احتفلت سلطنة عُمان الشقيقة أمس بالذكرى الحادية والخمسين لنهضتها وتأسيسها المبارك.
ويوافق اليوم الوطني العماني يوم مولد السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله، الذي أطلق مسيرة النهضة الحديثة في بلاده ونقل سلطنة عُمان إلى مرحلة الرخاء الاقتصادي والانفتاح على العالم، ونجح بكل اقتدار في بناء دولة ناهضة قوية راسخة البنيان لديها إمكانيات التطور وأسس الانطلاق الواثق نحو المستقبل، قبل أن يسلم دفة القيادة إلى قائد آخر لا يقل حكمة وحنكة ودراية في بناء الأوطان وترسيخ أسس نهضتها التنموية، وهو السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، والذي أظهر درجة عالية من الوفاء للقائد الراحل السلطان قابوس، عندما وجّه خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء في مارس 2020 باستمرار يوم 18 نوفمبر، يوم ميلاد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، كيوم وطنيّ للنهضة تحتفل به السلطنة كل عام، في لفتة وفاء أسرت قلوب العُمانيين.
لقد أحدث السلطان قابوس، رحمه الله، تغييرات جذرية في بلاده، على الصعد كافة، جعلته يحظى بحب شعبه وكل الشعوب الخليجية والعربية، فعلى المستوى السياسي، أرسى دعائم سياسة عُمان الخارجية، التي تميل إلى الحياد بإيجابية، وترفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتحرص على كسب مودة وثقة واحترام العالم، ما جعل من عُمان مكاناً مناسباً لجهود الوساطة وتسوية النزاعات الإقليمية والدولية، كما كان رحمه الله من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي، إذ عمل بقوة على دعم جهود هذا المجلس في مجال تعزيز علاقات التعاون والوحدة بين دول الخليج العربي وشعوبها.
وعلى المستوى الاقتصادي، نجح السلطان قابوس بن سعيد في قيادة سلطنة عُمان إلى مرحلة الرخاء الاقتصادي، كما أحدث تغييرات جذرية وكبيرة في المجالات الثقافية والتعليمية، حتى عُرف بحق بأنه مؤسس عُمان الحديثة وصانع نهضتها.
وجاء السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، الذي تولى مقاليد الحكم يوم 11 يناير 2020، ليكمل مسيرة النهضة والبناء، ويعزز من مكانة وقوة سلطنة عُمان الشقيقة.
ورغم توليه السلطة في ظل ظروف صعبة للغاية فرضتها جائحة كوفيد-19 على المنطقة والعالم، فقد أظهر السلطان هيثم بن طارق قدرات عالية في التعامل مع مثل هذه الأزمات العالمية المعقدة، وعدم السماح لها بالتأثير في الخطط التنموية المستقبلية لبلاده، وهو ما ظهر في تأكيده العزم على استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي واستقرار الاستدامة المالية للدولة، وجعل تحقيق التوازن المالي في أعلى سُلم الأولويات للحكومة، فاتخذ مجموعة إجراءات لتحسين الأوضاع المالية والاقتصادية لمواجهة التحديات التي فرضتها الجائحة، ومن بينها مبادرات خطة التوازن المالي متوسطة المدى "2020- 2024" بهدف تحسين التصنيف الائتماني للسلطنة، وصولاً إلى مستويات آمنة وبيئة جاذبة للاستثمار، إلى جانب تنشيط وتنويع مصادر الإيرادات ودعم النمو الاقتصادي وتوجيه الموارد المالية التوجيه الأمثل.
كما عمل السلطان هيثم بن طارق على إعادة تنظيم وهيكلة الجهاز الإداري للدولة، ليأتي متواكبا مع رؤية عمان 2040، بما يؤدي لرفع كفاءة الجهاز الإداري والتوافق مع التطورات، التي شهدتها السلطنة خلال نصف قرن مضى، وتحقيق التطوير المؤسسي لأداء الجهاز الإداري لمواكبة النمو الاقتصادي والاجتماعي والتنموي في السلطنة، إلى جانب العمل على تنسيق الجهود الحكومية في كل المجالات، وشكّل المرسوم السلطاني رقم 75/2020 بشأن الجهاز الإداري للدولة نقلة نوعية في هذا الصدد.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، أكد السلطان هيثم بن طارق السير على خطى ثوابت سياسة سلطنة عُمان الخارجية، القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير، واحترام سيادة الدول، وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات، إلى جانب تعزيز علاقات التعاون والأخوة مع دول الخليج العربي، وهو ما برز واضحاً خلال العامين الأولين من حكمه، والتي شهدت تنسيقاً عالمياً بين السلطنة وأشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي.
احتفال سلطنة عُمان بذكرى نهضتها الشاملة هو مناسبة جديرة بأن تحتفل بها باقي الشعوب الخليجية، فالسلطنة وشعبها الشقيق جزء لا يتجزأ من خليجنا العربي، ونهضتها هي نهضة لكل دول وشعوب المنطقة، ولا يخالجنا شك في أن مسيرة الخمسين عاماً القادمة ستكون تعزيزاً لمسيرة النهضة العُمانية في نصف القرن الماضي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة