ليو تولستوي.. أديب "الحرب والسلام" الذي دعا للمقاومة السلمية
ألف ليو تولتسوي العديد من الروايات التي تعكس أفكاره وتمثل نتاج خبرته في الحياة والفن والعقيدة، أبرزها"الحرب والسلام" و"آنا كارينينا"
لم يكن ليو تولستوي أديبًا فحسب، بل كان مصلحا اجتماعيا ومفكرا أخلاقيا، كما لم يكن أديبًا عاديًا بل أحد أهم عمالقة الأدب الروسي في القرن الـ19.
في عام 1828م،شهدت مقاطعة تولا القريبة من العاصمة الروسية مولد الأديب ليو تولستوي، وُلد تولستوي لعائلة نبيلة، فوالده الكونت نيكولاي تولستوي، ووالدته هي الأميرة ماريا فولكونسكي، لكن ليو لم يحظ بقُربهما كثيرًا، حيث توفى أبوه بعد مولده بعامين، ولحقته الأم عام 1841م، وقضى ليو وأشقاؤه طفولتهم بين بيوت الأقارب، وتعلّم على يد معلمين فرنسيين وألمان في المنزل.
أراد ليو في شبابه الالتحاق بالسلك الدبلوماسي، لذا التحق ببرنامج اللغات الشرقية- التركية والعربية- في جامعة كازان، لكن لم ينجح فيها، وحوّل مساره إلى دراسة القانون، وفي النهاية لم يُكمل تولستوي تعليمه الجامعي، وتوقف عام 1847م.
اندمج تولستوي تمامًا في الحياة الاجتماعية، تحديدًا بعدما تقسمت أملاك الأسرة، وورث إقطاعية ياسنايابوليانا، كانت الإقطاعية بها العديد من أسر الفلاحين، وأراد تولستوي العودة لأرضه ورعاية أحوال الفلاحين، ولكنه لم يفلح في ذلك، وعاد إلى الدراسة الجامعية ثانية، مُقررًا الحصول على الدرجة الجامعية.
تغيّرت حياة تولستوي بعد ذلك، حيث ذهب أخوه إلى بلاد القوقاز مُحاربًا في الفرقة الروسية القوقازية ضد قبائل السهول التتارية، كما شارك في حرب القرم، وعاد إلى مدينة سان بطرسبرج عام 1855، وقد أثرت تلك الفترة في نفس تولستوي، حيث سجّل انطباعاته في روايته الأشهر "الحرب والسلام"، كما أثرت فيه حياة شعب القوقاز وكتب عنها في كتابه "الكوزاك"، عام 1863م، روى الكتاب يومياته داخل وحدته العسكرية.
خلال تلك الفترة من حياة تولستوي، عمل على تأليف قصة تروي سيرته الذاتية، بعنوان "الطفولة"، وبعدها ألف رواية "الصبا"، التي تعتبر مُكملة لـ"الطفولة"، وقد عبر ليو عن آرائه حول تناقضات الحرب في سلسلة كتبه المعنونة بـ"حكايات سيباستوبول".
لم ينس تولستوي فشله حيال الفلاحين بالإقطاعية، حيث تعلّم الأديب في أوروبا الغربية خلال عامي 1857 حتى عام 1861م، وسافر إلى سويسرا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وحينما رجع طبّق النظريات التربوية التي تعلمها، وفتح مدرسة خاصة لأبناء المزارعين، وأنشأ مجلة تربوية شرح فيها أفكاره، اهتم تولستوي كثيرًا بتعليم من فاتهم قطر التعليم في الصغر، كذلك اختلط بالفلاحين وعرف طريقتهم في العمل، ودافع عنهم ضد المعاملة السيئة من ملاك الأراضي، ومنذ عام 1862م لم يترك تولستوي إقطاعيته قط، وتزوج من الكونتيسة صوفيا أندريفيا برز.
خلال تلك الأثناء لم ينس تولستوي حُبه للأدب، حيث نشر الجزء الثالث من سيرته الذاتية، بعنوان "الشباب، أما روايته الأشهر "الحرب والسلام" فقد نشر الجزء الأول منها عام 1865م، حظت الرواية بإعجاب شديد، امتلأت أحداثها بصورة عن المجتمع الروسي خلال الحروب النابليونية، فيها تناول غزو نابليون لروسيا عام 1812، والأحداث السياسية والعسكرية التي عاشتها أوروبا في الفترة بين 1805 إلى 1820.
لم يقتصر نجاح تولستوي على تلك الرواية فقط، بعدها كتب الأديب الروسي رائعته "آنا كارينينا"، التي استمد بعض أحداثها من علاقته بزوجته خلال فترة الخطوبة، نشرت الرواية على حلقات خلال الفترة بين عام 1873 إلى 1877.
اقتنع تولستوي بعدة مبادئ منها أن الفن يجب توجيهه إلى الناس أخلاقيًا، ونشر أفكاره تلك في كتاب "ما الفن؟"، فقد آمن أن الفن يجب توجيهه للناس بطريقة بسيطة، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، بسبب أفكاره تلك قال عنه الأديب فيودور ديستوفسكي أن الفنان يجب أن يدرك الواقع الذي يغوص في أدق تفاصيله؛ لذا أرى أن روسيا لم يكن لديها سوى فنان واحد، هو تولستوي.
خلال الثلاثين سنة الأخيرة في عُمر تولستوي قدّم نفسه كزعيم أخلاقي وديني، بحث عن معنى الحياة، وتعمق في القراءات الدينية، فتّش عن تلك التساؤلات في الكنيسة الأرثوذكسية لكنه لم يجدها، وأيقن بفساد الكنيسة المسيحية، وبدورها أعلنت حرمانه وأبعدته عنها، كما آمن بالمقاومة السلمية ونشر ذلك في كتاب "مملكة الرب بداخلك"، أثرت تلك الأفكار على شخصيات مثل: المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج.
ضايقت أفكار ومعتقدات تولستوي زوجته، واضطربت العلاقة الزوجية بينهما، بسبب رغبته بالتخلي عن ثروته كلها، واستمرت الخلافات حتى وافق تولستوي على منحها حق الحصول على عائدات النشر الخاصة بمؤلفاته قبل سنة 1881.
خلال تلك الفترة ألّف تولستوي العديد من الروايات، لكنها لم تحظ بنفس الشهرة التي حظتها "الحرب والسلام" و"آنا كارينينا"، نشر تولستوي روايات؛ "وفاة إيفان إليتش"، و"الأب سيرجي"، و"البعث"، ورواية "الحاج مراد" عام 1904.
بسبب اضطراب علاقة تولستوي مع زوجته، قرر القيام بالسفر برفقة ابنته وطبيبه، لكن الرحلة كانت شاقة جدًا عليه، فعاد إلى منزله عام 1910، ومات في نوفمبر من نفس العام في إقطاعيته عن عمر ناهز 82 عاما.