الروائي المصري أحمد سعد الدين لـ"العين الإخبارية": نعاني تخمة روائية
رواية "قلادة مردوخ" تقدم التاريخ في قالب حداثي؛ لذلك تعرضت لكثير من النقد من أصحاب المدرسة الكلاسيكية في الرواية.
أعرب الكاتب الروائي والمؤرخ المصري أحمد سعد الدين عن سعادته بعد فوزه بجائزة الدولة التشجيعية في مصر، فرع الرواية، عن روايته الأولى "قلادة مردوخ".
وقال في حواره مع "العين الإخبارية" إن الحصول على الجائزة "فاتحة خير على جيل الشباب بأكمله"، مشيرًا إلى أنه تحفز للعمل على نصوص كثيرة يخطط لها.
أحمد سعد الدين كاتب وباحث حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال ودبلومة في إدارة الجودة الشاملة من الجامعة الأمريكية ودرجتي الماجستير والدكتوراه المهنية في إدارة الأعمال، وجاء نص الحوار كالتالي:
تقول إن تتويج رواية "قلادة مردوخ" بجائزة الدولة التشجيعية انتصار لكُتّاب جيلك بأكمله؛ كيف ذلك؟
أغلب كتاب الجيل الحالي لا يعولون على جوائز الدولة، لعدم ثقتهم بالفوز بها، وبالتالي لم أكن أتوقع حصول روايتي على الجائزة رغم أنني راهنت عليها للفوز بإحدى الجوائز، ولهذا كان خبر فوزها مفاجأة مضاعفة، فالانطباع السائد لدى أبناء جيلي بأن جوائز الدولة تذهب للمحسوبين على الهيئات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة المصرية، وهذا العام تم كسر هذه القاعدة.
حدثنا عن روايتك "قلادة مردوخ" الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية فرع الرواية التاريخية كتجربة أدبية؟
رواية "قلادة مردوخ" تقدم التاريخ في قالب حداثي، لذلك تعرضت للكثير من النقد من أصحاب المدرسة الكلاسيكية في الرواية، لكني أرى على الجانب الآخر أن الرواية التاريخية توارت خلف العديد من الألوان الروائية الحداثية في العقدين الأخيرين وربما أقدم من ذلك، فمنذ رحيل رواد الرواية التاريخية كعلي الجارم ومحمد فريد أبوحديد وعلي أحمد باكثير ونجيب محفوظ وآخرهم جمال الغيطاني، دخلت الرواية التاريخية العربية في سبات طويل، لم ينجح أحد الروائيين من بعدهم في إعادة إحيائها من جديد.
في رأيي أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك هو عزوف القارئ العربي عن قبول الخطاب التاريخي التقليدي، فطريقة السرد التقليدية للتاريخ، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتقدم صناعة السينما العالمية، جميعها كانت عوامل جعلت الأجيال الجديدة تنصرف إلى المادة المرئية والمسموعة، وتفضلها على المقروء، في ظل غياب المنافسة من المادة المكتوبة كالرواية والكتاب.
نستطيع أن نرى ذلك في تفضيل الشباب للأفلام والمسلسلات التاريخية عن الأعمال المكتوبة، لذلك فأنا مؤمن تماما بأن إعادة بعث الرواية التاريخية العربية يجب أن يبدأ بخطاب حداثي وقوالب استثنائية.
هذه الرواية الأولى لك بعد عدد من الكتب البحثية، وهي تبحر في محطات تاريخية مختلفة تبدأ في العصر البابلي إلى أن تصل إلى اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي.. كيف جمعت كل ذلك في الرواية وكم استغرقت من الوقت؟
قدمت نفسي للقراء من خلال كتابي البحثي الموسوعي الأول "فرعون ذو الأوتاد" ذو الألف صفحة، ولطالما كنت أجد نفسي في مجال البحث التاريخي، وكانت رحلة البحث الأولى لي تبلورت في كتابي الأول الذي نال شهرة كبيرة، وحصل على جائزة جماهيرية وتصدر قوائم الأفضل مبيعا على مدار أربع سنوات متواصلة.
ورغم أنني أعمل منذ سنوات على عدد من الأعمال البحثية في التاريخ، فإن هذا الكتاب كان أسبقها للظهور، لكن في كثير من الأحيان كانت تعتريني شهوة السرد الأدبي، وفكرت كثيرا في كتابة روايات تاريخية في قالب مختلف، وعدلت عن الفكرة أكثر من مرة، لكن شهية الكتابة الروائية في النهاية تغلبت وانتصرت لتأخذ الكتابة الروائية جانبا من أعمالي.
بالطبع أغوتني الأسطورة بقوة أن أخوض فيها لأنسج حولها هذه الرواية، وكانت الصعوبة الأكبر هي أن الأحداث تمتد على مدار ما يقرب من 4000 عام من الزمان، فكيف لي أن أجسد بطلا يعاصر كل تلك الأحداث على مدار هذه الفترة الزمنية الطويلة؟ ومن هنا جاءت فكرة أن أجعل الرواية بلا بطل بشري، وقررت حينها أن أجعل من القلادة نفسها بطلا للرواية، وهي فكرة حداثية بلا شك تخالف القواعد الكلاسيكية لفن الرواية، لكني رأيت أن التجربة تستحق المخاطرة، واستغرقت الرواية مني ما يقرب من الأربعة سنوات لإنهائها، حتى خرجت للنور.
ما الذي دفعك إلى كتابة رواية عن هذه الفترات التاريخية خاصة وما أبرز الصعوبات التي واجهتك أثناء كتابتها؟
كما ذكرت، فأسطورة قلادة مردوخ سواء في أصلها البابلي القديم، أو فيما يروى عنها خلال ما تلا العصر البابلي حتى العصر الحديث، تحدثت عن هذه المحطات التاريخية حتى لو بإيجاز، لذلك كنت مقيدا بشكل كبير أن أسير على هذا الخط التاريخي، لكن بالطبع كان عليّ أن أملأ الفراغات التي لم تذكرها الأسطورة بالكثير من التخيل، وهو ما مثل تحديا كبيرا، فلقد كان عليَّ أن أتشبع أثناء الكتابة بتفاصيل كل عصر وثقافته وطبيعة اللغة التي تناسب هذه العصور من أجل تحقيق تناسبية اللغة مع العصر، واللجوء إلى "التناص" في بعض المواضع، والحقيقة أن أسطورة قلادة مردوخ كإحدى قصص التراث الشرقي القديم، كان لا بد لها وأن تُخلد في عمل أدبي يعيدها إلى الوجدان الجمعي للناس بعدما واراها ركام النسيان.
البحث في التاريخ أو النبش في مقابر الأسرار أهو للكشف والمراجعة والتذكير أم للتميز خاصة إذا كان من ينبش روائيا؟
أعتبر نفسي باحثا ومؤرخا قبل أن أكون روائيا، فلقد سجلت شهادة ميلادي ككاتب بعملي الأول "فرعون ذو الأوتاد"-وهو كتاب بحثي- قبل أن يعرفني القراء كروائي، من هنا تستطيع أن تدرك طريقة التعاطي التي أتعامل بها مع النصوص، فمبدئي في الأساس هو الالتزام بالخطوط العامة للتاريخ– ولا أقول الثوابت– لأن بحثي الطويل في بحور التاريخ علمني بأنه لا توجد ثوابت تاريخية، ومن ثم يأتي دور ملء الفراغات وتخيل الأحداث اليومية بين الوقائع التاريخية الأساسية، من هنا تفهم أنني أكتب الرواية بروح مؤرخ قبل أن أكون روائيا، أما الهدف من هذا النبش في مقابر الأسرار التاريخية، فهو فرصة مناسبة لإعادة استقراء الوقائع التاريخية وبالتالي تستطيع اعتباره أنه للكشف والمراجعة والتذكير وإعادة الطرح، فنحن نحتاج بقوة أن نعيد تقديم التاريخ من زوايا مختلفة وبخطاب حداثي كما ذكرت آنفا.
هل أنصف الإعلام والصحافة والنقد روايتك؟
لم أرَ أي اهتمام إعلامي بالرواية كاهتمامهم بكتاب "فرعون ذو الأوتاد"، فانصراف القراء إلى الروايات تسبب في حالة من التخمة لديهم، وزاد الزخم إلى حد مزعج، وأصبحت المكتبات المصرية والعربية مشحونة بأعمال روائية تحمل تجارب غير ناضجة لا ترقى للنشر في الأساس، وتاهت الأعمال الجيدة في وسط كل هذا الزحام من الروايات، لذلك فالإعلام قد لا ينتبه لوجود أعمال مميزة وسط كل هذا الزحام، لكني أرى على الجانب الآخر أن الصحافة تناولت خبر صدور الرواية وفعاليات مناقشاتها حتى فوزها بالجائزة بشكل مناسب، ولعل ذلك يرجع إلى أن الصحفيين المتخصصين في الثقافة والأدب يستطيعون تمييز الأعمال الناضجة بشكل أفضل عن العاملين بالإعلام المرئي، أما النقد فلم يصادفني على مدار العامين الماضيين من تناول الرواية بالنقد الأدبي بشكل منهجي ولا أعلم السبب.
aXA6IDE4LjIxNy4yMzcuMTY5IA== جزيرة ام اند امز