"أحدب نوتردام".. رواية أيقونية تنبأت بحريق الكنيسة قبل 300 عام
فيكتور هوجو يصل بروايته إلى أعلى مستويات الوصف ضد الظلم، ليثبت أن الأحدب يمتلك سلاحا قويا يتمثل في صفاء روحه ونقاء قلبه
ربما بفضل الصدى المدوي الذي أحدثه حريق كنيسة نوتردام، الإثنين، استعاد الكثير من القراء وقائع رواية "أحدب نوتردام" للكاتب فيكتور هوجو التي تنقل قارئها من المظهر القبيح لصفاء الروح وجمال الجوهر.
مؤلف الرواية تنبأ قبل ثلاثة قرون بحريق الكاتدرائية، عندما طرح إشكالية احتراق "نوتردام" باريس في الرواية، قائلاً: "الشعلة الكبيرة الغاضبة لنوتردام دو باريس".
فيكتور هوجو (1802-1885) كان أديبا وشاعرا وروائيا ويعد من أبرز أدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية، وألّف العديدَ من الدواوين لعلّ أشهرها ديوان تأملات Les Contemplations وديوان أسطورة العصور La Légende des siècles.
أمّا خارِج فرنسا، فهو مشهورٌ لكونِه كاتِبا وراويا أكثر من كونه شاعِرا، وأبرَز أعمالِه الروائية رواية "البؤساء" و"أحدَب نوتردام".
كما اشتَهر في حِقبَته بكونِه ناشطا اجتماعيا، حيث كانَ يدعو لإلغاء حُكم الإعدام، في كتابه الشهير Le dernier jour d'un condamné كما كانَ مؤيّداً لنظام الجمهورية في الحُكم، وأعمالُه تَمَس القضايا الاجتماعية والسياسيّة في وقته.
وُلِد هوجو عام 1802 في بيزنسون، وتوفّي عن عُمرٍ يناهز الـ83 عام 1885، ودُفِن في مقبرة العظماء، وتمّ تكريمُ ذكراه بعدّة طُرق، فمثلاً وُضِعت صورته على الفرنك الفرنسي، واقتُبِست رواياته في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والغنائية والمسرحيّة.
وكان لروايته "أحدب نوتردام" دور في تجديد الكاتدرائية خلال القرن التاسع عشر، وتنبأ بسيناريو يشبه الهواجس التي طرحها في روايته التي نشرها عام 1831.
قبل العام الذي طرحت فيه الرواية شهدت الكاتدرائية حريقا التهم الواجهة الجنوبية منها، إحدى الأوجه الثلاثة للكاتدرائية، وأعرب هوجو في روايته عن مخاوفه من أن يتم تشويه الكاتدرائية من الداخل والخارج.
وقال: "من الجميل أن يتم الاحتفاظ بالشيء العتيق، ولكن من الصعب عدم تنفس الصعداء، ويكون السبب هو التعبير عن السخط وليس الضرر والتشويه"، في إشارة إلى السخط ضد النظام الفرنسي آنذاك.
كما أشار إلى أنه "على رأس البرج تتصاعد ألسنة اللهب، في مشهد مهيب حتى دمرته النيران وتهاوى"، وهذا المشهد تكرر بالفعل في حريق الكاتدرائية.
تتحدث الرواية الأشهر في الأدب الفرنسي عن فتى يدعى "كوازيمودو" عانى من سوء المظهر الخارجي ورفض المجتمع الباريسي له، ليأخذه قس الكنيسة "الدوم كلود فلورو" بعيدا عن بشاعة العالم الخارجي ويدخله إلى عالم الوحدة حيث لا تتعدى مهامه قرع الأجراس ولا تتعدى حدود عالمه باب الكنيسة.
أبقى القس الفتى في الكنيسة دائما ليتفادى نظرة الناس الغريبة وخوفهم منه، وفي يوم من الأيام اختير الأحدب ليكون زعيما للمهرجين في حفل تنكري أقيم في باريس، حيث يبدأ دور الراقصة الغجرية التي تدعى "أزميرالد"، والتي يحاول القس أن يتقرب لها ويقنعها بحبه ولكنها تظل ترفضه، غير أن الأحدب يعجب بها أيضا، وهنا يبدأ الصراع النفسي والإنساني الذي يبرز معاناة الطرفين.
ويظل الأحدب يراقب الراقصة الغجرية سرا من مكان لآخر حتى يتعرض لها أحد الأشرار فيقف في وجهه ويدافع عنها لتتمكن من الهرب، ويقع هو في يد السلطات، حيث يتم تعذيبه بالجلد في ساحة عامة أمام حشود من الشعب، وخلال تنفيذ الحكم تخرج أزميرالدا وتبرر ما فعله الأحدب.
وتتصاعد الأحداث بعدها ليدبر القس فرولو مكيدة للغجرية، فيستعير سكينها الذي يحمل اسمها، ويقتل أحد وزراء الملك، لتحمل هي التهمة، فيحكم عليها بالإعدام، إلّا أن الأحدب يدرك المكيدة التي سقطت فيها، فيدبر الخطط لإنقاذها ويفلح في ذلك.
وبعد أن يكتشف الملك من قاتل وزيره الحقيقي، يأمر بجلب القس، إلا أن الأخير وقبل أن يقبض عليه ينتقم من صنيع الأحدب فيقتله، وتعيش أزميرالدا على ذكرى الأحدب بعد أن اكتشفت حجم حبه لها.
يمثل لقاء الأحدب بالراقصة الغجرية أزميرالد إيمان الكاتب بأن الصفات الروحية للشخص تطغى على المظهر الخارجي له، وأن الإنسانية لا يمكن أن يتم إخفاؤها، أما الانعزال الذي عاشه الأحدب بسبب مظهره يمثل نبذ ورفض المجتمع لأي اختلاف يظهر بينهما.
في حين يخفي "كوازيمودو" وراء مظهره القبيح قلبا أبيض وروحا جسورة منعتها غرابة المظهر من الانطلاق للحياة وحبستها في غياهب أحد أبراج كاتدرائية نوتردام، ووراء المظهر الخشن والتشوه الخُلقي، كان لـ"كوازيمودو" قلب رقيق يخشى أذى محبيه ويحرص على حمايتهم بشتى الطرق حتى إن عرضه ذلك للخطر، وتجسد ذلك حين حاول حماية الفتاة التي أحبها دون انتظار ردٍّ للجميل الذي قدمه لها.
ويلخص صراع كوازيمودو مع مجتمعه والمصير الذي سيؤول إليه صراع المظهر السطحي وقدرته على تحديد مسار حياة شخص بأكملها إذا ما واجه مجتمعا ذا معايير وقوالب لا تأخذ بعين الاعتبار كينونة الشخص وماهيته، كما يعد تجسيدا لآلام ومعاناة من أرادوا أن تُمنح أرواحهم فرصة لتثمر وتفيض على من تحب بجميل خصالها.
واستطاع الكاتب فيكتور هوجو أن يصل بروايته إلى أعلى مستويات الوصف ضد الظلم، ليثبت أن الأحدب ذو الإعاقة الجسدية يمتلك سلاحا قويا يتمثل بصفاء روحه ونقاء قلبه، لينتصر على آفة الظلم السائدة.
ويمكن اعتبار الرواية واحدة من أيقونات الأدب الفرنسي الخالدة التي تقرأ في جميع أنحاء العالم، خاصة مع تحول أحداثها لفيلم سينمائي مبهر في نسخة بشرية وأخرى كارتونية ذاعت في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي حول الرواية إلى أيقونة.