السؤال الذي يطرح نفسه الآن من هو الأقرب للفوز بحصة مهمة في عمليات طرح الأصول الراهنة.
اقترح صندوق الثروة السيادي النرويجي، وهو أضخم صندوق سيادي في العالم، حيث يتحكم في استثمارات تبلغ نحو تريليون دولار، التخلص من استثماراته في شركات النفط والغاز تصل إلى 35 مليار دولار.
وتتركز هذه الاستثمارات في شركات النفط العالمية الغربية الكبرى، حيث يمتلك الصندوق السيادي النرويجي حصة تقدر بنحو 2.33% من أسهم شركة رويال داتش شل البريطانية الهولندية، ونحو 1.72% بشركة إيني الإيطالية، و1.65% بشركة بريتش بتروليم البريطانية، و1.62% بشركة توتال الفرنسية، وكان الصندوق قد تخلص بالفعل على مدى عشرين عاما من كافة استثماراته تقريبا في صناعة الفحم.
لم يكن غريباً تسرب أنباء عن أن شركتي بتروتشاينا وسينوبك، المملوكتين للحكومة الصينية وباعتبارهما جزءاً من كونسورتيوم، يضم صندوق الثروة السيادي الصيني، قد عرضتا شراء 5% من أسهم شركة أرامكو في صفقة مباشرة، وعدم انتظار طرح الشركة كما هو مخطط لها خلال العام القادم.
وبينما أكد الصندوق على أن اقتراحه يهدف لتوزيع المخاطر ولا يتضمن أي استشراف سلبي لمستقبل صناعة النفط، إلا أنه كان له تأثيره الفوري على الصناعة على أية حال.
ويرى الصندوق أن التخلص من هذه الحصص في شركات النفط العملاقة سيعمل على توزيع المخاطر، بحيث لا يصبح الخطر مزدوجا في حال انخفاض أسعار النفط. إذ تعد النرويج أكبر منتج للنفط الخام في أوروبا الغربية بمعدل إنتاج بلغ نحو 1.76 مليون برميل يوميا في العام الماضي، وذلك بعد أن بلغ الإنتاج من النفط ذروته في عام 2001 بما يزيد على 3.2 مليون برميل يوميا. وتقدر مساهمة النفط والغاز بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي النرويجي، وتلعب صادرات النفط والغاز دورا مهما، حيث بلغت هذه الصادرات القمة في عام 2008 بنسبة تقترب من 68% من إجمالي قيمة الصادرات السلعية للبلاد، ثم هبطت بعد ذلك لتبلغ نحو 47% من قيمة الإجمالي خلال العام الماضي.
ويهدف الصندوق من هذه الخطوة، كما ذكرنا، إلى توزيع المخاطر بحيث لا يتركز نوعان من المخاطر مرتبطان بأسعار النفط وهما انخفاض قيمة صادرات البلاد من النفط وانخفاض العائد على الاستثمارات في شركات النفط بتأثير هذا الانخفاض في الأسعار ذاته.
ومن ثم يرى الصندوق أن النرويج ستكون أقل تعرضا للمخاطر المرتبطة بالانخفاض في أسعار النفط مع سحب استثماراتها في أسهم شركات القطاع. ويحتاج مقترح الصندوق الحصول على موافقة الحكومة، بل وحتى البرلمان، قبل المضي قدما في تنفيذه. وقد أفاد وزير المالية النرويجي أن دراسة المقترح قد تستغرق نحو عام على الأقل قبل البت فيما ينبغي عمله.
ومن المنتظر أن يكون لهذا المقترح انعكاساته على المدى القريب والمتوسط. فعقب إعلان هذه الخطة النرويجية انخفضت أسعار شركات النفط الكبرى، وفي حال استمرار هذا الانخفاض فمن المنتظر انخفاض الاستثمارات الجديدة لهذه الشركات، ويأتي هذا في ظل كون قطاع النفط من بين أضعف القطاعات أداءً في البورصات العالمية خلال العام الحالي، ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض استثمارات شركات النفط إلى التأثير على الإنتاج، وبالتالي خفض الكمية المعروضة من النفط في الأسواق العالمية خلال الفترة المقبلة، وهو ما قد يؤدي بالطبع إلى دفع أسعار النفط للارتفاع مستقبلا، إذا لم يواكب معدل زيادة الإنتاج معدل الزيادة في الطلب، ويشمل هذا التوقع بالافتقار للاستثمارات كافة الشركات العاملة في قطاع النفط بما فيها الشركات النرويجية ذاتها، فبعد نحو أربعين عاما من ضخ النفط، تحتاج النرويج ذاتها إلى استثمارات جديدة لتجديد احتياطاتها، كما هو الحال بالنسبة لشركات النفط العالمية الأخرى.
بالمقابل نجد أن هناك تغييرات كبرى تتم على جبهة الشركات العاملة في مجال النفط في المنطقة. حيث قال الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) سلطان الجابر إن الشركة تنفذ خطة كبيرة لخصخصة أنشطتها الخدمية، والدخول في مشروعات مشتركة لتجارة النفط وتوسيع الشراكات مع مستثمرين استراتجيين"، وأضاف أن الشركة تخطّط لبيع ما لا يقل عن 10% من وحدة تجزئة الوقود أدنوك للتوزيع من خلال طرح عام أولي، وأنها قد تبيع ما يصل إلى 30% من الوحدة في المستقبل، وأوضح أنه لن يتم بالضرورة إجراء كافة العمليات عبر الطرح العام الأولي، إذ ربما تحتفظ الشركة ببعض الأصول لجذب شريك أو مستثمر استراتيجي.
وكانت دول خليجية أخرى مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان قد أعلنت عن خطط لبيع أصول في مجال الطاقة، وربما الأكثر ضخامة في هذا المجال ما أعلنت عنه شركة أرامكو السعودية الحكومية إدراج نحو 5% من أسهمها خلال العام القادم في طرح أولي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن من هو الأقرب للفوز بحصة مهمة في عمليات طرح الأصول الراهنة، ربما أول ما يرد للذهن هو شركات النفط الصينية، إذ إنها شركات كبرى لديها ملاءة مالية كبيرة، وهي مملوكة من الحكومة التي تمتلك أكبر فائض نقدي في العالم، علاوة بالطبع على أن الصين هي الآن أكبر مستورد للنفط الخام في العالم بمستوى يناهز 8.5 مليون برميل يوميا، وتهتم الصين بشدة بتنويع استثماراتها في مجال النفط والغاز لتأمين حاجاتها المستقبلية، وعدم الاعتماد على مورد واحد، أو حتى منطقة واحدة، ولذا لم يكن غريبا تسرب أنباء عن أن شركتي بتروتشاينا وسينوبك، المملوكتين للحكومة الصينية وباعتبارهما جزءاً من كونسورتيوم يضم صندوق الثروة السيادي الصيني، قد عرضتا شراء 5% من أسهم شركة أرامكو في صفقة مباشرة، وعدم انتظار طرح الشركة كما هو مخطط لها خلال العام القادم. ورغم نفي هذه الأنباء إلا أن ليس هناك ما يمنع بالطبع من استحواذ الصين على جزء كبير من الحصة عند طرحها في البورصات العالمية.
إلى جانب ذلك أعلنت شركة روسنفت أكبر منتج روسي للنفط عن توقيعها اتفاقا لتوريد الخام مع شركة صينية بما يسمح للأخيرة بأن تدخل قائمة أكبر عشرة تجار نفط في العالم، ويمكّنها من تحدي هيمنة شركات غربية على تجارة النفط العالمية مثل فيتول وترافيجورا. يأتي ذلك في أعقاب شراء الشركة الصينية لنحو 14.2% من أسهم روسنفت في صفقة بلغت قيمتها 9 مليارات دولار.
هناك إذا تغيُّر هيكلي مرتقب في صناعة وتجارة النفط العالمية ربما يتمثل في تضاؤل وزن وأهمية الشركات والمصالح الغربية مقابل صعود واضح للعملاق الصيني في هذا المجال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة