رأس السنة الأمازيغية في الجزائر.. موسيقى فلكلورية ولباس تقليدي
"العين الإخبارية" تحضر احتفالات "الشاوية الأمازيغ" شرق الجزائر برأس السنة الأمازيغية 2969 للوقوف على حجم الموروث الثقافي والشعبي.
شهدت، يوم السبت، جميع المحافظات الجزائرية الـ48 الاحتفالات الرسمية برأس السنة الأمازيغية الجديدة 2969، المعروف بـ"يَنّاير"، مبرزة هوية الجزائر الأمازيغية.
- أسبوع التراث الثقافي.. أنشطة تبرز عادات وتقاليد أمازيغ الجزائر
- مهرجان المسرح الأمازيغي في الجزائر.. صراع من أجل الاستمرار
وإن كانت الاحتفالات الشعبية قديمة في الجزائر بهذه المناسبة؛ فإن الاحتفالات الرسمية لهذا العام تُعَد الثانية في تاريخ البلاد، ويأتي ذلك بعد أن أصدر الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في الـ27 من ديسمبر/كانون الأول 2017 قرارا رئاسيا بجعل رأس السنة الأمازيغية -التي تصادف 12 يناير/كانون الثاني من كل عام- عطلة مدفوعة الأجر.
لتكون الجزائر بذلك أول بلد من شمال أفريقيا يعترف بالأمازيغية لغة ثانية في البلاد، وأول بلد يقر رأس السنة الأمازيغية عطلة كبقية الأعياد الدينية والوطنية.
وتنوعت مظاهر الاحتفال بالعام الأمازيغي الجديد في كل محافظة جزائرية، لكنها فصَّلت في تنوع الموروث الثقافي الأمازيغي للجزائر، الذي يتكون من الشاوية (شرق الجزائر)، والقبائل (وسط وشمال شرق البلاد)، والشَّنْوة (وسط الجزائر)، والميزابيين والطوارق (جنوب البلاد).
"العين الإخبارية" اختارت محافظة باتنة التي تبعد 430 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائرية، لتقف عند احتفالات "الشّاوية الأمازيغ" برأس السنة الأمازيغية، وعلى حجم الموروث الثقافي والشعبي الأمازيغي، وهي المناسبة التي تسمى أيضا في اللهجة الشاوية "يَنّار".
ولمحافظة باتنة رمزية كبيرة في تاريخ الجزائر؛ إذ تسمى "عاصمة الأوراس"، والأوراس هي جبال شاسعة في شرق الجزائر، وتسمى كذلك "عاصمة الثورة الجزائرية"؛ حيث انطلقت منها أول رصاصة إيذاناً باندلاع الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ليلة الفاتح نوفمبر/تشرين الثاني 1954، إضافة إلى "عاصمة الشاوية".
كما يعتبر "أهل الشاوية" أكبر مكون لأمازيغ الجزائر الذين يتمركزون شرقها؛ حيث يقدر عددهم بنحو 11 مليون نسمة.
"العين الإخبارية" في قلب احتفالات "شاوية" الجزائر
مقر دار الثقافة لمدينة باتنة، كان واحدا فقط من الفضاءات التي شهدت احتفالات سكان هذه المحافظة برأس السنة الأمازيغية؛ فالدخول إليها يجعل زائرها يشعر بأجواء غير عادية، ومن منطقة إلى أخرى في المحافظة تُدوى أغانٍ وموسيقى شاوية، معلنة بدء الاحتفالات.
- "الجَبَّة القبائلية".. أصالة أمازيغية جزائرية صنعت زيا فريدا
- "كوكو".. مملكة أمازيغية بالجزائر تحدت العثمانيين قبل 500 عام
ورغم برودة طقس محافظة باتنة؛ فإن ذلك لم يمنع المئات من حضور الاحتفالات بحسب ما رصدته "العين الإخبارية" التي تنقلت إلى قلب المدينة لحضور احتفالات الشاوية الأمازيغ بعامهم الجديد.
وازدادت الحركة في المدينة، مع مرور ساعات النهار، سيارات رسمية لمسؤولين في عدد من النقاط، ازدحام مروري كبير، سألنا بعض المارة عن مكان الاحتفالات، فإذا بها في أكثر من مكان، لكن لم تطلق في أي واحدة منها.
تنقلنا إلى مقر دار الثقافة في حدود الثانية والنصف مساءً، أبلغنا مسؤولوها بأن احتفالات المحافظة تنطلق في الساعة الثالثة مساء، دخلنا إلى قاعة كبيرة، كانت عبارة عن متحف لعادات وتقاليد وتاريخ الشاوية الأمازيغ في الجزائر.
وفي تمام الساعة الثالثة مساء، انطلق صوت "الدف" المعروف في المنطقة بـ"البندير" و"القصبة" وهي آلة موسيقية شبيهة بالناي، وذلك إعلانا ببدء احتفالات المدينة برأس السنة الأمازيغية "يَنّاير".
فرقة "الرّحّابة" الموسيقية الفلكلورية التي تُعَد من أهم رموز الشاوية في الجزائر، صالت وجالت برقاصتها وأغانيها التي مجدت بعضها تاريخ المنطقة، وأخرى عن عاداتها، وبلباس تقليدي قديم لأهل المنطقة.
"أصحاب البارود" رافقوا أيضا فرقة "الرحابة"، وهي مجموعة من الشباب يحملون بندقيات (غير حربية) خاصة بالأعراس والمناسبات، وسط تفاعل من شباب المنطقة مع إيقاع فرقة "الرحابة"، وتتعالي في كل مرة صيحات بعضهم مع ارتفاع أصوات "الدف".
موروث ثقافي غني
تذكر عدة دراسات تاريخية أن الموروث الثقافي والشعبي للشاوية الأمازيغ هو الأكبر والأكثر تنوعاً في الجزائر، وإضافة إلى فرق الرحابة الموسيقية والغنائية، حضر تاريخ المنطقة عبر ألبسة وأوانٍ فخارية ومعدات فلاحية قديمة وسجاد المنطقة وغيرها.
- "تيمقاد" الجزائرية.. أقدم مدينة رومانية في أفريقيا منذ 2000 عام
- كتب بالأمازيغية في معرض الجزائر الدولي للكتاب للمرة الأولى
كما حضرت صناعة الفخّار بقوة في معرض تراث المنطقة، وهي من أقدم الصناعات والحرف التقليدية لأمازيغ الجزائر، الذين يختلفون في صناعة أشكالها ورموز وزخارف كل منطقة، لكنهم يشتركون في طريقة صناعتها من الطين والماء.
ومن القطع القديمة المعروضة في دار الثقافة بمحافظة باتنة، والتي يعود تاريخها إلى مئات السنين، عتاد النسيج المتنوع، إذ يوجد ما يسمى باللهجة الشاوية "أخلالت" الذي يستعمل في نسج السجاد.
إضافة إلى آلة "القَرْداش" كما يسميها كثير من الجزائريين، أو "أقرذاش" باللهجة الشاوية، وهي آلة لغزل الصوف.
آلة أخرى أثارت انتباه وفضول كل من حضروا الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، وهي آلة أخرى لغزل الصوف وتسمى "أمشظ"، أكبر حجما من "أقرذاش".
وبحسب السيدة فاطمة وهي عضو بإحدى الجمعيات التراثية للمنطقة، فقد ذكرت لـ"العين الإخبارية" أن هذه الآلة أقدم من "القرداش"، وكان سكان الشاوية يستخدمونها قديماً في غزل الصوف، ثم تحولت إلى آلة "لغزل الصوف المغزول" حتى يأخذ الشكل المطلوب الذي يُسهل عليهم صناعة السجاد، الذي افترشت به أرضية المعرض.
المعرض كان أيضا للأكلات التقليدية الأقدم في المنطقة، من بينها الكسكسي الذي يسمى في اللهجة الشاوية "أبربوش"، ورغيف الشعير الذي يطهى على ما يسمى بـ"فان"، وحلوى "الرفيس" المصنوعة من التمر.
ومن محافظة تمنراست (أقصى الجنوب الجزائري)، أكد عز الدين ميهوبي وزير الثقافة الجزائري أن الثقافة الأمازيغية "حققت مكاسب كبرى ينبغي المحافظة عليها".
كما اعتبر أن قرارات الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة مثل ترسيم "يناير" عيداً وطنياً وإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة العربية، بأنها "شكلت محطات بارزة في مسار تثمين وترقية الثقافة الأمازيغية في شقيها اللغوي والتراثي".
وفي عهد الرئيس الجزائري السابق اليامين زروال (1994-1999)، بدأت مسألة الاعتراف بالهوية الأمازيغية للمرة الأولى في تاريخ الجزائر، حيث استحدث زروال المحافظة السامية للأمازيغية عام 1995، ثم أدرجها الرئيس السابق في دستور 1996 كتراث وطني، قبل أن تتحول الأمازيغية إلى لغة وطنية ورسمية ثانية في الجزائر في دستور فبراير/شباط 2016.
ولأمازيغ الجزائر تحية خاصة بهم في احتفالاتهم برأس السنة الأمازيغية "يناير"، إذ يقولون "أسقاس أمقاز" وتعني "عاما سعيدا"، وتشير كثير من الدراسات التاريخية إلى أن تاريخ الاحتفالات بـ"يناير" يعود لبداية السنة الفلاحية.
بينما أرجعتها روايات إلى "انتصار الملك الأمازيغي على الملك الفرعوني رمسيس الثالث سنة 950 قبل الميلاد، في معركة بمنطقة تلمسان الجزائرية، ومن ثم تنقل الملك شيشنق إلى مصر واحتلها".
وإضافة إلى الشاوية، فإن تركيبة المجتمع الأمازيغي في الجزائر تتكون أيضا من "القبائل" والتي تقع في الشمال الشرقي للجزائر، ويبلغ عددهم نحو 7.5 مليون نسمة.
وفي وسط الجزائر يوجد "الشْنَاوة" وينطقون باللهجة "الشناوية"، وبقدر عددهم بنحو 600 ألف نسمة، وفي الغرب يتمركز "الشَّلْحَة" أو "الشْلوح"، ويبلغ عددهم نحو 500 ألف نسمة.
وبشمال الجنوب الجزائري، يوجد "بنو ميزاب" في مدينة "غَرْدَايَة"، الذين يتحدثون اللهجة "الميزابية"، ويقدر عددهم بنحو 500 ألف نسمة، أما في أقصى الجنوب الجزائري، يوجد "الطوارق" الذين يتكلمون اللهجة "التارقية"، ويبلغ عددهم نحو مليون ونصف المليون نسمة.