصف من شعبان.. كيف يحيي المسلمون الليلة المباركة؟

يحتفل ملايين المسلمين بليلة النصف من شعبان المباركة بطرق مختلفة، ابتداء من مغرب ليلة 14 من الشهر العربي وحتى فجر اليوم التالي.
وأجمع علماء المسلمين على أن النصف من شعبان ليلة مباركة لها مكانة كبيرة، ومن المستحب الدعوة فيها بالعفو والمغفرة وصلاح الحال، مع الصوم وقراءة القرآن والتصدق وقيام الليل وترك المشاحنة والخصام.
ويختلف موعد احتفال الدول العربية والإسلامية بالليلة المباركة هذا العام، نتيجة اختلافهم في رؤية هلال شهر شعبان، إذ ظهر في سماء بعض الدول يوم 13 مارس 2021، وأخرى استطلعته يوم 14 من الشهر ذاته.
تتنوع مظاهر الاحتفال بليلة الخامس عشر من شهر شعبان بين الدول، إذ تكتفي بعضها بتخصيص هذه المناسبة المباركة للصلاة وأعمال الخير، فيما تشرع دول أخرى للاحتفال بتوزيع حلوى مخصصة ومظاهر أخرى.
حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
اختلف المسلمون حول مشروعية الاحتفال بليلة النصف من شعبان، فقال البعض إنه لا يُعرف في صحيح السنة المطهرة مشروعية تخصيص هذه الليلة للقيام والصلاة والذكر وقراءة القرآن، أو توزيع الحلوى وإطعام الطعام ونحو ذلك.
بينما رأى البعض الآخر، ومنها دار الإفتاء المصرية، أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان وإحياء ليلها وقيامه وصيام نهارها مباح شرعا؛ لما فيه من خير كثير وليس بدعة.
وقالت الدار إن "ليلة النصف من شعبان من مواسم الخير التي خص الله تعالى الأمةَ الإسلامية بكثير منها، لذا يُستحبُّ صيامُ نهارها، وقيام ليلها، والتقرب إلى الله فيها بالذكر والدعاء".
وورد سؤال لدار الإفتاء المصرية نصه: "نقوم منذ أمد بعيد بالاحتفال بليلة النصف من شعبان، وذلك باجتماع أهل القرية شيبة وشبابًا وأطفالًا ونساءً بالمسجد لصلاة المغرب، وعقب الصلاة نقوم بقراءة سورة يس 3 مرات يعقب كل مرة قراءة الدعاء بالصيغ التي وردت في القرآن الكريم والدعاء للإسلام والمسلمين.
وكنا سابقًا ندعو بدعاء نصف شعبان المعتاد؛ وذلك بطريقة جماعية وجهرية، وقد استبدلناه بالدعاء من القرآن الكريم. فما رأى الدين في الاحتفال بليلة نصف شعبان بهذه الصورة؟".
وجاء رد الدار كالآتي: "لا بأس بالاحتفال بليلة النصف من شعبان بالكيفية المذكورة؛ فإن ذلك داخلٌ في الأمر بإحياء هذه الليلة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا...؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجة.
بينما قال الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، إنه "لا بأس بقراءة سورة يس 3 مرات عقب صلاة المغرب جهرًا في جماعة؛ فإن ذلك داخل في الأمر بإحياء هذه الليلة، وأمر الذكر على السعة، وتخصيص بعض الأمكنة أو الأزمنة ببعض الأعمال الصالحة مع المداومة عليها أمر مشروع ما لم يعتقد فاعلُ ذلك أنه واجب شرعي يأثم تاركه؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا" رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": [وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك].
وأكد جمعة أن إحياء ليلة النصف من شعبان على الصفة المذكورة أمر مشروع لا بدعة فيه ولا كراهة، بشرط ألا يكون على جهة الإلزام والإيجاب، فإن كان على سبيل إلزام الغير وتأثيم من لم يشارك فيه فإنه يصبح بدعة بإيجاب ما لم يوجبه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المعنى الذي من أجله كَرِه مَن كَرِه مِن السلف إحياء هذه الليلة جماعةً، فإن انتفى الإيجاب فلا كراهة.
الاجتماع في المساجد لإحياء ليلة النصف من شعبان
ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة الاجتماع لإحياء ليلة النصف من شعبان وليلتي العيدين في المساجد، لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، فأنكره أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم: عطاء وابن أبي مليكة وفقهاء أهل المدينة وأصحاب مالك وغيرهم، وقالوا ذلك كله بدعة ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه.
واختلف علماء الشام في صفة إحياء ليلة النصف من شعبان، وقال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف": "اختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين؛ أحدهما: أنه يُستحب إحياؤها جماعةً في المساجد. كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المسجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله. والثاني: أنه يُكرَهُ الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يُصلي الرجل فيها بخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم".
بينما استحب بعض العلماء قيام مثل ليلة النصف من شبعان وليلة القدر فرادى، وقال بعضهم: لا بأس باجتماع الناس بمكان كالمسجد لإحيائها جماعة.
مظاهر الاحتفال بليلة منتصف شعبان
تحتفل أغلب الدول العربية والإسلامية بليلة النصف من شهر شعبان وإن كانت مظاهر إحيائها مختلفة ومتنوعة، ومن أبرزها:
في مصر، اعتادت وزارة الأوقاف تنظيم احتفالية لإحياء ليلة النصف من شعبان بأحد مساجدها الشهيرة عقب صلاة العشاء يوم 14 شعبان.
الاحتفال عادة يبدأ بتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم، ثم كلمة للدكتور رئيس جامعة الأزهر حول الدروس والعبر المستفادة من هذه الذكري الكريمة، فيما يلقي كلمة الوزارة وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد والقرآن الكريم، حول إمكانية ترجمة دروس ذكري ليلة النصف من شعبان، لتحقيق نهضة الأمة الإسلامية، وتحسين أحوال شعوبها، ثم يختتم الاحتفال بابتهالات دينية حول تلك المناسبة، ويشارك في الاحتفال لفيف من قيادات الأزهر، والأوقاف، والقيادات الدينية، والسياسية، وسفراء الدول العربية، والإسلامية بالقاهرة.
هذا العام تنظم الوزارة المصرية الاحتفالية في مسجد السيدة نفيسة (رضى الله عنها)، وقالت إن إحياء الليلة سيكون وفقا للإجراءات الاحترازية وإجراءات التباعد المتبعة ضمن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا.
وأكدت أن الاحتفال بالمناسبات الدينية منبعه تعميق وترسيخ لمعاني الإسلام السمحة وأهدافه ومراميه السامية في النفوس، معتبرة أنه أحد أهم وسائل نشر الوعي الإسلامي الصحيح.
حق الليلة
من العادات المنتشرة منذ مئات السنين في منطقة الخليج العربي الاحتفال بـ"حق الليلة"، لكن بعض دول الخليج مثل الإمارات والسعودية والبحرين تحتفل بها في ليلة 15 من شعبان، أما الكويت وعُمان فتحتفلان بها في ليلة 15 رمضان.
في الإمارات، تعرف احتفالات ليلة النصف من شعبان باسم "حق الليلة قرقيعان" وتعتبر جزءاً من التراث الأصيل للدولة الذي توارثته الأجيال، وهي من عادات الأجيال القديمة لاستقبال رمضان وتعريف الأطفال بموعد قدوم الشهر الفضيل.
ورغم تطور ملابس وحلويات وديكورات حق الليلة، فإنها لا تزال تحتفظ برونقها التراثي فترى الكبار يتقاسمون السعادة مع أطفالهم عند الاحتفال بهذه المناسبة.
وتشهد احتفالات حق الليلة ارتداء الأطفال ملابس مخصصة للمناسبة (الأولاد الكندورة والفتيات أثواب ملونة)، وجمع الحلوى من أفراد العائلة دون أن يجوبوا الأحياء لجمعها مثل قديم الزمن، إذ صارت تقام هذه الاحتفالية في بيت الجد والجدة، بحضور كل أفراد العائلة، وتقوم كل عائلة بتوزيع حلويات حق الليلة الخاصة بها على الأطفال.
هذا العام وخوفا من وباء كورونا، وجهت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث في الإمارات بعدم إقامة التجمعات خلال ليلة النصف من شعبان.
وقالت الهيئة، في بيان عبر حسابها على موقع "تويتر": "مع اقتراب المنتصف من شعبان، ننصح أفراد المجتمع بعدم إقامة التجمعات للاحتفال بمناسبة حق الليلة. الصحة العامة أولوية ومسؤولية اجتماعية، والتكاتف المجتمعي ضرورة لا غنى عنها، ومراعاة التعليمات واجب شرعي ووطني يضمن السلامة ويقود إلى التعافي".
أما في السعودية، فتعرف ليلة النصف من شعبان باسم "القرقيعان" وتشهد احتفالات شعبية واسعة خاصة في مدن القطيف والأحساء والدمام، وسط مشاركة طفولية تردد الاهازيج التراثية.
وفي البحرين، تشهد مدن المملكة احتفالات واسعة حتى ساعة متأخرة من المساء، وتتنوع مظاهر إحياء الليلة من قرية لأخرى، لكن جميعها تتزين بتصميم مجسمات فنية وتثبيت الزينة بقوالب شعبية وابتكارات جديدة، وتتسابق لإقامة المسابقات عبر توفير جوائز قيمة تنوعت بين أجهزة إلكترونية وألعاب.
وتختلف تسمية يوم "حق الليلة" من دولة خليجية لأخرى، إذ تعرف في الكويت باسم "قرقيعان" مثل السعودية، وعُمان بـ"قرنقعشوه"، والبحرين "قرقاعون".