السوداني طارق الطيب لـ"العين الإخبارية": نعيش في زمن "دلال الرواية"
الروائي السوداني طارق الطيب يؤكد أن الرواية غير منوطة بطرح أجوبة عن القضايا التي تطرحها، وأن الروائي ليس مطلوبا منه أن ينظر أيديولوجياً
في أغلب كتاباته الروائية يوجه طارق الطيب، الكاتب السوداني المقيم في النمسا، جل اهتمامه إلى قضايا الوطن العربي وبشكل خاص السودان.
ومنذ عام 1984 غادر الطيب إلى فيينا، حيث أنهى دراسته في فلسفة الاقتصاد وهو يعيش الآن فيها ويعمل إلى جانب الكتابة الأدبية بالتدريس الجامعي، ونشر حتى الآن 4 روايات ومجموعتين قصصيتين و5 مجموعات شعرية ومسرحية واحدة، وكتابا في السيرة الذاتية إلى جانب كتاب جمع مقالاته.
وعبر مسيرته الأدبية حصل الطيب على عديد من المنح الكبرى والجوائز منها منحة إلياس كانِتي (Elias Canetti) الكبرى في فيينـا عام 2005 والجائزة الكبرى للشعر في رومانيا في 2007، ووسام الجمهورية النمساوية تقديرا لأعماله في مجال الأدب والتواصل الأدبي داخليا وعالميا.
وفي حواره لـ"العين الإخبارية" أكد طارق الطيب، الذي ولد في القاهرة وعاش ودرس فيها حتى أنهى تعليمه الجامعي، أن المشهد السوداني غني إبداعيا، مشيرا إلى أن الشعر والرواية لا يزالان يسيران جنبا إلى جنب، ولكننا الزمن الحالي هو زمن "دلال الرواية".. وإلى نص الحوار:
عرفك القراء قاصا وشاعرا ثم تحولت إلى الرواية.. كيف سحبتك "غواية السرد" من الشعر؟
أظن أن القصة هي نوع من السرد أيضا، وأول ما صدر لي كان رواية (مدن بلا نخيل) كطبعة أولى في دار الجمل، كولونيا، بألمانيا في عام 1992، ثم المجموعة القصصية (الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء) عن دار الحضارة للنشر بالقاهرة في عام 1993.
أمّا أول ديوان شعر فقد صدر باللغتين الألمانية والعربية في فيينا، وحمل عنوان (حقيبة مملوءة بحمام وهديل) عن دار سيلينه للنشر في فيينـا في عام 1999، ثم تبعه الديوان الثاني (تخليصات) عن دار ميريت للنشر القاهرة 2002؛ بهذا لم تسحبني غواية السرد من الشعر؛ فالكتابة عندي على كل حال "تتنوع" في أشكال تبدو في تصنيفاتها مختلفة، لكن النسيج عندي واحد والأفكار متقاربة.
كيف ترى وتقيم المشهد الثقافي السوداني في ظل الظروف الحالية؟
إن المشهد السوداني غني إبداعيا، وهذا الانتشار ظهر لِما نُشر خارج السودان، فالمنشور داخل السودان لا يَظهر خارجه بالشكل اللائق، ونظريا الكم لا يعكس الكيف أبدا في كل الروايات المنشورة في أي مكان في العالم، والاحتكاك الدولي والعالمي مهم لتتبوأ الرواية السودانية الموقع الجدير بها، وهي جديرة بذلك.
هل يمكن القول إن الرواية حلت مكان الشعر الذي يطغى حضوره في السودان؟
المجتمع العربي تأصَّل أدبيا على الشعر منذ الجاهلية، والرواية أخذناها عن أوروبا منذ عهد حديث، وإن كان لنا تراث عظيم في السرد لم نكتشفه بعد، لذلك بدأتْ كل مجتمعاتنا العربية الحديثة بالشعر أولا، وقد نشأ آنذاك لدواعٍ نضالية تشحذ الجماهير وتزكي فيهم الحماس والوعي، وعموما الشعر والرواية لا يزالان يسيران جنبا إلى جنب لكننا في "زمن دلال الرواية"!
تعيش خارج السودان منذ سنوات ما الذي أعطاه المهجر لـ"طارق الطيب" وما الذي سرقه منه؟
فيينا هي مدينتي الأثيرة وأنا لا أسميها مهجرا أو منفًى أو مكان اغتراب ولا كل هذه المسميات الحزينة. عشت منذ مولدي في مصر لربع قرن ثم انتقلت بعدها للنمسا وأعيش فيها منذ 35 عاما، فهي لم تسرق مني شيئا، بل بالعكس أتاحت لي فرصا للعمل وللإبداع وللحياة بصورة لم أكن أحلم بها أصلا، وبالطبع لها تأثير إيجابي كبير على هويتي وبالتالي على شخصيتي وكتاباتي كلها.
في روايتك الأخيرة "وأطوف عاريا" رصد لأوضاع الأفارقة اللاجئين حديثا إلى أوروبا..ما الذي حفزك لكتابة النص؟
الأفكار تأتي إما تراكميا أو لحظيا وعفويا، تراكمتْ عندي فكرة "وأطوف عاريا" على مدار سنوات، حين تحول التعامل الإنساني في النمسا إلى تعامل عنصري، بدءا من نهايات التسعينيات، الفكرة كانت كيفية موازاة هذه الأحداث غير الإنسانية بشكل فني، لذا فالرواية مبنية على حقائق تاريخية وعلى خيال أدبي، مضفورين معا بالتركيز على الحالة الأوروبية للمهاجرين في بداية الوصول لأول شاطئ، وكانت كارثة "لامبيدوزا" في إيطاليا هي الشعلة اللحظية العفوية التي خلقت رواية "وأطوف عاريا".
برأيك ما الحد الفاصل بين الواقع والمتخيل في "وأطوف عاريا" شخوصاً وأحداثاً؟
في رواية "وأطوف عاريا" ليست هناك أي حدود واضحة بين الواقع والمتخيل، فكما قلت في السؤال السابق الرواية مبنية على حقائق تاريخية وعلى خيال أدبي والمزج بينهما هو صنيع الكاتب وفنه. وفي كثير من الأحيان يبدو الواقع أبعد خيالا من الخيال، وليس مطلوبا من الكاتب أن يكون حياديا في تناوله للشخصيات، من الأفضل أن يكون ديمقراطيا في ترك الشخصيات تصرّح بما تريد.
هل الرواية مطالبة بطرح الأجوبة لتحقق فعليا ما يريده الكاتب؟
ليس دور الرواية هو طرح الأجوبة على الإطلاق. الأسئلة التي تطرحها الرواية في واقع الأمر هي تدريب على شحذ وعي واجتهاد القارئ، الأسئلة مجرد ضوء في طريق معتم، وإدراك معنى السؤال هو أمر أصعب وأهم من الجواب، والروائي لا يُنَظِّر أيديولوجيا عبر رسائل مبطنة للقارئ، فهذا عمل الكاتب البائس. الكاتب عليه طرح السؤال وقد يكون في تعدد الأجوبة رحمة.
ما الرواية التي تعدها عملاً استثنائياً في مشوارك الروائي؟
لا أعتبر أي عمل روائي منشور في مشواري الأدبي استثنائيا. بمجرد الانتهاء من إنجاز عمل أدبي والارتياح لدفعه للنشر، يأتيني مباشرة إرهاص دائم بأن على القادم أن يكون أفضل مما سبق، أكتب في كل مرة الرواية التي أريد، لكني لم أشعر حتى الآن أن خزين أفكاري ومحاولاتي وتجريبـي قد نفد.
هل يقلقك تراجع الشعر في المشهد الأدبي؟
الشعر هو الوجدان، لا يهم تراجعه مؤقتا عن الحضور في المشهد، الشعر تبقى له قيمته ووجاهته وأنَفته وخصوصيته على الدوام.
هل استفدت من الشعر وأنت تكتب نصوصك الروائية؟ وأين أنت من الشعر حاليًا؟
في ظني، لا يمكن استغناء أي كاتب عن الشعر اطلاعا وقراءة وليس بالضرورة كتابة، في حالتي أستمتع بالحسنيين: القراءة والكتابة. لا زلت أكتب الشعر طوال الوقت، لكني بطيء في نشره لأسباب خاصة بالتريث.
-ما الذي يستفزك لتكتب عادة؟ وكيف تتكون لديك الرؤية الروائية لنص جديد؟
الحياة كلها مستفزة أغلب الوقت ومحفزة أحيانا. يستفزني الشر والنذالة والغباء والدهاء والتسلط والعنت والحقارة واللؤم وكمية لا بأس بها من هذه الكلمات وأفعالها. الأدب قبسٌ منه معارضة للأفعال الإنسانية القبيحة. النص الجديد عندي شبه مركون في مكان ما بداخلي، ينتظر الولادة في أي وقت وهو غير مرتبط بزمن محدد. قد تكون الفكرة جاهزة تماما وتخرج بسلاسة وقد تكون ولادتها عسيرة فتتأخر.
-كيف تنظر إلى هجرة الشعراء إلى الرواية؟
لا أظنها هجرة، فالشاعر راوٍ أيضا في تكوينه والعكس صحيح، ولا أرى أن الشاعر يبحث عن ضوء واهتمام، بل هو يرى أن كتابته في مرحلة ما تحتاج لتنويع مناسب يدخل في باب السرد، فيكتب رواية أو قصة، ولا غضاضة في الأمر إطلاقا. بالعكس، الشاعر قريب من الرواية ومن القصة، فليمارسها ولا حرج، والعبرة بالجودة وليس بصفة من كَتب!
-يقول الروائي العالمي إرنستو ساباتو إن كل فنان يطمح تجاه قطعة من الكمال، هل ممارستك للأدب خطوة تجاه الكمال؟
إرنستو ساباتو يُعد من كتاب أمريكا اللاتينية المرموقين رغم كتابته لـ3 روايات فقط، لكن لنغير المعنى قليلا ونقول إن الكاتب يطمح نحو إحساس بالرضا والقيمة، الكمال في هذه الحالة أمر نسبي. ممارستي للأدب هي اختيار ورغبة واعتقاد بقيمة الكتابة ولو في زمن آخر، والوقوف على توقع الوصول للكمال والبحث عنه عبر الفن سيؤديان إلى طريق مسدود، وهناك قيم عليا أمام الكاتب يسعى إليها وقد تكلفه عمره بالكامل ولا يصل إليها، لكنها ليست بسراب، فكلما اقترب أو ظن أنه وصل، انفتح الباب شبه الأخير على عوالم أخرى وهذا من حسن حظ المتلقي.
- ما المعوقات التي تحول دون عالمية الأدب العربي من وجهة نظرك؟
الأدب العربي له نصيب من العالمية بالتأكيد، لكنها لا تتناسب مع حجم الجيد والمتميز منه، وأكبر المعوقات المؤثرة في ضعف التواصل عالميا بالشكل المرجو سأختصرها في نقطتين: الأولى هي عدم الاهتمام الحقيقي منا بالمساهمة في توصيل الأدب العربي المتميز لمراكز النشر الأجنبية الكبرى، حيث إن الأمور تسير بعشوائية وبمجاملات، والنقطة الثانية هي سيادة الكثير من الترجمات الخاصة بالكليشيهات والتوابل الشرقية والأحكام المسبقة، من بعض الناقلين الغربيين لنصوص ليست بالجودة أو القيمة التي تثير شهية القارئ الغربي الأصيل لمعاودة القراءة من هذه الثقافة، لأن ما يتم العمل عليه هو تنمية " بالكليشيهات" النمطية عن العالم الشرقي وليس أكثر.