آبي أحمد.. نوبل للإصلاحي الذي أرسى السلام
بدا مختلفا عمن سبقوه من رؤساء وزراء إثيوبيا، حيث عمل على إتاحة الحريات والممارسة السياسية أمام المعارضة ومواطني المهجر، ومحاربة الفساد، وتطوير الاقتصاد
لم يكن فوز آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، بجائزة نوبل للسلام مفاجأة بعد مساهمته في إرساء السلام في بلاده داخليا وخارجيا، وكذلك في دول الجوار عبر مبادرات حققت الاستقرار.
وأعلنت الحكومة الإثيوبية، الجمعة، فوز رئيس الوزراء آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام لعام 2019 لجهوده من أجل إقرار السلام مع إريتريا التي بدأت نواتها في أبوظبي ونضجت في جدة.
"آبي أحمد" الذي تولى منصبه في أبريل/نيسان 2018، بدا مختلفا عمن سبقوه من رؤساء وزراء إثيوبيا، فعقب أداء اليمين تعهد بـ"إتاحة الحريات والممارسة السياسية أمام أحزاب المعارضة ومواطني المهجر، ومحاربة الفساد، وتطوير الاقتصاد"، مشدّدا على "ضرورة معالجة التباينات الداخلية عبر الحوار".
وبالفعل، خلال نحو عام ونصف العام استطاع آبي أحمد البدء في ثورة إصلاحية داخلية، تمكن خلالها من إحداث تغييرات رسمت ملامح مستقبل ليس إثيوبيا فقط، بل مستقبل منطقة القرن الأفريقي.
وأعاد الهدوء النسبي للبلاد التي عانت من اضطرابات داخلية وشعبية على مدار 3 سنوات، حيث اتخذ عدة قرارات لمواجهة النزاعات القبلية في عدد من أقاليم البلاد، والتي سرعان ما تم احتواؤها.
بعد تولي آبي أحمد السلطة، أعاد تشكيل هيئات ومؤسسات الدولة الإثيوبية، حيث جرى تغيير لرئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطنية، في تعديلات هي الأولى من نوعها منذ 18 عاما.
كما سطع نجم المرأة الإثيوبية في إطار إصلاحات سياسية واقتصادية ومصالحات وسلام شامل، بالإضافة إلى إسقاط التهم عن جماعات وحركات معارضة مسلحة، ورحب بعودة قياداتها من المنفى.
وفي سياق سياساته الإصلاحية، تم إطلاق سراح المعتقلين والسجناء المعارضين، بالإضافة إلى رفع حركات المعارضة المسلحة: "قنوب سبات" و"جبهة تحرير أورومو" و"جبهة تحرير أوغادين"، من لائحة المجموعات الإرهابية في البلاد.
** تهدئة النزاعات الداخلية
أخذ آبي أحمد على عاتقه منذ اليوم الأول له في السلطة في إجراء المصالحات بين القوميات والشعوب الإثيوبية في مختلف الأقاليم، وأجرى العديد من الزيارات الميدانية لتهدئة هذه النزاعات.
** أسمرا والطريق لنوبل
وتمثلت أبرز الأحداث الخارجية لآبي أحمد في تحقيق السلام وعودة العلاقات مع الجارة الشمالية إريتريا، بعد قطيعة عقدين، ما مهد الطريق لرئيس الوزراء الإثيوبي نحو نوبل للسلام.
وقرر آبي أحمد التوجه إلى العاصمة الإريترية أسمرا، في يوليو/تموز 2018 في أول زيارة تاريخية له لإعادة العلاقات بين البلدين، وفي التاسع من الشهر ذاته تم الإعلان رسميا عن إنهاء عداء استمر 20 عاما منذ اندلاع الحرب بينهما على حدود متنازع عليها عام 1998.
ووقّع كل من رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" والرئيس الإريتري"أسياس أفورقي" في العاصمة الإريترية أسمرا "إعلان المصالحة والصداقة"، تم بموجبه إنهاء أطول عداء في أفريقيا وفتح السفارات في البلدين وتطوير الموانئ واستئناف رحلات الطيران.
وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018 الماضي، وصل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في زيارة رسمية استغرقت يومين، وكانت الزيارة الثانية بعد إنهاء البلدين خلافاتهما في يوليو 2018.
وبحث أفورقي وآبي أحمد خلال الزيارة العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وأعاد فتح سفارة بلاده لدى أديس أبابا.
وساهمت رغبة خليجية من قبل السعودية والإمارات في إنهاء صراع الشقيقين؛ رفضا للتدخلات الخارجية المتزايدة من بعض القوى الإقليمية التي تبحث لها عن دور في منطقة القرن الأفريقي ومنها تركيا وإيران وإسرائيل.
وهو الأمر الذي ظهر جليا في استضافة جدة منتصف سبتمبر/أيلول الماضي كلا من أسياس أفورقي وآبي أحمد لتوقيع معاهدة السلام والمصالحة.
وعقدت في أبوظبي قمة ثلاثية برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وصولا إلى قمة جدة حيث وقّع الجانبان الإثيوبي والإريتري اتفاقية سلام برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في سبتمبر/أيلول ٢٠١٨.
** جهود خارجية ناجحة
ورغم كل الأحداث في بلاده، مد الشاب الإثيوبي يده للسودان لنزع فتيل الخلافات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، قبل أن تتوج بالنجاح والتوقيع على الوثيقة الدستورية التي جنبت البلاد مخاطر الانزلاق إلى الفوضى.
بل لم يكتف آبي أحمد بذلك وعرض لعب دور الوسيط لحل الأزمة الحدودية بين الصومال وكينيا.
**محاولة اغتيال وإجهاض الإصلاح
كما تعرض رئيس الوزراء الإثيوبي لمحاولة اغتيال فاشلة في 23 يونيو/حزيران 2018، بميدان "مسقل" بالعاصمة أديس أبابا، حيث تم استهدافه بواسطة قنبلة يدوية، خلال مشاركته في تجمع شعبي مؤيد له، ألقاها شخص على المنصة التي يلقي منها خطابه، لكنها لم تنفجر.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، قام نحو 250 من أفراد القوات الخاصة بالجيش الإثيوبي كانوا في مهمات مختلفة بأديس أبابا، باقتحام مكتب آبي أحمد، حاملين الأسلحة، للتعبير عن شكواهم المتعلقة بالأجور وعرض مطالب أخرى، لكن رئيس الوزراء الإثيوبي وصفها بأنها كانت محاولة خطيرة استهدفت إجهاض التغيير الذي تشهده البلاد.
**تعديلات وزارية
وخلال فترة حكمه أجرى آبي أحمد أكبر تعديلات وزارية تشهدها البلاد في عام ونصف العام، بدأها عقب توليه السلطة مباشرة، حيث شكل حكومة من 29 وزيرا ثم سرعان ما أعاد تشكيل حكومة جديدة من 20 وزيرا.
وأسند رئيس الوزراء الإثيوبي نصف حقائب الحكومة إلى سيدات، في تعديل كاسح لأول مرة في تاريخ البلاد، وشمل التعديل أيضاً تعيين أول سيدة لحقيبة الدفاع في تاريخ إثيوبيا، وهي عائشة محمد موسى، ودمج بعض الوزارات وإنشاء وزارات جديدة.
وفي أكتوبر الماضي أيضاً، قدم آبي أحمد أول سيدة للبرلمان لتولي رئاسة البلاد لأول مرة في تاريخ إثيوبيا، وصادق البرلمان الإثيوبي على اختيار السفيرة سهلى ورق زودي كأول امرأة لرئاسة البلاد خلفا للرئيس السابق، ملاتو تشومي.
وفي سياق الإصلاحات الداخلية، أعلنت السلطات الإثيوبية في 12 من نوفمبر/تشرين الثاني، توقيف 63 من كبار المسؤولين في جهاز الأمن والمخابرات بينهم 27 جنرالا بالجيش، للاشتباه في ارتكابهم "انتهاكات" لحقوق الإنسان ووقائع فساد والضلوع في "محاولة اغتيال" رئيس الوزراء الإثيوبي.
تلاها وقوف رئيس الوزراء الإثيوبي في وجه تسونامي انقلاب إقليم أمهرة الفاشل، وتحديداً في 22 من يونيو/حزيران الماضي، والذي تم تصنيفه أخطر محاولة للاستيلاء على السلطة بطرق غير دستورية منذ تولي آبي أحمد الإصلاحي رئاسة الوزراء.
وصاحب ترشيحَ رئيس الوزراء الإثيوبي لجائزة نوبل للسلام دعم كبير عربي وغربي لجهوده في الإصلاح داخليا وخارجيا قبل أن يفوز بها، اليوم الجمعة، رسميا.
وقيمة الجائزة 9 ملايين كرونة سويدية أي ما يساوي نحو 900 ألف دولار، وسيكون تقديمها في أوسلو في العاشر من ديسمبر/كانون الأول.
ومنحت لأول مرة سنة 1901 ويحصل عليها الذين "قاموا بأكبر قدر أو أفضل عمل للتآخي بين الأمم، من أجل إلغاء أو تخفيض الجيوش الدائمة، ومن أجل الحفاظ على السلام وتعزيزه".
aXA6IDMuMTQ5LjI5Ljk4IA== جزيرة ام اند امز