عادت أسعار النفط للتقلب بشدة على وقع محاولة الرئيس الأمريكي التأثير على منظمة الأوبك وحلفائها حتى ترفع من مستوى الإنتاج.
عادت أسعار النفط للتقلب بشدة خلال الأسبوع الحالي على وقع محاولة الرئيس الأمريكي التأثير على منظمة الأوبك وحلفائها حتى يرفعوا من مستوى الإنتاج. فقد كتب الرئيس ترامب يوم الاثنين تغريدة على موقع تويتر قال فيها "أسعار النفط ترتفع أكثر مما ينبغي. أوبك، رجاء استرخوا وخذوا الأمور ببساطة. العالم لا يستطيع تحمل طفرة سعرية - الوضع هش". لتهبط أسعار برميل برنت الخام في اليوم ذاته بنسبة 3.5%، وهي أكبر نسبة انخفاض يومي منذ بداية هذا العام.
ثم عادت الأسعار للارتفاع بنحو 2% يوم الأربعاء في أعقاب تبين أنه ليس هناك نية من الأوبك وحلفائها في الاستجابة لما يطالب به ترامب. حيث قال وزير الطاقة خالد الفالح تعليقا على تغريدة ترامب”الدول الخمس والعشرون (الدول الشريكة في اتفاق خفض الإنتاج) تنتهج نهجا بطيئا ومحسوبا. كما أثبت النصف الثاني من العام الماضي، ما يهمنا هو استقرار السوق أولا وقبل كل شيء"، وأضاف الفالح "رفعنا الإنتاج بشكل كبير (العام الماضي) قبيل انخفاض محتمل في الإمدادات لم يتحقق، والنتيجة أن المخزونات تضخمت سريعا ولذا صححنا المسار على نحو تدريجي ومدروس لنصل بالمخزونات إلى مستوى معقول“، مشيرا إلى أن الإنتاج الأمريكي يواصل النمو.
وأضاف "نأخذ الأمور ببساطة"، وكان المسئول السعودي يُذكر الرئيس الأمريكي هنا بالاستجابة لطلبه في بداية الصيف الماضي برفع الإنتاج توقعا لانخفاض المعروض العالمي بعد فرض العقوبات على إيران، ثم فاجأت الولايات المتحدة الجميع بالسماح للمستوردين الرئيسيين للنفط الإيراني بالاستمرار في استيراده، وهو ما عمل على خلق تخمة في العرض أدت لانخفاض الأسعار في نهاية العام الماضي بما يزيد على 35% عن أعلى سعر سجلته في أكتوبر الماضي والذي بلغ أكثر من 86 دولارا لبرميل برنت الخام.
العوامل التي قد تدفع نحو المزيد من الارتفاع في أسعار النفط متوفرة في حال وقوعها وهي تحديدا فرض عقوبات صارمة على صادرات النفط الإيراني والفنزويلي، ونجاح المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتزام الأوبك وحلفائها باتفاقهم على خفض مستوى الإنتاج
والواقع أن ما عزز أيضا من انخفاض الأسعار حدوث انخفاض في مخزونات الخام الأمريكية بمقدار 8.6 مليون برميل خلال الأسبوع المنقضي والمنتهي يوم 22 فبراير/شباط، بعد أن كانت هذه المخزونات قد شهدت زيادة على مدى خمسة أسابيع متتالية، لتصير أعلى من متوسطها خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 6%. وعزز من ذلك أكثر انخفاض إجمالي المخزون الأمريكي من الخام والمنتجات بنحو 17.9 مليون برميل خلال نفس الأسبوع.
ومن المهم لفت الانتباه إلى أن الولايات المتحدة ولأول مرة في تاريخها تتحول إلى مصدر صاف من النفط والمنتجات خلال الأسبوع المنقضي. فقد بلغ صاف صادراتها من الخام والمنتجات 162 ألف برميل يوميا، وذلك نتيجة لتحقق صادرات صافية من المنتجات بلغت 2.72 مليون برميل يوميا، مع تحقق واردات صافية من الخام بلغت 2.56 مليون برميل يوميا. وصحيح أنه لم يكن ممكنا تحقيق هذه النتيجة دون السحب من المخزون، إلا أننا نلفت الإشارة فقط إلى أن الشكوى تتم من زيادة الأسعار في الوقت الذي تتحول فيه الولايات المتحدة ولو لبعض الوقت إلى مصدر صاف، بما يعني استفادتها في الحقيقة من هذه الزيادة.
الأسعار.. الحاضر واحتمالات المستقبل
تظل الأسعار معلقة إلى حد كبير بعدد من العوامل التي تجاهلتها تغريدة الرئيس ترامب حتى فيما يتعلق بالنفط الأمريكي ذاته. إذ يأتي على رأس هذه العوامل الارتفاع المحتمل في الإنتاج الأمريكي، خاصة من النفط الصخري. حيث بلغ الإنتاج الأمريكي ذروة لم يبلغها أبدا بوصوله لنحو 12.1 مليون برميل يوميا، وهو أعلى إنتاج في تاريخ الولايات المتحدة، ليضعها في مرتبة المنتج الأول عالميا، وبحجم إنتاج يزيد على مليون برميل يوميا مقارنة بروسيا المنتج الثاني. وينبغي الإشارة إلى أن هذه الذروة لم تكن ممكنة دون أسعار النفط الحالية، إذ من المعروف أن النفط الصخري أكثر تكلفة في إنتاجه، ويتسم بالمرونة في الإنتاج، حيث يمكن إغلاق الآبار وإعادة فتحها بسهولة وسرعة نسبية مقارنة بالنفط التقليدي، ولهذا فأسعار نفط أقل بشكل كبير ربما كانت ستنعكس أيضا في شكل إنتاج أمريكي أقل، وبالتالي الاعتماد أكثر على المنتجين الآخرين في سد الطلب المحلي.
لا يمكن أيضا تجاهل أن الأسعار في الوقت الحالي هي نتيجة لحالة ترقب لقرار الولايات المتحدة بشأن العقوبات المفروضة على إيران بعد انتهاء فترة السماح التي منحتها لبعض البلدان لاستيراد هذا النفط والمقرر أن تنتهي في الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار المقبل. ويزداد وقع هذا الأمر مع الاضطرابات التي تشهدها فنزويلا وفرض عقوبات أمريكية على النفط الفنزويلي أيضا.
وبينما تشدد الولايات المتحدة كما فعلت سابقا على أنها تستهدف صفر صادرات إيرانية، أي خنق الصادرات النفطية الإيرانية تماما عند انتهاء أجل فترة السماح الممنوحة، إلا أن هناك حالة ترقب وشك في أن الإدارة الأمريكية قد تقدم مرة أخرى على الموافقة لبعض البلدان بالاستمرار في استيراد هذا النفط.
لا يمكن بالقطع إنكار ارتفاع الأسعار نتيجة لخفض دول أوبك، وخاصة المنتجين الكبار فيها، وعلى رأسهم المملكة السعودية لمستويات إنتاجهم، وتحقيق نسبة التزام تتجاوز 85% بالاتفاق على خفض إنتاج دول المنظمة بمقدار 800 ألف برميل يوميا. ولكن ما عمل على خفض مستوى إنتاج الأوبك أيضا هو انخفاض إنتاج بعض بلدانها التي تعاني من مشكلات سياسية وأمنية وعلى رأس هذه البلدان ليبيا، التي أغلقت على سبيل المثال حقل الشرارة البالغ طاقته الإنتاجية 315 ألف برميل يوميا منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
إلى جانب ذلك ما زالت أوضاع الاقتصاد العالمي غير مستقرة إلى حد كبير، وما زالت هناك تخوفات من تباطؤ النشاط الاقتصادي عالميا، وهو الأمر الذي تحقق جزئيا في بلدان مستهلكة كبيرة للنفط مثل الصين، وأيضا البلدان الأوروبية خاصة في منطقة اليورو. وبينما توجد علامات على انفراجة في المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وحل الخلافات بينهما وهو ما دفع الرئيس الأمريكي لمد أجل التوصل لاتفاق بين البلدين لأبعد من التاريخ الذي كان محددا سلفا أن ينتهي اليوم الجمعة. إلا أن بعض التصريحات التي تطلق من حين لآخر مثل تلك التي أدلى بها الممثل التجاري الأمريكي "لايتهايزر" يوم الأربعاء الماضي تدفع للتخوف من عدم القدرة على التوصل لاتفاق مع انعكاسات ذلك في انخفاض مستوى النشاط الاقتصادي في العالم، وبالتالي انخفاض الطلب على النفط.
الخلاصة أن العوامل التي قد تدفع نحو المزيد من الارتفاع في أسعار النفط متوفرة في حال وقوعها، وهي تحديدا فرض عقوبات صارمة على صادرات النفط الإيراني والفنزويلي، ونجاح المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتزام الأوبك وحلفائها باتفاقهم على خفض مستوى الإنتاج إلى جانب استمرار الصعوبات التي تعاني منها بعض بلدان الأوبك مثل ليبيا، إلا أن هذه العوامل ذاتها إذا لم تحدث فهي كفيلة ربما بالحفاظ على مستوى الأسعار الراهن أو حتى تدهوره بعض الشيء، ولذا فحسم مصير الأسعار ربما ينتظر حتى مايو/أيار المقبل، إذ حينها سيكون قد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في مصير أغلب هذه العوامل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة