في زمن تعصف فيه المنطقة بالارتباك، وتتقاطع فيه الشعارات مع الحقائق، برزت الإمارات كاستثناء نادر في عالم عربي مأزوم، لا لأنها تملك موارد ضخمة فحسب، بل لأنها امتلكت الشجاعة الأخلاقية والفكرية لتقول ما لا يجرؤ عليه كثيرون.
لقد انتهى زمن الأوهام، وحان وقت صناعة المستقبل، لا انتظاره.
تُدرك الإمارات أن الدولة التي لا تملك سرديتها، تظل رهينة لخطاب الآخرين. ولهذا، لم تنشغل بردود الأفعال بقدر ما استثمرت في صناعة الأفعال ذاتها.
وحين تخرج بعض الأصوات لتشكك في نواياها أو تحاول افتعال الخصومة معها عند كل منجز، فإن الردّ لا يأتي من أبراج الإعلام، بل من أبراج الطاقة النووية السلمية، ومن مراكز الذكاء الاصطناعي، ومن قاعات المفاوضات الإنسانية.
ليست الإمارات في سباق مع الآخرين، بل في سباق مع الزمن. لا تبحث عن اعتراف، ولا تصطف خلف شعارات أكل عليها الزمان، بل تقود مشروعًا حضاريًا بإدراك واضح أن الأيديولوجيات التي فرّقت العرب منذ القرن الماضي، لن تبني مستقبلًا لأبنائهم في القرن القادم.
في هذا المشهد، لا يُفهم الخطاب الإماراتي إلا في سياق التفوق. فالذين ينتقدونها لا يملكون مشروعًا بديلًا، بل يكتفون برفع لافتات لم يعد أحد يقرأها، والذين يتهمونها بالتطبيع مثلًا، لا يتجرؤون على سؤال أنفسهم عن دورهم الفعلي في حماية الفلسطينيين. أما الإمارات، فدعمت غزة بنسبة 42% من مجمل المساعدات الدولية وبكل هدوء.
الفرق هنا جوهري للغاية، الإمارات ليست في منافسة على الشعارات، بل في سباق على الحلول، لا تلتفت إلى مشاريع أيديولوجية قائمة على الاتجار بالوجدان العربي، بل في الاستثمار في الإنسان وأمنه واستقراره وازدهاره.
فالمسألة ليست في "التطبيع" ذاته، بل في كيفية تعامل كل دولة مع واقعها وشعبها وتحدياتها. من يبني، يختار السلام. ومن يهدم، يتقن فن الصراخ.
هي مقاربة إماراتية فريدة لا تتوقف عند الداخل، بل تمتد إلى طريقة تعاطيها مع محيطها العربي. في سوريا، في السودان، في اليمن، في ليبيا.. بقي موقفها ثابتًا، الحل لا يكون بالسلاح بل بالحوار، وبناء المؤسسات، وعدم الانحياز إلا للحل السياسي والمجتمع المدني.
وربما كان أوضح تجلٍّ لهذه المقاربة ما جرى ويجري في السودان. بقيت الإمارات تركز على تقديم المساعدات الإنسانية، والدعوة إلى حوار لا يُقصي أحدًا. الإمارات لا تدعم سلطة بورتسودان، ولا تدعم الدعم السريع، بل تدعم السودان والشعب السوداني.
هذه العقلانية السياسية تعكس نضجًا استراتيجيًا. فبينما يختار البعض سياسة المحاور أو طرفًا على حساب طرف، تدرك الإمارات أن الحلول في المنطقة والعالم تأتي عبر بناء جسور الثقة، ومعالجة الأسباب لا النتائج.
الإمارات اليوم لا تقدم نموذجًا اقتصاديًا فقط، بل تطرح مشروعًا أخلاقيًا وسياسيًا متكاملًا، كيف تبني دولة عصرية دون أن تتخلى عن هويتها؟ كيف توازن بين الطموح السيادي والواقعية السياسية؟ كيف تصوغ خطابًا يتحدث بلغة العالم دون أن يتنازل عن روايته الخاصة؟
ليست مسيرة سهلة، لكنها تتجه بثقة نحو المستقبل، وفي عالم تتباين فيه الرؤى والخيارات، تمضي الإمارات بخطى واضحة تستند إلى رؤية متكاملة وبرنامج عمل مدروس، وتملك مشروعًا واضحًا ورؤية طويلة المدى، وإرادة متجددة للبناء والتقدم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة