ارتفعت أسعار النفط بشكل سريع خلال الأسبوع الحالي ليسجل برميل برنت الخام ما يزيد على 86 دولارا للبرميل.
ارتفعت أسعار النفط بشكل سريع خلال الأسبوع الحالي، ليسجل برميل برنت الخام ما يزيد على 86 دولارا للبرميل، يوم الأربعاء الماضي، وهو ما يعد أعلى سعر منذ نوفمبر عام 2014، والواقع أن هذا الارتفاع الكبير يحدث في ظل حالة من الترقب والقلق تعم الأسواق بشأن تأثير العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيراني.
يبقى القلق الحقيقي هو ما عبرت عنه المملكة العربية السعودية وروسيا، وهو ما أكدته بعض الجهات مثل بنك جولدمان ساكس وبنك باركليز مؤخرا من احتمالات توفر فائض عرض تدفع نحو انخفاض الأسعار خلال العام المقبل، بعد أن نشهد دورة من الارتفاع السريع في السعر خلال ما تبقى من العام الحالي
ويجري الارتفاع الراهن في الأسعار في الوقت الذي تؤكد فيه منظمة الأوبك وبعض الجهات على أن مستوى العرض الراهن يفي بمستوى الطلب في الأسواق، ومن ثم يطرح السؤال التالي نفسه، إذا كانت الأسواق بها إمدادات كافية تغطي الطلب، فلماذا إذن هذا الارتفاع الكبير نسبيا في سعر النفط خلال الأسابيع القليلة الماضية؟
إجابة هذا السؤال تقتضي التعرض لعدة عوامل مهمة تؤثر على كل من العرض والطلب على النفط الخام حاليا، وفي المستقبل القريب.
العامل الأول يتعلق بزيادة طلب الشركات والمصافي تأهبا واستعدادا لانقطاع كبير في الصادرات الإيرانية، ومن هنا يمكن تفهم الزيادة الكبيرة التي حدثت في المخزون التجاري الأمريكي من النفط الخام خلال الأسبوع الماضي، إذ يشير التقرير الأسبوعي لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن الواردات من النفط الخام بلغت 8 ملايين برميل يوميا في المتوسط خلال الأسبوع الماضي، وهو ما يزيد بمقدار 163 ألف برميل يوميا عن الأسبوع السابق عليه، وخلال شهر سبتمبر بلغت الواردات الأمريكية من النفط الخام حوالي 7.8 مليون برميل يوميا في المتوسط، وهو ما يزيد بمقدار 10.2% مقارنة بشهر سبتمبر من العام الماضي، أضف إلى ذلك انخفاض الصادرات الأمريكية من النفط الخام بأقل قليلا من مليون برميل يوميا خلال الأسبوع الماضي، مما جعل صافي الواردات (الصادرات – الواردات) خلال هذا الأسبوع تقفز بأكثر من مليون برميل يوميا خلال الأسبوع، وقد ترتب على ذلك زيادة المخزون التجاري من النفط الخام بمقدار 8 ملايين برميل، وهي أكبر زيادة في هذا المخزون في أسبوع واحد منذ شهر مارس من العام الماضي، وقد بلغت كمية المخزون التجاري 404 ملايين برميل، وهي عند متوسطها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وارتفع المخزون الإجمالي من النفط الخام والمنتجات المختلفة بمقدار 8 ملايين برميل بما يعني أن المخزون من النفط الخام لم يحدث على حساب انخفاض في إجمالي مخزون المنتجات المختلفة.
وقد حدث خلال الوقت نفسه أيضا، وحسب ما أُعلن مؤخرا، تعويض كاف من البلدان المنتجة في منظمة الأوبك وخارجها للكمية التي نقصت من الصادرات الإيرانية، فالنقص الإجمالي في هذه الصادرات بلغ مليون برميل يوميا مقارنة بمستوى الذروة الذي بلغته في شهر أبريل الماضي، أي قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعلان تجديد العقوبات على إيران يوم 8 مايو الماضي، ويبلغ الانخفاض حتى الآن نحو 650 ألف برميل يوميا بتأثير إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق، وقد أعلنت المملكة السعودية أنها زادت مستوى إنتاجها بمقدار 300 ألف برميل خلال شهر سبتمبر ليصل إلى 10.7 مليون برميل يوميا، كما أعلنت روسيا هي الأخرى رفع مستوى إنتاجها بنحو 250 ألف برميل ليبلغ 11.36 مليون برميل يوميا خلال الشهر نفسه، وقد أعلن البلدان أنهما في سبيلهما إلى رفع إنتاجهما خلال الفترة المقبلة، أضف إلى ذلك حدوث زيادة كبيرة في إنتاج بلدان مثل ليبيا ونيجيريا وأنجولا خلال الشهر الماضي، بما يعني أن كمية النفط التي غابت من إيران قد تم تعويضها، إن لم تفوقها.
العامل الثاني يعود إلى زيادة الطلب لأغراض المضاربة أو ما يسمى التجارة في "البراميل الورقية"، حيث يعمل البعض على ترويج توقعات بأن الانخفاض في الصادرات الإيرانية قد يصل إلى 2 مليون برميل يوميا، بعد أن كانت التوقعات السابقة لا تزيد عن 1.5 مليون برميل كحد أقصى، ولهذا كانت تصريحات وزير الطاقة الروسي بأن الأسعار ربما تزيد خلال الفترة القصيرة القادمة ليس نتيجة لانخفاض العرض عن الطلب، وإنما نتيجة لحالة عدم اليقين السائدة الآن في الأسواق، وفي الاتجاه نفسه أشار وزير الطاقة السعودي إلى أن الارتفاع الحالي في الأسعار لا يستند إلى تدفقات العرض والطلب.
ويبقى القلق الحقيقي هو ما عبرت عنه المملكة العربية السعودية وروسيا، وهو ما أكدته بعض الجهات مثل بنك جولدمان ساكس وبنك باركليز مؤخرا من احتمالات توفر فائض عرض تدفع نحو انخفاض الأسعار خلال العام المقبل، بعد أن نشهد دورة من الارتفاع السريع في السعر خلال ما تبقى من العام الحالي بحيث يصل إلى نحو 90 دولار للبرميل.
فهناك زيادة كبيرة متوقعة في العرض خلال العام المقبل من خارج منظمة الأوبك، إذ تقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أنه ستحدث زيادة في الإنتاج الأمريكي بمقدار 700 ألف برميل يوميا خلال العام المقبل، ليصل الإنتاج الأمريكي إلى نحو 11.8 مليون برميل يوميا، وتقدر بعض الجهات العاملة بصناعة النفط أن الزيادة في الإنتاج إجمالا من الدول خارج الأوبك قد تبلغ نحو 2.4 مليون برميل يوميا خلال العام المقبل، ومع الوضع في الاعتبار أن معدل النمو المتوقع في الطلب خلال عام 2019 سيكون في حدود 1.4-1.5 مليون برميل يوميا، فقد يكون هناك إذن نحو مليون برميل فائض عرض من الدول خارج الأوبك متوفرة في الأسواق خلال العام المقبل.
وإذا ما وضعنا في الاعتبار إمكانية انخفاض الطلب بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وآثارها على مستويات النمو الاقتصادي، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة في عدد من الدول الناهضة اقتصاديا، وتأثير ذلك كله سلبا على مستوى الطلب على النفط، أضف إلى ذلك التأثير على مستوى الطلب بسبب الارتفاع الراهن في الأسعار، واحتمالات ارتفاع سعر صرف الدولار إذا ما تم زيادة سعر الفائدة الأمريكية مرة أخرى في شهر ديسمبر القادم، وما يمثله ذلك من ارتفاع في سعر برميل النفط -الذي يستند إلى الدولار في تسعيره- مقاسا بعملات بلدان العالم المختلفة، هذا بالطبع إلى جانب اختفاء الطلب الذي تحفزه المضاربة بعد دخول العقوبات على إيران حيز النفاذ ومعرفة الكمية التي ستنقص فعلا من الصادرات الإيرانية، أي بعد انتهاء دوافع حالة الترقب وعدم اليقين الراهنة.
علاوة على كل ما سبق هناك أيضا ما يحدث من انخفاض موسمي معتاد في الطلب، حيث يشير التقرير الأخير لمنظمة الأوبك إلى أن التباطؤ في الطلب نتيجة للعوامل الموسمية مع دخول فصل الشتاء، إضافة إلى زيادة إنتاج البلدان خارج الأوبك، ربما يتم ترجمتها إلى انخفاض في الطلب على نفط الأوبك بمقدار 600 ألف برميل خلال النصف الأول من العام المقبل، مقارنة بمستوى الطلب على نفط المنظمة خلال شهر أغسطس الماضي، ونتيجة لهذا كان المنتجان والمصدران الأكبر في العالم –روسيا والمملكة العربية السعودية- حريصين على القول بأنهما سيزيدان إنتاجهما خلال الفترة القصيرة المقبلة لتلبية أي طلب على نفوطهما في الأسواق العالمية، دون الانجرار إلى ذكر أرقام محددة لمقدار هذه الزيادة المنتظرة، أي إن الزيادة في الإنتاج ستكون لتغطية الطلب إن وجد، دون الالتزام بمستوى إنتاج محدد يلتزمان به، وهو ما يمهد للتخلي عن هذه الزيادة فور تراجع مستوى الطلب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة