العامل الرابع المهم الذي يشير إليه البعض هو عدم توفر البنية التحتية التي
بعد أن شهدت أسعار النفط انخفاضا ملموسا في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، إذ بها ترتد لتسجل ارتفاعا كبيرا خلال الأسبوع الثاني من الشهر، حيث سجل سعر البرميل من نوع برنت أكثر من 72 دولارا يوم الأربعاء الماضي. ويعد هذا أعلى سعر لخام برنت منذ أكثر من ثلاثة أعوام أي منذ أواخر عام 2014.
وقد شهدت الأسعار ارتفاعا متواصلا على مدار ثلاثة أيام متتالية، وبنسب لم تحدث منذ عدة أشهر. والواقع أن هذا الارتفاع حدث أيضا رغم استمرار الزيادة في الإنتاج الأمريكي ليبلغ أكثر من 10.5 مليون برميل يوميا في نهاية الأسبوع الأول من شهر أبريل/نيسان الحالي، وهو الأمر الذي كان يراهن الجميع عليه كعامل مهم لكبح أي اتجاه نحو ارتفاع ملموس في الأسعار.
لقد كان إعلان بعض الدول أطراف اتفاق خفض الإنتاج عن بحثها في كيفية استمرار التعاون بينها مستقبلا أثره على الأسعار لاسيما مع إعلان احتمال التفكير في إنشاء آلية مؤسسية جديدة تضم أوبك إلى جانب الدول المنتجة والمصدرة خارجها.
ويمكن أن يعزى الارتفاع الكبير الحادث إلى عدة عوامل رئيسية هيكلية، وأخرى ظرفية تتعلق بالوقت الراهن فقط، يمكن عرض أهمها على النحو التالي:
ربما كان من أكثر العوامل أهمية (وهو عامل ظرفي مؤقت) ما وعد به الرئيس الصيني يوم الثلاثاء الماضي، بالمزيد من انفتاح أسواق بلاده أمام المستثمرين الأجانب، والمزيد من الإحكام في احترام قواعد الملكية الفكرية الأجنبية، وأخيرا خفض التعريفات الجمركية على السلع الأجنبية المستوردة، ولاسيما على بعض السلع المهمة كالسيارات.
وفي الوقت الذي ينظر فيه بشكل عام لهذه الوعود على أنها تنازل واضح أمام التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات على الصادرات الصينية، إلا أن الأمر من منظور المتعاملين في سوق النفط كان مختلفا. فقد أبعدت هذه الوعود ولو إلى حين احتمالات الدخول في حرب تجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في عالمنا؛ بما لها من آثار سلبية محتملة بقوة على اقتصاد كل من البلدين، بل وعلى كل بلدان العالم.
ففي الوقت الذي كان ينظر فيه للعام الحالي باعتباره عاما مبشرا بمعدلات نمو مرتفعة في كل أرجاء العالم المتقدم والنامي على السواء -كما أوضحت ذلك توقعات مؤسسات اقتصادية كبرى مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي- وهو أمر يحدث للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ومن الطبيعي أنه إذا كانت التهديدات الماثلة بحرب تجارية قد زادت من توقعات حدوث انخفاض في معدلات النمو، وبما يترتب على ذلك من انخفاض الطلب على النفط وانخفاض أسعاره كنتيجة لا مفر منها، فمن المؤكد أن هذه الوعود وبما أطلقته من ارتياح باحتمال تجنب هذه الحرب أدت إلى تعزيز التوقعات باستمرار النمو وبما لهذا من آثار على زيادة الطلب على النفط، وبالتالي أسعاره.
العامل الثاني -وهو عامل ظرفي أيضا- يتعلق بالتطورات المتسارعة في المنطقة عموما وبشكل خاص في سوريا، مع التحول في الموقف الأمريكي/ الغربي بتأكيد الرئيس الأمريكي وعدد من القادة الأوروبيين عن الاتجاه للتدخل العاجل عسكريا، بعد ما أعلن عن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية.
ثالث العوامل عامل هيكلي يتأكد دوره في سوق النفط أسبوعا بعد الآخر، ونعني بهذا بدء شعور الدول المستهلكة بوصول مخزونات النفط ومنتجاته إلى مستويات حرجة.
وكنا قد أشرنا من قبل إلى موقف المخزون الأمريكي (أكبر مستهلك عالمي للنفط) بوصوله إلى مستوى يعد حرجا نسبيا، بعد أن أصبح هذا المخزون يسد حاجة الاستهلاك الأمريكي لثلاثة أشهر، وهو ما جرى العرف على اعتباره الحد الأدنى المطلوب من هذا المخزون. وكنا قد لفتنا إلى أن الموقف سيتسم بالحذر الشديد في التعامل مع هذا الموقف. ويتأكد ذلك من أنه مع زيادة الإنتاج بشكل مستمر منذ أواخر العام الماضي، إلا أن الاستهلاك قد ارتفع أيضا، كما ارتفعت الواردات الأمريكية خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر بأكثر من 750 ألف برميل يوميا مقارنة بالأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار الماضي، لتبلغ واردات الولايات المتحدة في المتوسط نحو 8.7 ملايين برميل يوميا. وليس أيضا أدل على ذلك من أنه رغم ارتفاع مستوى المخزون من النفط الخام والمنتجات في الولايات المتحدة بنحو 6 ملايين برميل، إلا أنه لم يترتب على ذلك ما كان يترتب عليه تقليديا من الدفع نحو انخفاض أسعار برميل النفط.
العامل الرابع المهم الذي يشير إليه البعض هو عدم توفر البنية التحتية التي قد تمكّن من استمرار زيادة الإنتاج الأمريكي خلال الشهور القليلة القادمة بنفس الوتيرة. إذ يشار في هذا الصدد إلى بلوغ طاقة الأنابيب لنقل النفط المنتج من حقل "بريميان" أهم حقول النفط الصخري الأمريكي طاقتها القصوى. بل ويقدر أن طاقة النقل عبر الأنابيب أو السكك الحديدية أو غيرها من الوسائل قد بلغت أقصاها، وأنه من غير المنتظر زيادة هذه الطاقة سوى بنحو 200 ألف برميل يوميا مع انتهاء العمل في خط أنابيب جديد في أواخر العام الحالي. ومن المنتظر وفقا لهذا ألا تكون الزيادات المحققة في الإنتاج الأمريكي خلال الفترة المقبلة بنفس الوتيرة التي حدثت بها خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من هذا العام.
العامل الخامس يتعلق باستمرار الالتزام القوي بخطة خفض الإنتاج من قبل دول الأوبك وبعض المنتجين الخارجيين. ويساهم انخفاض الإنتاج في دول مهمة من دول الأوبك مثل فنزويلا، وتذبذب مستوى هذا الإنتاج في دول أخرى كليبيا ونيجيريا في ارتفاع نسبة تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج لأكثر من 100%، وهو ما يساهم حتى الآن في الحد من فائض المعروض من النفط. مع هذا فما زالت الدول أطراف الاتفاق تعي وتشدد على أن هدفها الرئيس بخفض مستوى المخزون لدى الدول المستهلكة إلى متوسط هذا المخزون خلال السنوات الخمس الماضية لم يتحقق بعدُ.
وأخيرا، فقد كان إعلان بعض الدول أطراف اتفاق خفض الإنتاج عن بحثها في كيفية استمرار التعاون بينها مستقبلا أثره على الأسعار، لاسيما مع إعلان احتمال التفكير في إنشاء آلية مؤسسية جديدة تضم الأوبك إلى جانب الدول المنتجة والمصدرة المهمة خارجها. وتستبدل هذه الدول بذلك (إذا ما تجسد إعلانها) الاتفاق المؤقت -الذي ينتظر المتعاملون في أسواق النفط موعد انتهاء العمل به- إلى آلية راسخة تدشن مرحلة جديدة مختلفة كيفيا في طريقة عمل هذه الأسواق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة