«النووي» والغاز المسال.. خبراء يستكشفون طبيعة التعاون بين القاهرة وأنقرة
تطرقت مباحثات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظيره المصري بدر عبدالعاطي، خلال زيارته الأخيرة للعاصمة القاهرة، إلى التعاون في مجالات الغاز المسال والطاقة النووية.
وذلك ضمن المباحثات العديدة التي أجراها الوزيران في مجالات عديدة، وسط المساعي الرامية إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، التي من المقرر أن تتوج بزيارة قريبة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تركيا.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن بلاده تعتبر مصر شريكا آمنا على المدى البعيد في مجال الطاقة، مشيرا في مؤتمر صحفي، عقد مؤخرا مع نظيره المصري بدر عبدالعاطي في العاصمة القاهرة، إلى أن المباحثات تطرقت إلى مجالات الطاقة النووية والغاز المسال.
وأشار إلى أن مباحثاته مع وزير الخارجية المصري أتاحت الفرصة للحديث عن فرص الاستثمار والأعمال والتسهيلات المقدمة لتعزيز التعاون بين البلدين، مشيرا إلى أن الهدف المشترك للبلدين هو الوصول إلى ما قيمته 15 مليار دولار في التبادل التجاري بين البلدين خلال المرحلة القادمة.
ركيزة أساسية للتعاون
وحول طبيعة وأهمية التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة بينها الغاز والطاقة النووية، يقول الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والمتخصص في الشأن التركي، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إنه من بين أوجه التعاون المهمة بين البلدين، هو مجال الطاقة بشقيها الطاقة التقليدية والمتجددة.
بالنسبة للغاز المسال، يضيف "عبدالفتاح" أن القاهرة تعتبر سابع أكبر مصدر للغاز المسال لأنقرة، والأخيرة تعد أكبر مستورد للغاز المسال، حيث إن 27% من صادرات الغاز المصري تتجه إلى تركيا.
هنا يؤكد أن لدى تركيا مشاريع طموحة في أمن الطاقة، خصوصا أنها ليست دولة منتجة للطاقة، وتستورد 95% من احتياجاتها من الطاقة وتكلفها 50 مليار دولار سنويا، في وقت تريد تقليل هذه الفاتورة عن طريق الاستيراد من دول قريبة مثل مصر.
ويعتبر الخبير المصري أن مجال التعاون في الطاقة، سواء وقودا أحفوريا أو طاقة متجددة، هو إحدى الركائز الأساسية للتعاون المصري التركي فيما مضى، وفي المرحلة المقبلة.
تعاون نووي
وعلى صعيد الطاقة النووية، يشير الخبير بمركز الأهرام إلى أن لدى مصر وتركيا طموحات كبيرة في هذا المجال، حيث إن أنقرة لديها برنامجا نوويا سلميا وكذلك مصر، وكلا المشروعين بالتعاون مع روسيا.
وينبه "عبدالفتاح" في هذا الصدد أنه جار العمل حاليا في محطة أوكويو النووية في ولاية ميرسين التركية، وهناك بمصر محطة الضبعة النووية التي يجرى إنشاؤها لتوليد الكهرباء، وكلا البلدين تأملان في دخول العصر النووي من خلال هذه المشاريع، مردفا: "يمكن للجانبين المصري وتركيا تنسيق التعاون مع الجانب الروسي بشكل مشترك في هذا الإطار".
وحددت أنقرة والقاهرة عام 2028 كموعد لبدء تشغيل المحطة النووية، في كل دولة، على أن توفر نحو 10% من احتياجاتهما من الكهرباء.
وأمس، قال الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، إنه من المقرر بدء تشغيل الوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية في مصر عام 2028، على أن تُشغَّل الوحدات الأخرى تباعا حتى عام 2030 ضمن مزيج الطاقة الكهربائية.
وفي تصريحات صحفية سابقة، قال ألكسندر فورونكوف، نائب الرئيس الإقليمي ومدير روساتوم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن محطة الضبعة النووية في مصر، المجهزة بأربع مجموعات طاقة من مفاعلات VVER-1200 من الجيل 3+ ستوفر نحو 10% من احتياجات البلاد من الكهرباء.
كما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في وقت سابق، بأن جميع وحدات "أكويو" ستدخل الخدمة تباعا حتى عام 2028، وستوفر المحطة 10% من احتياجات تركيا من الكهرباء.
تعزيز الشراكة الدفاعية
وفي تقدير الخبير بمركز الأهرام فإن "التعاون المصري التركي في مجال الطاقة سيزيد رقعة التعاون الاقتصادي بوجه عام، ويعزز فرص الشراكة الدفاعية سواء في التصنيع العسكري، أو في تبادل الخبرات العسكرية، وتبادل المنظومات التسليحية، لذلك هذا يعد تطورا نوعيا في الشراكة، أو التعاون الذي ينشد الوصول إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وجرى الإعداد خلال زيارة وزير خارجية تركيا إلى مصر الإعداد للدورة الأولى من المجلس الاستراتيجي بين البلدين، تحت رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي.
وحول ذلك يقول "عبدالفتاح" إن "إعادة تفعيل نشاط وتشكيل المجلس الاستراتيجي بين البلدين يعطي زخما ودفعات مهمة لكل علاقات التعاون ما بين الدول واستعادة مصر وتركيا هذا المجلس بعد تجميده طول 11 عاما، هو إشارة مهمة جدا لرغبة البلدين في تطوير آفاق التعاون بينهما نحو الشراكة الاستراتيجية الكاملة.
عقود طويلة الأجل
وبدوره، يؤكد الخبير التركي والباحث في مركز "تحليل السياسات" بإسطنبول محمود علوش، لـ"العين الإخبارية" أن أنقرة والقاهرة تطمحان إلى لعب دور رائد في تجارة الطاقة الإقليمية، وهو ما يفسر الأهمية التي توليها الدولتان لجعل الطاقة جزءا رئيسيا من الشراكة الاستراتيجية الجديدة بينهما.
وأشار "علوش"، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "تركيا من بين أكبر الدول المستوردة للغاز الطبيعي من مصر، وهو الأمر الذي يشكل أهمية كبيرة لأنقرة، على صعيد تنويع مصادر مشترياتها لخفض المخاطر، لذلك تسعى تركيا لتوقيع عقود طويلة الأجل مع مصر لاستيراد الغاز المسال.
ونبه "علوش" إلى أن "الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على تجارة الطاقة بين روسيا وأوروبا تعمل كمحفز إضافي لتركيا ومصر للاستفادة من الفرص الجديدة لتعزيز دورهما في تجارة الطاقة الإقليمية، مع الوضع في الاعتبار أن كلا البلدين يملكان موقعا جغرافيا يساعد طموحاتهما.
وفي تقدير الخبير التركي فإن "التعاون في مجال الطاقة يكتسب أهمية كبيرة في العلاقات التركية المصرية ليس فقط على مستوى الفوائد الاقتصادية، بل لأنه يمكن أن يعمل كورقة ائتمان لحماية العلاقات من أي مخاطر مستقبلية".
لكن هناك تحديات تقف أمام تحول علاقات الطاقة بين البلدين إلى شراكة استراتيجية، ويقول "علوش" إن العقبة الرئيسية أمام تحويل علاقات الطاقة بين البلدين إلى شراكة استراتيجية تتمثل في كيفية مواءمة مصالحهما الجيوسياسية في شرق البحر المتوسط، وهذا الأمر مرهون بالديناميكيات الإقليمية والدولية المتعددة التي تدير المنافسة في شرق المتوسط".
كلمة السر في الغاز
وفي تعقيبه على أهمية التعاون في مجال الغاز المسال، يقول الخبير التركي دكتور طه عودة أوغلو، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن المباحثات بين الوزيرين المصري والتركي تطرقت إلى نقطة في غاية الأهمية تتعلق بالحديث عن الطاقة النووية والغاز المسال.
ويوضح: شهدت الفترة الأخيرة خاصة في الربع الأول من العام الجاري تراجع الواردات التركية من الغاز المسال بصورة كبيرة، بعد تراجع صادراتها من مصر في الفترة الأخيرة، لذا ركزت المباحثات من قبل الجانب التركي على هذه القضية خاصة أن الغاز المصري يعتبر أحد المصادر الرئيسية في السوق التي تعتمد عليها تركيا في توفير احتياجاتها.
وزاد "أوغلو" بأن أحد أسباب التطبيع في العلاقات التركية المصرية التي بدأت قبل عامين، ووصلت إلى مرحلة متقدمة تتعلق بموضوع منتدى المتوسط والغاز وما جرى من تطورات على صعيد هذه المسألة، وأنقرة في حاجة لها خاصة مسألة غاز شرق المتوسط، لذ التركيز كان على هذه المسألة.
ويتابع: خلال زيارة الرئيس السيسي المرتقبة إلى أنقرة قريبا، سيكون هناك توقيع اتفاقيات عديدة أكثر من 20 اتفاقية في مجالات اقتصادية وعسكرية عديدة، وهو ما سيصب في مصلحة البلدين خاصة أنقرة التي هي في أمس الحاجة للغاز.
وتزامنت زيارة "فيدان" إلى مصر مع تسارع الاستعدادات في أنقرة لوضع الترتيبات اللازمة لزيارة السيسي إلى تركيا، عقب اختتام مجلس رجال الأعمال التركي-المصري محادثات في إسطنبول، لبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، والإعلان عن مشاريع جديدة خلال زيارة الرئيس السيسي.
وتتطور العلاقات المصرية والتركية بشكل متسارع، وتأتي زيارة السيسي المرتقبة إلى تركيا، ردا على زيارة مماثلة أجراها الرئيس أردوغان إلى مصر فبراير/شباط الماضي، لأول مرة منذ 12 عاما من القطيعة بين البلدين.
aXA6IDMuMTM5Ljg3LjExMyA= جزيرة ام اند امز