«المارد النووي» بين نيكسون وترامب.. هل يخرج من القُمقم؟

حين تتصاعد المخاوف النووية، تعيد الأحداث الحالية أصداء الماضي، وتستحضر الذاكرة حقبة نيكسون، عندما دفعت سياسات الانسحاب الأمريكي بعض الحلفاء نحو الخيار النووي.
وفي الأسابيع الأخيرة، بلغت المخاوف بشأن الانتشار النووي، ذروتها، حيث يخشى المحللون من أن احتضان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الواضح لروسيا وابتعادها عن حلفائها قد يدفع بعض شركاء الولايات المتحدة إلى تولي مسؤولية أمنهم بأنفسهم من خلال امتلاك أسلحة نووية.
هكذا تعتقد مجلة "فورين بوليسي" في تحليل لها طالعته "العين الإخبارية".
ومؤخرا، اقترح رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، أن تدرس بلاده امتلاك أسلحة نووية.
كما أثار المستشار الألماني القادم، فريدريش ميرز، إمكانية استضافة أسلحة نووية فرنسية أو بريطانية كإجراء وقائي ضد تراجع مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية.
في غضون ذلك، يواصل السياسيون الكوريون الجنوبيون مناقشة مزايا السعي إلى ترسانة مستقلة.
حين بقي المارد في القُمقم
وبالنظر إلى هذه الاتجاهات، تسأل "فورين بوليسي": ما مدى احتمالية أن نشهد طفرة في الانتشار النووي؟.
للإجابة على هذا السؤال، يمكننا الرجوع إلى الماضي. فرغم أن نهج إدارة ترامب يبدو فريدا في بعض جوانبه، إلا أن هناك أوجه تشابه تاريخية يمكن أن تساعد في توقع مسار الأمور. وكما يقول المثل: "التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه غالبا ما يتشابه".
فترامب لم يكن أول رئيس أمريكي يسعى إلى تقليص أعباء التحالفات الأمريكية بالتزامن مع التقارب مع خصم دولي كبير.
فقد تبنت إدارة ريتشارد نيكسون نهجا مشابها في سبعينيات القرن الماضي، حيث أعادت ترتيب وجودها العسكري في آسيا وسعت إلى فتح قنوات تواصل مع الصين.
لكن ما الذي يمكن تعلُمه من تلك الفترة فيما يتعلق بالانتشار النووي اليوم؟
تحمل التجربة التاريخية أخبارا متناقضة؛ فبينما دفعت سياسات نيكسون بعض الحلفاء الأمريكيين إلى التفكير في امتلاك أسلحة نووية، إلا أن المارد النووي قد أُبقي في القمقم بقعل الجهود الدبلوماسية المكثفة التي حالت دون ذلك.
"مبدأ نيكسون"
في عام 1969، أعلن نيكسون عن ما سُمي بـ"مبدأ نيكسون"، مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تتحمل العبء الأكبر في الدفاع التقليدي عن حلفائها الآسيويين، مشيرا إلى ضرورة أن تتولى الدول الآسيوية مسؤولية أمنها.
لم يكن هذا مجرد تصريح، بل ترافق مع انسحاب مئات الآلاف من القوات الأمريكية من فيتنام، و٢٠ ألفا من كوريا الجنوبية، إلى جانب تخفيض الوجود العسكري الأمريكي في تايوان.
أثار هذا النهج مخاوف عميقة لدى الحلفاء، خاصة تايوان وكوريا الجنوبية.
فتايوان، التي بدأت برنامجها النووي في أعقاب امتلاك الصين للسلاح النووي عام 1964، كثفت جهودها خلال إدارة نيكسون، مدفوعة بالشكوك المتزايدة حول الدعم الأمريكي المستقبلي.
الأمر ذاته حدث في كوريا الجنوبية، حيث دفعتها سياسة الانسحاب الأمريكي إلى السعي لتطوير برنامج نووي خاص بها.
وأدركت الاستخبارات الأمريكية ذلك مبكرا، إذ حذرت في تقرير لها عام 1978 من أن تحركات واشنطن أثارت قلق سول بشأن التزام الولايات المتحدة بأمنها.
خلفاء نيسكون
في النهاية، تولى الرؤساء الأمريكيون اللاحقون مسؤولية احتواء هذه النزعات النووية. ففي حين لم يمارس نيكسون ضغطا كبيرا على تايوان بشأن برنامجها النووي، فإن إدارتي جيرالد فورد وجيمي كارتر فرضتا ضغوطا مكثفة لوقفه، مهددتين بقطع المساعدات العسكرية والنووية.
وبالمثل، فرضت إدارة فورد عقوبات صارمة على كوريا الجنوبية، مما دفعها إلى التراجع عن برنامجها النووي.
وعندما حاولت تايوان استئناف جهودها النووية في الثمانينيات، تدخلت إدارة رونالد ريغان وأجبرتها على إيقافه مجددا.
فماذا يعني كل هذا إذن بالنسبة للانتشار النووي اليوم؟
يشير التاريخ إلى أنه إذا نفذ الرئيس دونالد ترامب رغبته الظاهرة في تقليص التزامات التحالف مع السعي إلى تحقيق انفراج مع خصوم رئيسيين، فإن بعض شركاء الولايات المتحدة سيستكشفون على الأقل الخيار النووي. هكذا ترى المجلة الأمريكية.
ومن المرجح أن يعتمد اختيار الدول لهذا المسار على التحالفات التي تنسحب منها إدارة ترامب بشكل كبير.
وينصب التركيز حاليا على أوروبا، ولكن خلال فترة ولايته الأولى، كانت علاقات ترامب مع كوريا الجنوبية متوترة أيضا.
ما بين الماضي واليوم
وقد يجادل البعض بأن الوضع اليوم أكثر خطورة مما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي. على سبيل المثال، على الرغم من تشابه نيكسون وترامب في ترسيخ سمعتهما بعدم القدرة على التنبؤ، إلا أن الأول استخدم هذه الاستراتيجية في المقام الأول ضد الخصوم، بينما بالنسبة للرئيس الحالي، فهي استراتيجية شاملة.
ومن شأن هذا أن يُثير هذا قلق حلفاء الولايات المتحدة اليوم أكثر مما كان عليه حلفاء الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي.
من ناحية أخرى، تشير "فورين بوليسي" إلى أن نظام منع الانتشار النووي اليوم يُعد أكثر صلابة بكثير مما كان عليه في عهد نيكسون، مما يعني أنه من غير المرجح أن يتخذ أي حليف للولايات المتحدة قراراته النووية باستخفاف.
كما يمكن لإدارة ترامب أن تستخدم نفوذها الاقتصادي ودورها كمزود رئيسي للأسلحة للضغط على الدول ومنعها من السعي وراء السلاح النووي، تماما كما فعلت الولايات المتحدة مع تايوان في السبعينيات.
لكن، إذا أرسلت إدارة ترامب إشارات بأنها لا تعارض امتلاك الحلفاء للسلاح النووي—كما ألمح ترامب نفسه خلال حملته الانتخابية عام 2016—أو إذا انسحبت بالكامل من بعض التحالفات، فمن المرجح أن نرى بعض الدول الحليفة أو السابقة تتجه بجرأة نحو تطوير أسلحة نووية.
وإذا حدث ذلك، فقد يكون على خلفائه التعامل مع تداعيات هذا الواقع، كما حدث مع خلفاء نيكسون قبل خمسين عاما.