"الأساطير الأخروية العربية" أحدث إصدارات سلسلة"مراصد"بمكتبة الإسكندرية
دراسة تسلط الضوء على الأسطورة العربية المرتبطة بالحياة الآخرة وتفندها من حيث كونها نوعا أدبيا بالغ الغنى ويتطرق لفكرة"فساد الأزمنة".
صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية التابعة لمكتبة الإسكندرية العدد الـ45 من سلسلة «مراصد»، بعنوان: «الأساطير الأُخرَوِيَّةُ العربية: من الإهمال والإخمال الديني، إلى سُؤال الشرعية الأدبية الأسطورية»، للدكتور جعفر بن الحاجّ السلمي؛ الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانيَّة بجامعة عبد المالك السعدي، تطوان، المغرب.
تحاول الدراسة إلقاء الضوء على الأسطورة العربية من حيث كونها نوعا أدبيا بالغ الغنى لم يتطرق إليه العديدون بالدراسة والبحث. ويركز الكاتب في دراسته على الأساطير الأخروية، تحديدًا لكونها من أبرز أنواع الأساطير المهملة.
يعرف الكاتب الأساطير الأخروية بأنها تلك التي تتنبأ بما سيقع في آخر الزمان أو الدار الآخرة بتعبير المسلمين. وهي كل حَكيٍ أَو سَردٍ مُقَدَّسٍ تَضَمَّنَ أَحداثًا خارَقَةً لِلعادَة ووضعت في شكل أحاديث منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام. ويرجع الكاتب سبب الإهمال الذي لحق بالأسطورة الأخروية نظرًا لعدم اعتراف غالبية علماء السنة الحاليين بصحتها دينيًا، كما أنها غير معترف لها بالصفة الأدبية عند ناقدي ومنظري الأدب نظرًا لوضع الأسطورة اليونانية موضع النموذج، والذي أدى لعدم تقبل بعض الباحثين خصوصية الأسطورة العربية.
ويحاول الكاتب في هذه الدراسة إثبات أدبية الأساطير الأخروية، وأنها تستحق البحث والتحليل من منظور علم الأدب عامة ونظرية السرد خصيصًا. ويعتمد الكاتب في دراسته على مدونات الأحاديث الموضوعة في القرون الهجرية الأولى؛ والتي جمعها المحدثون السنيون معتمدًا بشكل كبير على كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد كمرجع أساسي، والذي يحتوي على 2004 نصوص مروية عن رسول الله مسندة بأسانيد ضعيفة أو موضوعة، مما أدى لإعراض علماء الدين عنه نظرًا لعدم قدسيته الدينية.
ويشير الكاتب إلى الارتباط الوثيق بين بداية تشكل الأساطير العربية وطبيعة الثقافة الشفوية القائمة آنذاك والمعتمدة على الرواية الفردية للنصوص المقدسة؛ مما يتيح المجال للبس والافتعال، والذي تصدى له على مدار التاريخ الإسلامي علماء جهابذة حالوا دون تزييف النصوص الدينية.
ويرى الكاتب أن سبب انتشار هذه النصوص الدينية الأدبية وجود فئة مثقفة عالمة رفضت الثقافة الإسلامية وأرادت تمييع جوهرها بخلطها بأحاديث مشتبهه وعرفوا ب "الزنادقة"، إلى جانب فئة الوعاظ التي ساعدت على نشر هذه النصوص الأدبية؛ لا لأسباب أيديولوجية معادية ولكن لتسهيل تواصلهم مع العامة لكسب العيش.
وينتقل الكاتب لبحث الموقف السني من مدونات الأساطير الأخروية ككتاب الفتن لنعيم بن حماد، والذي لم يعتبره مؤرخو عصره من الزنادقة بل التمسوا له المعاذير رغم ضعف رواياته. ولكنهم انكروا على هذه الأساطير عدم وجود إسناد أو أصل لها واعتبروا شأنها من شان المراسيل. ثم يحاول الكاتب إثبات أدبية الأساطير الأخروية وإمكانية دراستها من خلال نظرية السرد، مستندا إلى ثلاث خصائص رئيسية للأساطير. الخصيصة الأولى: التزييف؛ حيث إن الأساطير معترف بأنها مفتعلة. الخصيصة الثانية هي المحال؛ والتي جعلها ابن الجوزي مقياس لفرز سنة الرسول، مستندًا في ذلك إلى حديث الرسول (ًص) "عليكم بسنتي" والمحال ليس من سنته. والخصيصة الثالثة هي التأريخ، وهو ما لم يأت به معظم الأساطير بل قامت على التبشير بأحاديث مستقبلية.
ويشير الكاتب إلى أن فكرة فساد الزمان تمثل فكرة مركزية في الثقافة الإسلامية تقتضي أن زمن النبوة والسلف الصالح هو أفضل الأزمنة ثم تكثر بعد ذلك الفتن. ويرى الكاتب أن الأساطير الأخروية الأدبية جاءت لتفند هذه الفتن والبلايا التي ستقع على الأمة حتى قيام الساعة.
وفي نهاية الدراسة يؤكد الكاتب على أن مجهودات العلماء الأوائل في تصنيف الأحاديث النبوية إلى قوية وضعيفة وموضوعة أدى إلى توقف إنتاج الأساطير الأخروية؛ ابتداء من القرن الثالث الهجري. إلا أن بوار هذا الجنس الأسطوري أدى إلى ظهور أساطير أخرى سميت الجَفرِيَّةِ الحِدثانِيَّة، وهو جنس متفرع من الأساطير الأخروية ولكنه متطور عنه.
aXA6IDMuMTQ1LjYzLjE0OCA=
جزيرة ام اند امز