قرار لجنة نوبل النرويجية بتجاهل جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق السلام، ليس فقط في الشرق الأوسط بل في بؤر التوتر حول العالم، لم يكن مفاجئًا، بل هو في الحقيقة مضحك.
إنه ببساطة أحدث مثال على العمى المُتعمد لليسار السياسي في وجه الحقائق. لكن الافتقار إلى الوعي الذاتي هو ما لا يُغتفر وخطير.
الرسالة الموجهة إلى مؤيدي الرئيس - والمترددين بشأنه -هي أن إنجازات الرجل يجب أن تُتجاهل، والأسوأ من ذلك، أن تُنكر تماما. قل لي إن العالم مُزوّر دون أن تخبرني أنه مُزوّر.
مع كل القلق والتوتر الأخيرين بشأن صعود أقصى اليمين في أمريكا وأوروبا وخارجها، يتساءل المرء كيف يتخيل اليسار وأتباعه أن هذه العناصر تكتسب زخما.
من المشكوك فيه أن معظم الألمان الذين انضموا إلى حزب الاشتراكية الوطنية (النازي) أدركوا أنهم بذلك يوقعون على قتل ملايين البشر، ومحرقة لليهود، وحرب عالمية ثانية.
تشير الأبحاث إلى أن المؤيدين كانوا أكثر قلقا بشأن التضخم الجامح، والتفاوت الاقتصادي، والاضطرابات، ودور الحكومة في تفكك النسيج الاجتماعي والثقافي لمجتمعهم. هل يبدو هذا مألوفا؟
حتى اختيار اللجنة لماريا كورينا ماتشادو، وهي سياسية معارضة فنزويلية لم يسمع بها معظم الناس من قبل، يبدو وكأنه مقصود لإثارة الغضب.
لقد حظيت ماتشادو عن استحقاق بالثناء على محاولاتها تحقيق انتقال سلمي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، لكن ترامب هو من زاد الضغط على رئيس فنزويلا، ونعته بـ«إرهابي مخدرات»، بل وعرض مكافأة قدرها 50 مليون دولار مقابل القبض عليه.
ومع أن لجنة نوبل وجائزتها للسلام فقدتا منذ زمن طويل صدقها، لا سيما منذ منحت الجائزة في عام 2009 للرئيس المنتخب آنذاك باراك أوباما حتى من قبل أن يتولى منصبه، فإنه من الصعب تصور أن هذا التجاهل الأخير لن يترك أثرًا. إذ إن ثماني سنوات أوباما في الحكم لم تسفر عن أي إنجاز في السياسة الخارجية، سوى الاتفاق النووي مع إيران الذي جرى تفكيكه لاحقًا، وهو ما يوضح جوهر المشكلة.
ورغم ما قد يشعر به كثيرون شخصيًا تجاه ترامب، تبقى الحقائق قائمة: فقد أنهى النزاع بين أذربيجان وأرمينيا (وهوما أقرّ به قادتهما صراحة)، وحقق وقفًا لإطلاق النار بين الهند وباكستان، ووضع حدًّا للتصعيد السريع بين إسرائيل وإيران. كما أبرم اتفاقات تاريخية في الشرق الأوسط مرتين: أولًا «الاتفاقيات الإبراهيمية» عام 2020، التي صمدت رغم الهجوم الإسرائيلي على غزة، وثانيًا هذا الأسبوع مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من خطته ذات البنود العشرين لإنهاء القتال هناك.
بالنسبة لمعظم الناس، يُعدّ ذلك أكثر من كافٍ كما يُقال، لكن ليس بالنسبة للآلة اليسارية التي تهيمن على الإعلام والسياسة والثقافة في الغرب. فرفضت السماح لهذا الرئيس بأن يحجز مكانًا في كتب التاريخ، فإنكار الاعتراف بما حققه فعليًا، هو ثغرة أخرى في درع القيم الديمقراطية التي يدّعون الدفاع عنها. إنه سلوك غير مسؤول ومروّع، ويصبّ مباشرة في صالح السردية التي يتبنّاها اليمين المتطرف.
وما الذي يؤمن به اليمينيون المتطرفون؟ أنهم يعيشون في عالم يعاديهم. وماذا يعتقد من يقفون في الوسط؟ أنهم لم يعودوا يثقون بالمؤسسات التقليدية للحكومة والمجتمع.
فماذا يفعل هذا القرار؟ إنه يبرّر لكل هؤلاء ما يعتقدونه.
السؤال هو: لماذا يُحاول اليسار دفع هذا العدد الكبير من الناس ذوي الشكوك المُبررة إلى معسكر اليمين المتطرف، إلا إذا كانوا يُريدون فعلا تمزيق الغرب؟.
كان من المنطقي أن نرى جائزة نوبل للسلام هذه كفرصة لمنح الرئيس ترامب ومؤيديه فوزا مُبررا، مُثبتين أن شيئين يُمكن أن يكونا صحيحين في آن واحد (كراهية المرسل إن لم يكن الرسالة نفسها) وإظهار استعداد لدفع الحوار قدما. لكن يبدو أن اليسار لا يستطيع فعل ذلك، وسيكون ذلك على حسابنا جميعا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة