فقاعة الذهب المستمرة.. بين وهم القيمة وتغير الزمن

منذ أكثر من 15 عاماً، وصف أحد الخبراء الماليين صعود الذهب بأنه «فقاعة عمرها 6 آلاف عام»، مشيراً إلى شكوكه في القيمة الجوهرية الحقيقية لهذا المعدن.
ومع ذلك، استمر الذهب في تحدي هذه الشكوك، إذ ارتفع سعره من 1109 دولارات للأوقية في 2009 إلى ما يزيد عن 4000 دولار حالياً، بعد زيادة تتجاوز 50% منذ بداية العام.
ووفقاً لتقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، يُعد الذهب منذ زمن طويل ملاذاً آمناً ضد تدهور القيمة الحقيقية والقوة الشرائية للعملات الورقية، ويُقارن كثيرون بينه وبين العملة الرقمية "بيتكوين" كأصول بديلة في فترات عدم اليقين. ففي عام 2014، تم تشبيه الذهب بالبيتكوين من حيث الندرة والثقة الجماعية. لكن التقلبات في سعر البيتكوين فاقت بكثير تقلبات الذهب؛ فبينما هبط الذهب بنسبة 44% بين 2011 و2015، تراجع البيتكوين بنسبة 74% بين أكتوبر/تشرين الأول 2021 وديسمبر/كانون الأول 2022، بعد رحلة صعود من 20 سنتاً عام 2009 إلى نحو 122 ألف دولار حالياً.
ورغم بعض التشابه، يختلف الأصلان جذريًا؛ فالبيتكوين أصل رقمي تحدد قيمته الأسواق، وقد تصل قيمته إلى ملايين أو تنعدم، ويمكن نسخ خصائصه التقنية. في المقابل، فإن الذهب معدن مادي محدود الكمية، لكنه غير عملي كوسيلة دفع مقارنة بالعملات الرقمية أو المستقرة.
ذهب الحلي
ومن حيث الاستخدامات، يتركز الطلب على الذهب في الحلي، التي تشكل 45% من إجمالي المخزون العالمي البالغ 216265 طنًا حتى نهاية 2024. لكن كثيرًا من هذا الطلب يُعد استثماريًا، إذ تمثل السبائك والعملات وصناديق المؤشرات نحو 22%، فيما تحتفظ البنوك المركزية بـ17%، ويُستخدم 15% في التطبيقات التكنولوجية والطبية.
وقد يدعم التوسع في تقنيات الذكاء الاصطناعي وزيادة استخدام الذهب في الإلكترونيات والطب أسعاره على المدى الطويل، لكن هذا الدعم يبقى محدوداً مقارنة بتكاليف الاستخراج والتخزين. وتشير تقديرات مجلس الذهب العالمي إلى أن التكلفة الكلية لاستخراج الذهب بلغت 1500 دولار للطن في الربع الأول من 2025، مع معروض سنوي يبلغ 4975 طناً، وهو ما يُعد استخداماً غير فعّال للموارد.
وتبرز هذه المفارقة في مثال البنك المركزي البريطاني، حيث يُستخرج الذهب من الأرض بتكلفة عالية، ثم يُعاد تخزينه تحت الأرض بتكلفة إضافية. ويُقدر الاحتياطي القابل للاستخراج اقتصادياً عالمياً بنحو 54770 طناً، في حين توجد موارد غير مجدية اقتصاديًا تصل إلى 132110 أطنان. ويرى تقرير الصحيفة أن المنطقي هو ترك هذا الذهب في مكانه.
حلول التكنولوجيا المالية
وتوفر التكنولوجيا المالية أدوات تداول أرخص وأكثر كفاءة، مثل المشتقات الرقمية ومنصات التمويل اللامركزي، مما يقلل الحاجة إلى التعامل مع الذهب المادي. ورغم ذلك، لا تزال البنوك المركزية تعتبر الذهب ركيزة للقيمة، إذ زادت حيازاتها بأكثر من 1000 طن سنوياً منذ عام 2022. وفي نهاية 2024، شكّل الذهب 20% من احتياطيات البنوك المركزية، متفوقاً على حصة اليورو البالغة 16%.
ويصف الكاتب هذا التوجه بأنه "سجن تاريخي للفكر المالي"، مشيراً إلى أن العودة لمعيار الذهب غير واقعية، وأن الاستثمار الكبير في أصل منخفض القيمة الجوهرية وعالي المخاطر لا يناسب المؤسسات النقدية. ويوصي بأن تتخلص البنوك من جزء كبير من حيازاتها لصالح مستثمرين أفراد أو شركات يمكنهم تحمّل هذه المخاطر.
أما بالنسبة للأفراد، فعليهم التعامل مع الذهب بحذر، وعدم استثماره إلا في حدود يمكنهم تحمّل خسارتها. فعلى الرغم من بريقه التاريخي، يبقى الذهب أصلًا غير قائم على قيمة اقتصادية صلبة، وتظل فكرة كونه ملاذاً آمناً محل جدل مستمر في عالم مالي سريع التغير.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز