لأول مرة.. ترجمة عربية لـ"يوميات تولستوى" تكشف جوانب حياته الصادمة
الكتاب يقع في 654 صفحة ويتناول أحداث حياته منذ عام 1847 حتى 1857، وفيه يفصح تولستوي عن إصابته بمرض خطير نتيجة حياة اللهو والعبث
يكشف كتاب "ليف تولستوى - اليوميات"، الصادر هذا الشهر في القاهرة بترجمة يوسف نبيل، النقاب عن جوانب غير مطروقة، وقد تكون صادمة في حياة عملاق الأدب الروسي مثل علاقته بالمرأة.
كما يكشف الكتاب آراء مثيرة للجدل تخص تفاصيل التحاقه بالجيش القيصري ومحاولاته نيل وظيفة بالدولة دون جدوى، فضلا عن ولعه بالموسيقى والقمار ومعاناته في كتاباته الأولى.
ويعد ليف نيكولايافيتش تولستوي، 1828-1910، واحدا من عظماء الرواية الكلاسيكية العالمية، كما أنه مصلح اجتماعي وداعية سلام ومفكر أخلاقي تأثر بأفكاره مشاهير التغيير السلمي في العالم لاحقا مثل غاندي ومارتن لوثر كينج، ومن أشهر أعماله روايتا: "الحرب والسلام" و"آنا كارنينا".
وتعد هذه المرة الأولى التي تصدر فيها اليوميات باللغة العربية، ويعد الكتاب الجزء الأول من مشروع ضخم يتناول يوميات تولستوي منذ بدأ كتابتها وعمره 19 عاما حتى وفاته في سن الـ82.
ويؤكد يوسف نبيل، مترجم العمل، أنه يعكف على وضع اللمسات الأخيرة لإصدار باقي الأجزاء الـ5 من هذا العمل غير المسبوق.
وقال لـ"العين الإخبارية": "ربما كان حجم اليوميات الضخم باعثا على عدم ترجمتها إلى العربية حتى الآن، خاصة أنها لم تترجم بصورة كاملة إلى الإنجليزية أيضا، بل صدرت مختارات منها في طبعات عدة، وفي مقدمة إحدى الطبعات الإنجليزية يقول المترجم إن ترجمة يوميات تولستوي بأكملها مهمة مهولة تثير الذعر".
وتخرج يوسف نبيل في كلية الألسن بجامعة عين الشمس، قسم اللغة الروسية، عام 2008، ويعد واحدا من أصغر المترجمين عن الروسية في العالم العربي ممن يمتلكون مشروعا واضحا في هذا السياق.
صدر له "السند المزيف، في الدين والعقل والفلسفة، في العلم والأخلاق والسياسة لليف تولستوي، الحرس الأبيض لميخائيل بولجاكوف، حكايات من أوديسا وسلاح الفرسان لإسحاق بابل، حياتي لأنطون تشيخوف".
الكتاب يقع في 654 من القطع الكبير ويتناول فترة اليوميات من عام 1847 حتى عام 1857، وفيه يفصح تولستوي عن إصابته بمرض خطير نتيجة حياة اللهو والعبث، ويؤكد استفادته ببعض الدروس نتيجة هذه التجربة.
يقول: "ها قد مضت 6 أيام منذ أن ذهبت إلى المستوصف، ومضت 6 أيام أخرى وأنا راضٍ عن حالي تقريبا، بإمكان عوامل صغيرة أن تتسبب في نتائج ضخمة، لقد أصبت بالسيلان، ويمكن بالطبع فهم كيف ولماذا أصبت به".
ويضيف تولتسوي "هذا الأمر التافه أعطاني دفعة لكي أفارق تلك البقعة التي كنت قد ثبَّتُ فيها أقدامي منذ زمن طويل، لكني لم أستطع إطلاقا تجاوزها، فربما كان السبب في ذلك أني قد غرست القدم الخاطئة. أنا هنا وحيد تماما، ولا أحد يزعجني. لا أحد هنا يخدمني أو يساعدني، وبالتالي لا يشغل عقلي وفكري شيء، في الوقت الذي لا بد أن يستمر فيه نشاطي".
ويختتم في هذا الجزء بقوله: "الفائدة الرئيسة التي أجنيها من ذلك الوضع تتلخص في أني قد رأيت بوضوح أن الحياة الفوضوية التي يحياها أغلب الناس في فترة الشباب ليست إلا نتيجة لتفسخ الروح المبكر".
وفي نموذج مدهش لمواجهة النفس بشجاعة، يكشف تولستوى أزمة روحية ونفسية عانى منها تمثلت في إحساسه العميق بالضياع وعدم رضاه عن ذاته.
يقول تولستوي: "أنا واحد من 4 أبناء لمقدم متقاعد، تيتَّم في عمر الـ7، وعُهِد به إلى رعاية بعض النساء والغرباء، ابن لم يتلقَ تعليما جامعيا، تُرك لحاله في عمر الـ17 دون مركز مرموق أو أي وضع اجتماعي، والأهم من كل ذلك تُرك دون قواعد، إنه إنسان ينظم شؤونه بأدق تفاصيلها دون هدف أو متعة بعد أن مرت منه أفضل أعوام حياته".
ويضيف "في النهاية نفى هذا الإنسان نفسه إلى القوقاز هربا من الديون، والأهم من ذلك أنه مضى إلى هناك بحكم عادة الشباب في الانضمام إلى الجيش، ومن هناك استغل بعض الروابط التي كانت تربط بين والده وقائد الجيش هناك، وانتقل إلى جيش الدانوب في عمر الـ26 كحامل راية، دون أي مال تقريبا إلا راتبه، (لأن ما لديه من مصادر للدخل كان عليه أن يسدد بها ديونه)، ودون أي شخص يمكنه أن يكفله، ودون قدرة على العيش في هذا العالم بينما يفتقر إلى الخبرة العملية اللازمة، ومع ذلك كان لديه حب كبير لذاته. نعم، هذا هو وضعي الاجتماعي. لننظر إذن إلى شخصيتي. أنا فاسد أحمق حقير جاهل، أنا إنسان حاد الطباع، يثير الملل في نفوس الآخرين".
ويواصل تولستوى المناجاة التي تشبه جلد الذات قائلا: "أنا إنسان لا يتحلى لا بالتواضع ولا بالصبر، وخجول كالأطفال. أنا أبله تقريبا، وكل ما أعرفه أني تعلمت ما تعلمته بنفسي، تعلمت القليل بشكل مجزَّأ دون روابط واضحة ودون مغزى. أنا إنسان متردد عاجز عن ضبط نفسه، إنسان متنافر، متكبر بشكل أحمق، ومضطرم كما هو حال أولئك من يفتقرون إلى شخصية حقيقية. لست شجاعا. لاأعيش حياة منظمة، وكسول إلى درجة أن تحولت الحياة الفارغة البطالة إلى نمط طاغٍ في حياتي".
ويستكمل: "أنا ذكي، لكن عقلي لم يتم اختباره بشكل حقيقي أبدا. لا أتمتع لا بعقل مُختبِر عملي ولا بعقل رفيع العلم، ولا بعقل تجاري. أنا شريف، بمعنى أني أحب الفضيلة، وقد اكتسبت عادة أن أحبها، وعندما أنحرف عنها لا أشعر بالرضا عن نفسي، وأعود إليها بكل فرح، لكن هناك ما أحبه أكثر من الفضيلة، إنه الكبرياء. أنا طموح للغاية، حتى إن هذا الشعور الضئيل كثيرا ما أرضاني، وكل ما أخشاه أني إن سقطت في اختيار بين الكبرياء والفضيلة أن أختار الأولى. نعم، أنا لا أتحلى بالتواضع، لذا أشعر في داخلي بالفخر، وبالخجل في قلب هذا العالم".
ويعترف تولستوى بفشله اجتماعيا في العثور على أصدقاء يثق بهم ويطمأن إلى قدرتهم على فهمه، إذ يقول: "في كل مرة تقريبا ألتقي فيها إنسانا جديدا، يراودني هذا الشعور الثقيل بالإحباط. أتخيله كأنه أنا، وأدرسه جيدا لأعرف الوسيلة المناسبة للتعامل معه. لا بد أن أجد فكرة أني أُشكِّل استثناءً، سواء كنت متجاوزا لزماني أو أن لديّ واحدة من تلك الطبائع المتضاربة العسيرة التي لا يمكن إرضاؤها أبدا. لا بد أن أتخذ قياسا آخر (غير شخصيتي) وبه أقدِّر طبائع الناس، وبهذا نادرا ما سوف أخطئ. منذ زمان طويل وأنا أخدع نفسي، متخيلا أني أنعم بأصدقاء وأناس يمكنهم فهمي. هراء".
aXA6IDEzLjU5LjkyLjI0NyA= جزيرة ام اند امز