الجنة والجحيم.. رحلة تأمل طويلة لدى المصريين القدماء
انشغل المصري القديم كثيرا بحال الإنسان ومصيره ما بعد الموت كما تدلنا العقيدة المصرية القديمة.
انشغل المصري القديم كثيراً بحال الإنسان ومصيره ما بعد الموت كما تدلنا العقيدة المصرية القديمة.
فقد آمن بوجود منظومة للحساب أو للثواب والعقاب بعد موته فإما أن تدخل الروح"حقول آيارو" وهي الجنة في العقيدة المصرية أو بحيرة النار أو الجحيم.
محكمة الموتى
ووفقاً للعقيدة المصرية القديمة يَمثُل الميت أمام محكمة مكونة من 42 قاضياً بعدد أقاليم مصر، ويمثلون مبادئ "ماعت" ربة النظام والعدل والحق الـ42 مبدأ، يأتي فى مقدمتهم "رع"، و"أوزيريس" الذي يجلس على العرش باعتباره رب العالم السفلي، وخلفه تقف أخته "إيزيس" و"نفتيس" وأمامه الأبناء الأربعة لحورس "إمستي"، "حابي"، "دواموت إف", و"قبح سنو إف" وهم يمثلون الاتجاهات الأربعة.
في بداية المحكمة يأتي "حورس" بالميت وتقف بجانبه "ماعت" مرتدية ثوباً جميلاً ليمثُل أمام "أوزيريس"، وتقيم له محكمة لتقييم أعماله ويقوم "أنوبيس" بوزن قلبه بريشة ماعت، فقد كان يوضع قلب الميت على الميزان في كفة وريشة الإلهة ماعت في الكفة الأخرى، ويبدأ الميت فى الاعتراف أو بالشهادة، ويقوم "تحوت" إله الكتابة والحكمة بتسجيل نتيجة الميزان بالقلم في سجله، بينما يقف الوحش الخرافي "عمعموت" منتظراً التهام القلب إذا كان الميت كذاباً.
من أهم مبادئ ماعت التي يقرها الميت والتي يحاسب عليها هي أنه لم يقتل أو يحرض على القتل، ولم يزنِ أو ينتقم، ولم يعتد على أحد أو يظلم بشراً أو تسبب فى ضرر للحيوان، ولم يسرق أو يتلف محاصيل غيره، ولم يشهد الزور أو يكذب، ولم يقسو أو يحكم على أحد أو تنصت عليه، أو كان غاضباً، ولم يقم بإهدار المياه أو تلويثها وغيرها من المبادئ الأخلاقية التي تتعلق بحياته اليومية مع الآخرين.
بحيرة النار
يقول الكاتب البريطاني: "جيرمي نادلر" في كتابه "معبد الكون" إن الروح عندما ترتحل إلى العالم السفلي المسمى "الدوات" فإنها تصادف أنهاراً من نار، وهي أنهار تفصل ما بين طريق الماء واليابس، وقد لونت هذه الأنهار باللون الأحمر دليل على اشتعالها مثلما جاء فى بردية "آنى" الموجودة في المتحف البريطاني، والتي دوّنت عام "1350" ق.م ، وترمز نار الجحيم في المعتقد المصري القديم للنور الإلهي الذي يفصل الظلمة عن النور، وتختلف تأثير البحيرة باختلاف الأرواح، فإذا كانت الروح طاهرة فإنها تمر بسلام بل تقوم نار البحيرة بتخليص الروح من كل الشوائب التي علقت بها على الأرض، أما إذا كانت الروح غير طاهرة فإنها ستسقط في بحيرة النار وستتعرض لعذاب وآلاماً شديدة.
جاء فى الفصل 126 من كتاب "الخروج إلى النهار" وهو أحد نصوص"متون الأهرام":
يا حراس بحيرة النور " البابون"
يا من تحيون في الماعت "النظام الكوني"
يا من تكرهون الخداع
اغسلوني مما علق بي من الزيف والخداع
اشفوا الجراح التي أصابتني من عالم الأرض
طهروني من كل ما علق بي من الدنس
ولبحيرة النار حارسة تسمى "عمعموت/موت/عمت/عاميت"، وتعني تلك الأسماء بالمصرية القديمة "الملتهمة" الشيطانة، أو الحراسه الملتهمة، ملتهمة القلوب، ملتهمة الأرواح، وهي حارسة بحيرات النار، وهيئتها عبارة عن رأس تمساح ومقدّمة جسدها، ونصفها الأول لأسد أو قطة برية ومؤخرة جسدها النصف الثاني أنثى فرس النهر، وكان لها مركز عبادة خاصة في "طيبة" الأقصر حالياً.
صوَّر المصري القديم 4 قرود تسمى "البابون" حول بحيرة النار، وهو من الرموز المقدسة الدالة على أحداث الخلق الأولى، حيث المياه الأزلية التى تسمى "نون" التي خرجت منها الأرض الأزلية، وهي مرتبطة بالإله "رع" حيث كانت ولادته وخروجه من الفوضى والظلام للنور، ولذلك فإن قرود البابون التي تحدث أصواتاً عند شروق الشمس كل صباح دلالة على شروق النور الإلهي لرع.
حقول الآيارو
الطريق الثاني الذي تسلكها أو تمر بها الروح إذا نجح الميت في اختبار" الماعت" وهو وزن القلب في ميزان العدل والحق كان مصيره " حقول الآيارو"، التي تمثل الجنة في المعتقد المصري القديم، وهي حقول من القصب تتميز بكثرة الأنهار والأشجار.
أهم المشاهد المصورة لحقول الآيارو هي التي جاءت في بردية " آني "وترجع عصر الدولة الوسطى حيث تحتوي على 4 مشاهد الأول يقوم فيه "آنى" بتقديم القرابين للآلهة، ويبحر بقاربه الخاص ليقابل حورس، والثاني يقوم بزراعة وحصد القمح أمام طائر"البنو" الخاص بالإله رع، أما الثالث يقوم "آنى" بحرث الأرض, والمشهد الأخير يصور قاربان بهما درجات للصعود لمملكة "أوزيريس" والكائنات النورانية.