هل يصبح بحر الشمال القوة الاقتصادية الجديدة لأوروبا؟
تكثر المخاوف بشأن مصير الصناعة الأوروبية، حيث وجهت الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الغاز التي أعقبت ذلك ضربة قاسية للقارة العجوز.
وتقوم شركة باسف الألمانية، أكبر منتج للمواد الكيميائية في العالم، بنقل الإنتاج بعيدا عن مقرها الرئيسي في لودفيجشافن في ألمانيا، ما يقرب من ربع شركات Mittelstand -الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلدان الناطقة بالألمانية، خاصة في ألمانيا والنمسا وسويسرا- تفكر في نقل جزء من عملياتها إلى الخارج. وحتى مع تراجع أسعار الطاقة مرة أخرى فإن قانون خفض التضخم الحمائي والمثقل بالدعم في أمريكا يغذي مخاوف جديدة من أن الصناعة قد تغري بالابتعاد عن القارة العجوز.
اقتصاد يتشكل على الطاقة المتجددة في بحر الشمال
إحدى النقاط المضيئة غير المتوقعة هي الجزء من أوروبا الذي يتميز بأشد طقس قاتم. ووفق مجلة "إيكونوميست" البريطانية يتشكل اقتصاد جديد قائم على الطاقة المتجددة في بحر الشمال وما حوله. بدلاً من أن الطاقة الكهرومائية غذت مصانع القطن في لانكشاير والفحم الرخيص، أفران الصلب في وادي الرور بشمال ولاية الراين الألمانية في الأيام الأولى للتصنيع، فإن الوعد بتوفير طاقة الرياح الوفيرة والرخيصة يجتذب الصناعة والبنية التحتية إلى السواحل الشمالية لأوروبا، إذا ازدهر هذا الاقتصاد الناشئ فقد يمنح القارة ميزة صناعية جديدة أكثر اخضرارا.
الرياح القوية لبحر الشمال والضحالة النسبية تجعله معا حوضا ضخما للطاقة الكامنة، بفضل توربينات الرياح الأطول والأكثر قوة، والكابلات الأكثر كفاءة تحت سطح البحر والتطورات التكنولوجية الأخرى، يتم الآن استغلالها بشكل متزايد، لدى مجموعة من 9 بلدان بالقرب من هذا المسطح المائي خططا لتركيب 260 جيجاواط من طاقة الرياح البحرية بحلول عام 2050، ما يقرب من خمسة أضعاف ما ينتج في جميع أنحاء العالم اليوم، وهو ما يكفي لتزويد جميع المنازل في الاتحاد الأوروبي التي يبلغ عددها ما يقرب من 200 مليون منزل.
إيسبيرغ الدنماركية.. عاصمة اقتصاد بحر الشمال
كل هذا يبث الحياة في اقتصاد ساحلي جديد. إيسبيرغ Esbjerg، وهي بلدة في جنوب غرب الدنمارك يعتبرها البعض عاصمة لاقتصاد بحر الشمال، تفتخر الآن بشركات تصنع معدات لبناء وصيانة توربينات الرياح. زود الكثير منهم صناعة النفط والغاز البحرية في السابق، لكنهم حولوا انتباههم إلى العملاء الأكثر مراعاة للبيئة.
بدأت بلدان الشمال الأوروبي في جذب مصانع البطاريات ومراكز البيانات المتعطشة للطاقة. على ساحل بحر الشمال الألماني، هناك خطة على قدم وساق لبناء منشآت لتحويل الأمونيا التي يسهل نقلها إلى هيدروجين، لتزويد المصانع بالوقود في المجمعات الصناعية القريبة. حتى أجزاء من صناعة الصلب يمكن أن تتحرك شمالا، حيث يحل الهيدروجين محل الفحم أو الغاز في عملية التصنيع.
لكن لكي ينطلق هذا الاقتصاد ستحتاج أوروبا إلى تركيز طاقاتها، قد تكون البداية الجيدة هي قطع الروتين، قد يستغرق الحصول على تصريح لبناء مزرعة رياح جديدة 10 سنوات أو حتى أكثر، ستحتاج البلدان المطلة على بحر الشمال إلى العمل معًا لضمان عدم اكتظاظ قاع البحر بالكابلات والأنابيب والاهتمام بالبنية التحتية. يمكن مقاومة صعود الاقتصاد الساحلي الجديد بشراسة في المناطق الصناعية القديمة. لذلك؛ سوف يقع على عاتق الحكومات تسهيل الانتقال.
الرياح مواتية للقوة الاقتصادية الأوروبية الجديدة
سيكون المردود جيدا، إذا تم بشكل صحيح؛ حيث يمكن أن يصبح اقتصاد بحر الشمال نموذجًا لأجزاء أخرى من القارة، بما في ذلك شبه الجزيرة الأيبيرية، بإمكانياتها الشمسية الهائلة.
إن مثل هذه التحولات في جغرافيتها الاقتصادية لن تساعد أوروبا فقط على تحقيق طموحاتها المناخية وإعادة توازن مزيج الطاقة لديها بعيدا عن الطاقة الروسية، بل إنها قد تؤدي إلى ظهور نوع من الشركات العملاقة الخضراء التي تحتاجها أوروبا بشدة.