النتيجة التي يمكن أن يخرج بها المراقب لما حدث في "قمة القاهرة للسلام" التي استضافتها مصر وما حدث من اختلاف قادة العالم على مَن المسؤول لما يحدث في "غزة" إسرائيل أم حركة "حماس" وعدم صدور بيان ختامي هي أن القمة أثبتت وأكدت على ميزة السياسة الإماراتية.
وهي تحكيم العقل في الخلافات وأن الإنسان له الأولوية في كل شيء.
في القريب العاجل ستجد الأطراف كافة، وعلى رأسها إسرائيل والفلسطينيين، أن لا حل ولا مخرج من المأزق الحالي الذي يعاني منه الجميع، سوى الاستماع إلى صوت العقل والحوار والبحث عن مخارج سلمية وآمنة.
كان من المنتظر أن تخرج قمة القاهرة بخطوات عملية أو قرارات محددة باتجاه حل الأزمة المتصاعدة وإنهاء الوضع الإنساني المأساوي في قطاع غزة. غير أنها لم تسفر عن نتائج محددة ولم يصدر عنها بيان ختامي بسبب التفاوت الواضح في وجهات النظر بين رؤساء الوفود وممثلي الأطراف المشاركة، سواءً من الدول العربية والإسلامية والإقليمية أو الدول الأوروبية.
وحيث إن في كل أزمة فرصة، فإن عدم التوصل بين أطراف قمة القاهرة إلى اتفاق على نتائج محددة أو توصيات عامة أو حتى مجرد بيان ختامي، يحمل في نفس الوقت دلالات مهمة تشير إلى ما يمكن عمله مستقبلاً والخطوات العملية الضرورية التي ينبغي القيام بها ومن أهم تلك الدلالات هي: أن العالم الغربي يقدم دعمه بشكل مطلق وبانحياز كامل إلى جانب إسرائيل، ويؤيد ما اعتبرته ألمانيا وفرنسا وإيطاليا خلال القمة "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس".
وذلك بالتوازي مع إنكار وتجاهل للخسائر الفلسطينية فضلاً عن حقوق المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، إلا بكلمات عامة مثل مناشدة إسرائيل الالتزام بالقانون الدولي.
والمعنى الواضح هنا، أن لدى إسرائيل مساحة زمنية وقبول غربي لعملياتها العسكرية الجارية في غزة. الأمر الذي سيعني مزيداً من الخسائر البشرية الفادحة بين صفوف المدنيين الفلسطينيين، خصوصاً الأطفال والنساء. ولذا ظهور الموقف الغربي بوضوح خلال قمة القاهرة، يجب أن يمثل دعوة عاجلة لبقية دول العالم من أجل التحرك العملي والضغط السياسي لوقف العمليات العسكرية.
وبشيء من الواقعية، لن يتأتى هذا الوقف إلا بوضع تصور واضح ومحدد لمشهد المستقبل في قطاع غزة، بمعنى أنه بات من الصعوبة بمكان إقناع إسرائيل بوقف عملياتها الرامية إلى اجتثاث حركة "حماس" من قطاع غزة، إلا بضمانات حقيقية بأن هذا الهدف سيتحقق أو على الأقل حد أدنى منه، أياً كانت الصيغة التي يمكن بها تحقيق ذلك لاحقاً.
الهدف الإسرائيلي النهائي من عملياتها العسكرية، ليس اغتيال مسؤولي أو القضاء على عدد من مقاتلي "حماس" أو "الجهاد" أو أي من تلك الحركات المسلحة. لكن الهدف الأصلي هو القضاء على أي وجود لتلك الحركات تماماً، للحيلولة دون تكرار الهجمات عليها في المستقبل.
في المقابل، بات واضحاً أن الهدف الجوهري من عملية "طوفان الأقصى" هو إعادة حركة "حماس" كرقم مؤثر في معادلة القضية الفلسطينية، وإحياء فكرة المقاومة المسلحة كرد عملي على حصار القطاع ودخول المستوطنين المسجد الأقصى وغير ذلك من الممارسات الإسرائيلية المستفزة.
وبما أن منهج استخدام السلاح مرفوض من حيث المبدأ، فمن الضروري البحث عن سبل أخرى لتوفير مقومات الحياة الطبيعية للفلسطينيين. وإيجاد آليات سلمية يمكن للفلسطينيين من خلالها التعبير عن معاناتهم وأزماتهم الحياتية التي لا يستمع إليها العالم إلا بعد انفجار الموقف، وتحديداً بعد تكبد إسرائيل خسائر. ووقتها يكون الغرب أكثر استماعاً إلى صوت إسرائيل المتضررة، وليس إلى صرخات الفلسطينيين المستمرة.
المعضلة في المشهد الحاصل على الأرض، أن كلا الطرفين حالياً يسعى إلى تحقيق نصر كامل له وهزيمة كاملة للطرف الآخر، رغم أن كل تجارب العالم ومجريات التاريخ تؤكد استحالة حدوث ذلك.
وبالتالي فإن المطلوب هو اقتناع الطرفين بأن كل الاحتمالين أقرب إلى المستحيل. فلا حركة "حماس" وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة ستختفي، ولا دولة إسرائيل ستنتهي. وليس أمام الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني سوى القبول المتبادل والتنازلات المتبادلة أيضاً. فعلى الفصائل المسلحة التخلي عن العنف واستهداف المدنيين، وعلى إسرائيل الإقرار باستحالة القضاء على كل الفلسطينيين أو إنهاء وجودهم فوق أرضهم.
إن الوضع القائم يعني شيئاً واحداً، وهو حتمية العمل وبأقصى سرعة ليس فقط للخروج من الوضع المأساوي الحالي، وإنما لإيجاد حلول قابلة للتنفيذ للقضية كلها وأهمها مسألة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ولو على مراحل زمنية وموضوعية. ولكي يمكن التوصل إلى تلك الحلول، لا طريق سوى بتغيير منهجية التفكير العقيمة التي تتوهم النصر الكامل أو الفوز النهائي.
بينما العكس هو الصحيح والمدخل الوحيد للحل، وهو المنهج العقلاني والعملي أي القبول المتبادل والتعايش سواءً كان ذلك عن اقتناع وتفكير منطقي، أو من منطلق التعامل مع الأمر الواقع.
وهنا يتضح دور ضروري وأساسي للدول العقلانية التي تبحث بالفعل عن استقرار وهدوء منطقة الشرق الأوسط والعالم. وهي على قلّتها في عالم اليوم، لكنها موجودة وحاضرة وفاعلة في شؤون المنطقة والعالم.
وأقصد تحديداً دولة الإمارات التي تقود العالم نحو تفعيل مبدأ التعايش والتسامح والعمل المشترك لمستقبل أفضل للعالم ككل دون استثناء.
وما تعثرت فيه قمة القاهرة وغيرها من المشاورات والاتصالات الجارية منذ اندلاع الأزمة، قابل للتحقق وفق منطق دولة الإمارات، بفضل سياستها العقلانية الرشيدة التي أثبتت نجاحها في كل المناسبات والتحديات التي تصدت لها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة