تتسم الأوضاع قبيل الاجتماع نصف السنوي العادي لمنظمة الأوبك، بحالة من عدم اليقين حول مستقبل سوق النفط العالمي.
تتسم الأوضاع قبيل الاجتماع نصف السنوي العادي لمنظمة الأوبك يومي 22 و23 يونيو بحالة من عدم اليقين حول مستقبل سوق النفط العالمي، وما يبدو أنه بوادر أول تفكك ملحوظ في جبهة الأوبك وحلفائها الذين اتفقوا على خطة خفض الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا منذ بداية شهر يناير من العام الماضي. وأتت هذه التطورات مدفوعة بالارتفاع الكبير في الأسعار خاصة منذ إعلان الرئيس الأمريكي في 8 مايو الماضي خروج بلاده من الاتفاق النووي مع إيران والعودة لفرض عقوبات عليها، حيث وصل المتوسط الشهري لسعر برميل نفط برنت إلى نحو 77 دولارا خلال شهر مايو الماضي، وهو ما يمثل أعلى متوسط سعري له منذ نوفمبر عام 2014.
كان لابد من خفض حجم الإنتاج. ولكن يظل السؤال المطروح: ما هو حجم التخفيض المناسب؟ والعكس صحيح في حالة الارتفاع السريع في الأسعار، كما هو الوضع حاليا؛ إذ يكون السؤال: ما هو حجم الزيادة المناسبة في الإنتاج؟
وقد بدا أن جبهة الأوبك وحلفاءها تعاني من بعض التفكك، تمثل ذلك في اعتراض بعض دول الأوبك على إعلان المملكة السعودية وروسيا (قطبي الاتفاق) التوجه خلال الاجتماع القادم لزيادة الإنتاج دون التشاور مع بقية البلدان أعضاء التحالف. وتم الرد على هذا الاعتراض باجتماع تشاوري عقده وزراء النفط والطاقة في السعودية والإمارات والكويت والجزائر وعُمان يوم 3 يونيو بالكويت، في هيئة اجتماع غير رسمي للجنة الوزارية المشتركة التي تراقب مدى الالتزام باتفاق خفض الإنتاج.
كما نفت كل من السعودية وروسيا أن يكون قد تم الاتفاق على كمية محددة للزيادة في الإنتاج، بعد أن ذكرت بعض المصادر أنه تم الاتفاق على زيادة قدرها مليون برميل يوميا. ثم أعقب ذلك إعلان وكالة بلومبرج للأنباء وجود عدة مقترحات سعودية الإنتاج مطروحة للتداول حولها قبل الاجتماع. والمطروح هو زيادة الإنتاج بشكل تدريجي على مرحلتين بحيث تتم زيادة أولى بعد اجتماع الأوبك القادم، ثم زيادة ثانية خلال الربع الأخير من العام (أكتوبر-ديسمبر)، أي بعد أن تكون العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيراني قد دخلت حيز النفاذ بالكامل في الرابع من نوفمبر، إذ حينها سيتم التأكد من مقدار الانخفاض الفعلي في هذه الصادرات. وتتراوح كمية الزيادة المقترحة بين 600 ألف برميل ومليون برميل على مرحلتين.
البحث عن معيار
تظل القضية المركزية التي تتحدى الأوبك وحلفاءها في تحقيق الاستقرار مرتبطة بالمعيار الذي يتم الاستناد إليه للتحقق من ذلك. فمن المعلوم أن الاتفاق الأخير لخفض الإنتاج أتى بعد أن هوت الأسعار بشدة خلال عام 2016، وكان المعيار المعتمد لتحقيق الاستقرار هو الوصول بمستوى المخزون لدى الدول المستهلكة الرئيسية إلى متوسطه خلال الخمسة أعوام الأخيرة.
ويبين التقرير الشهري الأخير للأوبك حول سوق النفط تحقيق نجاح كبير وفقا لهذا المعيار، حيث هبط المخزون التجاري من النفط والمنتجات في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (تضم جميع البلدان المستهلكة الرئيسية للنفط فيما عدا الصين والهند) في شهر أبريل إلى 2811 مليون برميل، بانخفاض قدره 274 مليون برميل عن مستوى هذا المخزون في أبريل من العام الماضي. والأهم أن هذا المخزن يقل بنحو 26 مليون برميل عن متوسطه خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. وبالنسبة للولايات المتحدة وحدها تظهر البيانات الأولية عن شهر مايو بلوغ هذا المخزون 1209.8 مليون برميل، وهو ما يقل بنحو 140 مليون برميل عن مستواه منذ عام مضى، وما يقل بنحو 15 مليون برميل عن متوسطه خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
رغم هذا النجاح إلا أنه كانت هناك شكوك في مدى دقة هذا المعيار في تحقيق الهدف، وهو ما دعا دول الأوبك وحلفاءها إلى مد أجل اتفاقهم حتى نهاية عام 2018، رغم شبه تأكدهم من أنه سيتم تحقيق الهدف خلال النصف الأول من العام. فمتوسط الأعوام الخمسة ليس معيارا دقيقا؛ لأننا نتحدث عن مستوى مرتفع من المخزون جدا تم بناؤه بالذات خلال فترة انخفاض الأسعار في عامي 2015 و2016 وبدايات عام 2017، كما أن هذا المخزون متحرك فالأعوام الخمسة الأخيرة تعتمد على التاريخ الذي يتحقق عنده الهدف، مما يجعله هدف مراوغ. وتاريخيا لم يكن هذا هو مستوى المخزون الذي بالوسع القول أن السوق قد أضحت مستقرة عنده فعلا. ومن المعروف أن المخزون المرتفع يكفل للدول المستهلكة التدخل بالسحب منه وقتما تشاء، وبالتالي تخفض مستوى طلبها وتضغط على الأسعار نحو الانخفاض، ناهيك عن مدى شفافية ومصداقية ما تعلنه هذه البلدان كمستوى للمخزون المتوفر لديها بالفعل.
هل هناك حاجة للعودة لمعيار سعري؟
لا جدال أن معيار السعر المتحقق في الأسواق يعد أكثر شفافية في تحديد مدى استقرار السوق من عدمه. وصحيح أن هناك تباينا في المصالح بحيث تجأر الدول المستهلكة بالشكوى –كما هو حادث الآن- في حال ارتفاع الأسعار، والعكس صحيح بالنسبة للدول المنتجة، إلا أن قضية الوصول إلى سعر مناسب يحقق مصالح الطرفين ويحقق في ذات الوقت الاستقرار في الأسواق تظل في الواقع هي القضية المركزية، أو فلنقل إنها النقطة الذهبية محل البحث.
كانت قضية تحديد سعر محدد لبرميل النفط، تاريخيا، مهمة من أجل البعد عن حالة التذبذب في السوق العالمية، وتأمين الاستقرار في الأسواق. وكانت منظمة الأوبك تقليديا ومنذ لجأت إلى تحديد سقف لإنتاجها وحصص لدولها الأعضاء تلجأ إلى ما يسمى بسعر الإشارة، ثم لجأت منذ بداية الألفية الجديدة إلى ما أطلق عليه النطاق السعري. ومع الارتفاع الهائل في الطلب وبدء الزيادة في الأسعار خاصة منذ عام 2004 كانت دول المنظمة تنتج بطاقتها الإنتاجية القصوى مع استمرار الأسعار في الارتفاع، وبالتالي لم يكن بمقدور المنظمة التدخل لعدم توافر إنتاج إضافي لديها، وهو ما دفع نحو التخلي عمليا عن آلية النطاق السعري. لكن كان على المنظمة دوما مع الانخفاض الشديد والسريع في الأسعار التدخل لصيانة مصالح أعضائها، وتحقيق الاستقرار في الأسواق، ومن هنا كان لابد من خفض حجم الإنتاج. ولكن يظل السؤال المطروح: ما هو حجم التخفيض المناسب؟ والعكس صحيح في حالة الارتفاع السريع في الأسعار، كما هو الوضع حاليا؛ إذ يكون السؤال: ما هو حجم الزيادة المناسبة في الإنتاج؟
فهل من المناسب الآن العودة لتبني نطاق سعري جديد يتم التدخل عنده إما بزيادة الإنتاج أو خفضه حسب مستوى الأسعار السائد في الأسواق؟ وفكرة النطاق السعري لا تحديد سعر محدد مستهدف لبرميل النفط (ما يسمي بسعر نفط الإشارة)، وبحيث يتم التدخل آليا في الأسواق حال تحرك الأسعار خارج هذا النطاق السعري، توفر معيارا موضوعيا ومرنا نسبيا. فمن المزايا الجيدة لهذا النهج الدفع نحو المزيد من الاستقرار في الأسعار مع تحقيق مصالح الدول المنتجة والمستهلكة خلال فترة زمنية محددة. ففكرة النطاق السعري على خلاف سعر نفط الإشارة لا تعني وبشكل خاص في حالة انخفاض الأسعار هزيمة خطط منظمة الأوبك. حيث يُسمح بالانخفاض ضمن مدى محدد ليتم التدخل في حالة نزول الأسعار تحت مستوى الحد الأدنى المتفق عليه، فيتم خفض الإنتاج بكمية متفق عليها سلفا، والعكس بالعكس في حال ارتفاع الأسعار فوق الحد الأقصى للنطاق.
وكان آخر نطاق سعري تبنته الأوبك ينص على خفض الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل يوميا في حال انخفاض الأسعار عن الحد الأدنى للنطاق لمدة عشرة أيام عمل متتالية، وزيادة الإنتاج بنصف مليون برميل في حال ارتفاع الأسعار فوق الحد الأقصى لمدة عشرين يوم عمل متتالية. ومن المزايا الكبرى لهذا المعيار تقليص ضغوط المضاربين نتيجة لتوقعهم مسبقا بتدخل الأوبك في الحالات الحدية من انخفاض أو ارتفاع الأسعار، ومن ثم يتم توفير الاستقرار بسرعة مناسبة.
وكمثال عملي على الوضع في الظروف الراهنة يمكن مثلا تبني نطاق سعري يتراوح بين 70 و80 دولارا لبرميل برنت على أن يتم خفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا، أو أي كمية أخرى يتفق عليها، في حال بقاء الاسعار أعلى من الحد الأقصى (80 دولار) لمدة 20 يوم عمل متتالية، كما يتم خفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا، أو أي كمية يتفق عليها، في حال انخفاض الأسعار عن الحد الأدنى (70 دولار) لمدة 10 أيام عمل متتالية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة