ينحت العُمانيون الصخر ليشقوا سواقي للحياة. تلك هي طبيعتهم. وبدلا من أن تُخضعهم الجبال لقسوتها، فقد أخضعوها بلطفهم وسماحتهم واعتدالهم لتصبح منازل خضرة ونماء.
مفارقةٌ إذا أدرك المرء معناها، أدرك كيف أمكن لأبناء هذا البلد أن يبنوه ويحافظوا على استقراره ويسندوا ازدهاره، وكأنهم هم الجبال.
اذهب لتراه. سوف تلقى ثنائيات: عسر الطبيعة، ويسر الناس. حصون دفاع، وحصانة من الأزمات. تحديات اقتصادية، وقدرة على التكيف. ولكن لن تعثر على التطرف إلا في بعض ما قد يأتي من أنباء ما وراء البحار.
عُمان عالم آخر للتسامح. والعمانيون إذ يحرصون على ملاقاة الآخر من منتصف ما قد يحمله من المشاق، فإنهم يستوعبون الآخر بلا مشاق.
هذا ما ورثه السلطان هيثم بن طارق، ليبني عليه عمرانا نابضا بالحياة. انطلق بإرساء أسس للتجديد وترشيد الموارد، حتى بدا وكأنه ينحت في صخر الظروف الصعبة التي ظلت تتراكم لعدة سنوات. ولكنه كان يشقُّ السبيل لمسيرة تنمية تبعث على التفاؤل، تجسدت ملامحها في "رؤية عُمان 2040"، لتقدم برنامج تحديث وتطوير يستند على حوكمة مالية رشيدة وضمانات اجتماعية تكفل العيش الكريم، وتوفر لشباب البلاد فرصا أفضل، ومجالات عمل تكفلها الدولة، ولتكفل من بعدها فرصا أوسع في مجالات الإعمار والتنمية الاقتصادية، ليقدم بذلك نموذجا آخر لأنسنة التنمية. فالإنسان أولها ومبتغاها، وهو مبعث الأمل.
ومثلما حظيت قضايا التعليم والصحة وتطوير البنية التحتية وبناء مشاريع جديدة للاستثمار بمركز رئيسي، فقد احتلت قضايا تنمية الموارد البشرية مكانا بارزا في برنامج السنوات العشرين المقبلة.
البدايات الواعدة التي قدمها برنامج جلالة السلطان هيثم بن طارق لتنمية الفرص الاستثمارية وتوفير الدعم الحكومي للمبادرات الفردية في بناء المؤسسات والمشاريع الصغيرة، قدمت ما يكفي من الإشارات إلى أن عُمان تسير على الطريق الصحيح نحو مستقبل أفضل، على ركائز عملية أقوى، وعلى رؤية تعرف من أين يمكن للنهضة الحديثة أن تبدأ.
وظل الاستقرار هو الحادي الذي يُلتفت إليه، مع كل طريق يتم شقه لتنمية الموارد وحُسن إدارتها.
ولقد وضع السلطان هيثم بن طارق الشباب نُصب عينيه، في كل مجال. ليقول إن البلاد تزدهر بازدهار شبابها وتنفتح أمامها أبواب المستقبل إذا ما فتحت لهم الأبواب، لكي يكشفوا عن مواهبهم وقدراتهم.
ولكي لا يقع أحد خارج شبكة الأمان، فقد تم إنشاء صندوق الأمان الوظيفي، ليوفر للشباب بالدرجة الأولى، الحماية المطلوبة، ويساعدهم على تدبر فرص العمل.
ولقد تم تدشين العديد من المشاريع والاستثمارات الجديدة، التي أمكنها أن تمتص الكثير من فائض الأيدي العاملة.
كل هذا، والعمانيون يدركون أن بلادهم واجهت مشاقَّ لا مفر منها، ابتداء من انخفاض إيرادات النفط، وصولا إلى تأثيرات جائحة كورونا. ولكنهم يستطيعون أن يروا الآن كيف أن تلك المشاق بدأت تنحسر لتنحسر معها كثير من الصعوبات.
ولقد وجد السلطان هيثم بن طارق في أشقائه الخليجيين، ابتداء من السعودية والإمارات، خير عون وخير دلالة على وحدة المصائر. فعُمان ما كان لها أن تعرف مشقةً إلا لتعرفَ في الأخوة الخليجية أخوّةً ترقى بالعلاقات بين بلدانها إلى مستوى هو من أرفع مستويات التضامن، وأكثرها نبلا واستعدادا للشراكة في العسر واليسر على حد سواء.
ولا يعسر مَنْ له أهل محبون. ولا تضيق الحال على مَنْ له أخوة كأخوة العمانيين مع أشقائهم الخليجيين. وهم إذ ينحتون في صخر الواقع ليعمروا بلدا ويوفروا له فرص النماء، فإن لهم جارا ثم جارا، يساندون كلما حان وقت السند.
شيءٌ ما في عُمان يجعل حتى حجارة القلب تلين. لعلها مفارقة بين عسر الجغرافيا التي ما كان يمكن تعويضها إلا بيُسر الناس.
مجتمعٌ يميل إلى الاعتدال، فيتصالح حتى مع أشد الصخور قسوة، ليعطيها من طباعه التي غلبت الجبال على مر العصور، فأقامت بيئةَ حكمة خالصة تنأى بالنفس عن كل ما قد يدفع إلى الاضطراب.
لا الفقر فاحش هناك ولا الغنى. والانفعال أبعد ما يكون عن الثقافة والسياسة والتعاملات. ولا أحقاد، ولا تطرف. بل ولا قسوة حتى مع قسوة الطبيعة نفسها.
ولئن يفخر العمانيون، بما راكموه، على مرِّ الأجيال، فإنهم يفخرون بأن الحجر الذي بات ساقية للشاربين، ظل منفذا للعذوبة، إذ تتدفق في الطبيعة الأولى للبشر: صدقُ السريرة وبساطة النفس.
السلطان هيثم بن طارق، إذ يخوض في معترك بناء وتنمية ويقود بحكمة تلك الطبيعة بالذات، فإنه يقف على أساس أصلب من الصخر: العمانيون أنفسهم الذين طوّعوا الحجر، فأنسَنوه واستأنسوه، حتى خلعوا عليه طباعهم، فصار ساقية للحياة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة