أتت قمة العشرين لتعلن بوضوح عن الاتجاه نحو الاتفاق على تمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج.
آثرت الدول الأطراف في اتفاق أوبك+ لخفض إنتاج النفط، تأجيل اجتماعها الذي كان مقررا له الانعقاد يومي 25 و26 يونيو/حزيران أي قبل انعقاد قمة العشرين، لينعقد اجتماعها يومي الأول والثاني من يوليو/تموز حتى يتسنى لها استطلاع ما سوف يكون عليه موقف الطلب العالمي على النفط خلال الفترة المقبلة بعد أعمال قمة العشرين. والواقع أن ما كان يشغل تحالف أوبك+، بل وجميع دول العالم، هو ما الذي يمكن أن تنتهي إليه القمة الصينية-الأمريكية التي ستعقد على هامش قمة العشرين. فالحرب التجارية بين بكين وواشنطن أدت إلى إثارة حالة من الاضطراب في سلاسل الإمداد العالمي، وأدت إلى تقليص نسبي في النشاط التجاري وتباطؤ اقتصادي في الكثير من دول العالم. حيث بات البنك الدولي يقدر أنه نتيجة لهذه الحرب التجارية سينمو الاقتصاد العالمي هذا العام بمقدار 2.6% فقط، بعد أن كان متوقعا له في السابق أن ينمو بنسبة 2.9%، بينما يرى صندوق النقد الدولي أن الناتج الاقتصادي العالمي سينخفض بنحو نصف نقطة مئوية، ومن الطبيعي أن يترتب على تباطؤ الاقتصاد العالمي بهذا الشكل انخفاض في الطلب على النفط عما كان متوقعا في السابق، وهو ما يلقي بأعباء على كاهل دول أوبك+ في خفض مستوى الإنتاج.
أتت قمة العشرين لتعلن بوضوح الاتجاه نحو الاتفاق على تمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج بعد إعلان الرئيس الروسي بوتين عقب لقائه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تمديد أجل الاتفاق لأنه يعمل على استقرار أسواق النفط، وهو الأمر المطلوب خلال الفترة المقبلة
لقد كان الاتفاق بين دول تحالف أوبك+ ينص على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، وكان من المتفق عليه أن أجل هذا الاتفاق سيحل يوم 30 يونيو/حزيران، لذا كان التساؤل الأساسي هو ما الذي سيكون عليه موقف الدول أعضاء هذا التحالف من تمديد أو عدم تمديد اتفاق خفض الإنتاج؟ وأتت قمة العشرين لتعلن بوضوح عن الاتجاه نحو الاتفاق على تمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج بعد إعلان الرئيس الروسي بوتين عقب لقائه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تمديد أجل الاتفاق، لأنه يعمل على استقرار أسواق النفط، وهو الأمر المطلوب خلال الفترة المقبلة، وأثناء هذا اللقاء طرح طرحا جديدا هو هل يكون أجل الاتفاق ستة أشهر لينتهي في نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل أم تسعة أشهر لينتهي في نهاية مارس/آذار المقبل؟
والواقع أن وزيري الطاقة في كل من المملكة وروسيا - وهما أكبر منتجين ومصدرين للنفط في تحالف أوبك+ - كانا قد أعلنا أيضا عن نفس التوجه، وتركا أمر أجل الاتفاق لتحسمه الدول أعضاء التحالف خلال اجتماع يوم 2 يوليو/تموز. وقد حسم أمر تمديد أجل الاتفاق لأن القمة الصينية-الأمريكية توصلت إلى هدنة في حرب التجارة بين البلدين والعودة لاستئناف المفاوضات التجارية بينهما من حيث توقفت. وأتى ذلك كحل وسط بين الجانبين، وذلك بعد أن قدمت الولايات المتحدة تنازلات تمثلت في عدم فرض رسوم جمركية جديدة على سلع صينية تبلغ قيمتها 300 مليار دولار، أي كانت ستشمل كافة الصادرات الصينية للولايات المتحدة، إلى جانب تخفيف العقوبات التي فرضتها واشنطن على شركة هواوي الصينية بشأن شراء منتجات تكنولوجية من منتجين أمريكيين. وفي الوقت ذاته تعهدت الصين بشراء كميات كبيرة من السلع الزراعية الأمريكية. لكن كل هذا لا يعني بالطبع التوصل بعد لحل للخلافات بين البلدين، وبالتالي إن كانت الهدنة قد أضفت مسحة من التفاؤل في الأسواق إلا أنه ما زال هناك شوط تقطعه المفاوضات التي لم يحدد أجل زمني لإنهائها، وهو ما يترتب عليه استمرار حالة من الضبابية وعدم اليقين بشأن توقعات النمو الاقتصادي في الأجل القريب، وما يترتب على ذلك من صعوبة توقع ما سيكون عليه مستوى الطلب على النفط خلال الأشهر القليلة المقبلة. علاوة على زيادة العرض بسبب الإنتاج المتزايد خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية. ومن هنا كان الموقف المنطقي هو تمديد العمل باتفاق خفض إنتاج النفط، حيث يعد هو الحل المناسب من أجل العمل على تحقيق الاستقرار في الأسواق، وسط حالة من عدم اليقين بشأن الطلب.
أضف إلى ذلك أن طرح فكرة تسعة أشهر كأجل للاتفاق بدلا من ستة أشهر تأتي حرصا على المزيد من الاستقرار في الأسواق، فالتمسك بستة أشهر فقط كانت تعني نهاية الاتفاق بنهاية شهر ديسمبر/كانون الأول أي في ذروة فصل الشتاء، وهو فصل يتسم بانخفاض موسمي في الطلب على النفط، ولذا تصبح مهلة التسعة أشهر أفضل، لأنها تأتي بعد انتهاء فصل الشتاء بطلبه المنخفض نسبيا. ورغم عدم حسم هذا الأمر المتعلق بأجل الاتفاق فإن الأمور بدت محسومة وهي تسير في طريق الاتفاق على تمديد اتفاق أوبك+ بخفض 1.2 مليون برميل يوميا وليس أكثر. كما طالبت بعض البلدان أعضاء الأوبك كالجزائر التي أرادت رفع سقف الخفض بمقدار 800 ألف برميل يوميا إضافية. وتم تأجيل الأجل المحدد لانتهاء الاتفاق حتى يتم حسم أمره عند التئام اجتماع دول منظمة الأوبك، وأطراف اتفاق أوبك+. وبالفعل توصلت منظمة الأوبك في اجتماعها يوم 1 يوليو/تموز إلى تمديد خفض الإنتاج حتى نهاية شهر مارس/آذار، ليعقب ذلك قرار مماثل من قبل كافة أطراف أوبك+ يوم 2 يوليو./تموز
ويزيد من أهمية تمديد خفض الإنتاج أنه على الرغم مثلا من انخفاض المخزون التجاري من النفط الخام في الولايات المتحدة - أكبر مستهلك عالمي للنفط - على مدار أسبوعين متتاليين، حيث انخفض هذا المخزون بمقدار 3.1 مليون برميل في الأسبوع قبل الماضي، ثم 1.1 مليون برميل في الأسبوع الماضي، إلا أنه ما زال فوق مستوى متوسط خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بنحو 5%. وهو ما يعني أن خطة خفض الإنتاج ما زال أمامها بعض الوقت حتى تؤتي أُكلها. ولعل هذا كان وراء تصريح وزير النفط السعودي بأن تمديد خفض الإنتاج حتى شهر مارس/آذار القادم سيعمل في نهاية المطاف على استعادة الاستقرار للأسواق، أي النزول بمستوى المخزون من النفط التجاري لدى الدول المستهلكة الرئيسية إلى متوسط هذا المخزون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وهو ما يعمل بالضرورة على استقرار أسعار برميل النفط في الأسواق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة