إعادة تركيبة المشهد السني بالعراق.. هل لإيران دور؟
في مشهد سياسي بات يزداد تعقيداً كلما دارت عقارب الساعة باتجاه الأمام، تتحرك بوصلة الأحداث في العراق.
هذه المرة تحركت الأحداث صوب التحالفات السنية وزعامتها الجديدة التي ظهرت في غضون السنوات الخمس الماضية.
وعاشت القوى السنية مع أواخر عام 2011، تساقط كبير لقياداتها الأولى جراء سلسلة من الاتهامات والدعاوى القضائية التي وجهت لهم بقضايا فساد وإرهاب إبان الولاية الثانية لحكومة نوري المالكي دفعت بخروج أهم الأسماء من المشهد بينهم نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء رافع العيساوي، وقبل ذلك رئيس جبهة التوافق العراقية عدنان الدليمي.
حينها، تصاعدت حدة خلاف الكثير من القوى السنية المؤثرة مع شخص نوري المالكي وأطرف سياسية في حكومته على خلفية الاحتجاجات الغاضبة التي اندلعت في المناطق السنية وكانوا قادتها وداعمين لإدامة زخمها، كان من أبرزهم الشيخ العشائري علي حاتم السليمان، الذي غادر العراق أواخر عام 2014.
وعقب احتلال تنظيم داعش للمناطق السنية إبان أحداث يونيو قبل ثماني سنوات، برزت قيادات وزعامات جديدة بعد غياب وتغيب الكثير من شخصيات الخط الأول بينهم، رئيس البرلمان العراقي الحالي، محمد الحلبوسي ورئيس تحالف سيادة خميس الخنجر.
استطاع الفتى الشاب، الحلبوسي أن ينال مقبولية كبيرة وشعبية واسعة في مسقط رأسه عند محافظة الأنبار التي ينحدر منها أغلب القيادات المغيبة وكذلك نال سمعة واستحسانا كبيرين في بقية المحافظات السنية، مما هيأ له الوصول لولاية ثانية لرئاسة مجلس النواب.
واستطاعت القوى السنية الكبيرة في العراق وعقب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن تصطف تحت مسمى السيادة الذي يتكون من "تقدم"، و "عزم"، والذهاب نحو النجف لتشكيل "إنقاذ وطن"، مع رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، في حراك قلب العرف السياسي الذي حكم البلاد مابعد 2003، وبما أثار غضب القوى الولائية المقربة من إيران.
وعلى مدار 6 أشهر بذلت قوى الإطار التنسيقي (القوى المقربة من إيران)، جهوداً حثيثة ومحاولات كبيرة لثني الصدر عن المضي مع القوى السنية في تشكيل الحكومة المقبلة لكنها باءت بالفشل وانتهت بانسداد سياسي في المشهد السياسي العراقي.
قيادات سنية قديمة تعود
في ظل الاحتدام الدائر واجترار البلاد في خرق التوقيتات الدستورية جراء عقدة الخلاف السياسي بين أطراق القوى الشيعية (الصدر والإطار التنسيقي)، تزامن ظهور العيساوي إلى المشهد بعد تبرئته من قبل القضاء في التهم الموجهة إليه مع عودة علي حاتم السليمان إلى بغداد قادماً من الأردن بعد غياب دام نحو 8 سنوات.
ذلك التطور في ظهور تلك الأسماء ضمن ذلك التوقيت عده بعض المراقبين بأنها محاولات لتشظية البيت السني الذي بني على يدي الحلبوسي والخنجر ومحاولات تقودها أطراف مقربة من إيران لإرباك وحدة قرارهم في مسعى لتفكيك تحالفهم القائم مع الصدر.
ويعد العيساوي يعد من الشخصيات السنية ذات التأثير الكبير في محافظة الأنبار (غربي العراق)، وقد شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزيرا للمالية بين عامي 2006 و2014 قبل استقالته احتجاجا على سياسات المالكي، لتلاحقه بعد ذلك تهم بالإرهاب والفساد وصفها بـ"الكيدية".
وكان العيساوي قد سلَّم نفسه إلى القضاء العراقي يوم 16 يونيو/حزيران 2020 تمهيدا لإعادة محاكمته بناء على قرارات غيابية كانت صدرت بحقه قبل سنوات.
صراع ساكن
الأكاديمي والمختص في العلوم السياسية، علي الجبوري، في حديث لـ"العين الإخبارية"، يرى أن "ما يجري الآن من إفرازات جديدة في واقع البيت السني السياسي لا يمكن فصلها عن مساع لإدارة صراع ساكن كان قد اختفى وعاد ليظهر مرة ثانية حول لمحافظات السنية وخصوصاً مع بروز نجم السياسي محمد الحلبوسي وما حصده من مكانة كبيرة في تلك المناطق فضلاً عن المقبولية الخارجية التي يتمتع فيها".
ويضيف الجبوري، أن "هنالك حديثاً بدا يظهر للعلن عن عودة قيادات أخرى إلى المشهد السني في العراق من بينهم طارق الهاشمي وأحمد العلواني وأثيل النجيفي وغيرهم ولكن مع ذلك فان مقبوليتهم من قبل الشارع قد تراجعت كون أن هنالك جمعا كبيرا يرى أنهم كانوا السبب وراء الخراب الذي لحق مناطقهم جراء احتلال داعش".
وبشأن طبيعة تلك العودة وتوقيتاتها يوضح الجبوري أن "رجوع العيساوي والسليمان إلى الأجواء السياسية في الداخل العراقي، أمر وارد وكان يجري منذ وقت ولكن قد حان وقت الشروع باعتبار أن الأوضاع الراهنة تهيئ من ذلك الأمر".
واستبعد الأكاديمي العراقي أن تكون قوى الإطار التنسيقي وراء ذلك الأمر كون ان الوسط السياسي السني يعيش حالات من الصراع والانقسام مما يؤدي بالنتيجة لمثل تلك التطورات.
عودة حاتم السليمان
رفض النائب السابق عن محافظة الأنبار، عبد الله الخربيط، في تصريح متلفز، تابعته "العين الإخبارية"، ربط عودة علي حاتم السليمان بضغوط مارسها مع أصدقاء وحلفاء له في الإطار التنسيقي.
في المقابل يرى أستاذ العلوم السياسية، عصام الفيلي، خلال تصريح لـ"العين الإخبارية" في تلك التطورات، رسالة موجهة من قبل قوى الإطار التنسيقي مفادها أن لها القدرة على خلق الأضداد النوعية وضرب وحدة تحالفه في إنقاذ وطن.
كان زعيم التيار الصدري صاحب الأغلبية البرلمانية مقتدى الصدر قد أمهل خصومه في الإطار التنسيقي 45 يوماً تنتهي بعد عيد الفطر، بتشكيل حكومة أغلبية وطنية حتى لو تتطلب الأمر التحالف مع حلفائه من القوى السنية والكردية.
ولكن الفيلي يستبعد تأثير تلك التطورات على وحدة مكونات تحالف "إنقاذ وطن"، كون أن الشارع السني كقاعدة سياسية وعقل جمعي شعبي، بات يدرك أن التحالف مع الصدر ربما يمثل مخرجاً للأزمات التي تشهدها تلك المدن، خصوصاً ما يتعلق بالمهجرين والنازحين، ولذلك فإن أي محاولات من الإطار التنسيقي زعزعة تحالفات القوى السنية مع التيار الصدري لن تكون مؤثرة.
ويتفق مع ذلك الرأي ما ذهب إليه رئيس مركز "تفكير السياسي"، إحسان الشمري، الذي يؤكد أن "القوى السنية الظاهرة في المشهد قد اكتسبت موقفاً شعبياً من قبل جماهيرها في المدن السنية وخصوصاً في ظل رئيس حركة تقدم محمد الحلبوسي وقد انعكس ذلك الأداء على رفع بعض الحيف والظلم عن سكان تلك المناطق جراء عمليات الإرهاب والتدهور الخدماتي الذي رافقها".
وبالتالي حسبما يقول الشمري لـ"العين الإخبارية"، أن "عودة القيادات السنية القديمة لن يكون ذا تأثير كبير على الزعامات الحالية وإنما إشغال للوقت ومناورة للضغط لا أكثر".