يخطئ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إذا توهم أن تمسك العرب بخيار السلام يعني أنهم لا يملكون خيارا آخر، وأنهم لا يملكون أدوات الدفاع عن قضاياهم ومصيرهم ومستقبلهم.
كما يخطئ إذا أعتقد أن القوة ستدفع بالشعب الفلسطيني إلى الاستسلام، وإفساح المجال لتحقيق مخططاته، لا سيما مخطط تهجير أهل غزة إلى سيناء المصرية أو الأردن كما يجري الحديث عنه، فمنطق القوة المدفوع بأساطير الماضي وأوهام التفوق، والقائم على الدعم العسكري والمالي والسياسي للولايات المتحدة الأمريكية، لا يمكن أن يحقق السلام والاستقرار في منطقة عانت من ويلات حروب وصراعات خلال القرن الماضي.
المنطق نفسه ينسحب على حركة حماس، فبغض النظر عن مشروعية مقاومة الاحتلال والمطالبة بالحقوق الفلسطينية المشروعة، أخطأت حماس عندما هاجمت إسرائيل بالشكل الذي جرى في السابع من الشهر الجاري، فأي عمل أو هجوم لا يقوم على دراسة رد فعل الطرف المستهدف، هو رعونة قد تكون مدمرة، إذ استدعى هذا الهجوم حربا مدمرة، لا يعرف أحد كيف ستكون نتائجها على الفلسطينيين وعموم المنطقة، بل وفر مبررات للهجمات الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، ووضع حماس في موضع تنظيم القاعدة عندما شن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 التي انتهت بالغزو الأمريكي لأفغانستان، حيث بدت حماس وكأنها مدفوعة بأوهام أيديولوجية، وعاملة لحساب أطراف إقليمية، ولم تضع في حسابها مصير الفلسطينيين الذين باتوا هدفا للطائرات والدبابات والمدافع الإسرائيلية في جميع الاتجاهات، وفي كل مكان من قطاع غزة.
وقائع الأيام الماضية من المواجهة المدمرة بين إسرائيل وحماس ومن معها من فصائل مسلحة، تؤكد أن السلام تعرض لاعتداء من قبل قوى أيديولوجية تعتمد خطاب الكراهية، وإلغاء الآخر، في منطقة لا يمكن أن تستقر إلا أن يكون لكل مجتمع فيه نصيب من مستقبل مشترك في العيش والحياة، وهو ما لا تدركه القوى الأيديولوجية التي تندفع بأوهامها المدمرة للحياة، وتتجاهل الحوار من أجل الدفع بالسلام، وحل الصراعات ونزع فتيلها، في ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية التي تقر بحقوق الشعوب في المساواة والعدل والتنمية بدلا من القتل والعنصرية والكراهية.
من دون شك، ما يقوم به نتنياهو من تدمير منظم لمقومات الحياة في قطاع غزة بحجة القضاء على حماس، يؤكد أن الهدف أبعد من إنهاء حكم حماس، خاصة عندما تطرح إسرائيل مشاريع من نوع تهجير الفلسطينيين من غزة، وإقامة ممرات تجارية جديدة، على شكل لعب بالخرائط الجغرافية وتغييرها، والحديث عن ولادة منطقة جديدة من رحم هذه المواجهة المدمرة، وهو الأمر الذي يفسر أسباب رفضها حتى الآن لوقف إطلاق النار، وعدم الإفساح في المجال أمام الجهود الدبلوماسية والسياسة لوضع نهاية لهذه الحرب والدمار، ولعل ما يشجعها على ذلك هو الدعم الأمريكي اللامحدود لهذه الحرب على شكل فضيحة للمنظومة الأخلاقية الأمريكية، حيث كل ما يجري سيضر بعلاقات إسرائيل مع الدول العربية والإسلامية، وسيؤدي إلى وقف عملية السلام ودفع المنطقة إلى المجهول.
وفي كل ذلك خلط للأوراق وضرب لاستراتيجية إسرائيل نفسها، بعد أن سعت طوال العقود الماضية إلى اعتراف بها من قبل دول المنطقة، والاندماج بها في إطار اتفاقات سلام قطعت شوطا مهما خلال السنوات الماضية.
فالثابت أن القوة لا تصنع السلام، وأن السلام لا يمكن على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية، وأن التطلع إلى المستقبل يتطلب الدفع من أجل السلام لا الحرب، والمشكلة كل المشكلة أن القوى الأيديولوجية ما زالت تنظر إلى العالم على أنه ينقسم إلى قسمين أو ضفتين منفصلتين متضادتين، وهو ما يدفع بهذه القوى إلى الرهان إلى أوهام القوة، ودفع الأمور إلى كوارث مدمرة تخلف خسائر بشرية ومادية هائلة ربما بات من الصعب تعويضها، في وقت تؤكد وقائع حياتنا المعاصرة أن العالم بات ضفة واحدة لا يمكن أن يستقر إلا بالسلام، واعتماد أدوات تحقيقه، التي في مقدمتها الحوار بحثا عن التفاهم والتعاون والثقة تطلعا إلى المستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة