بعض الكتابات المتخصصة في صناعة النفط بالدول المستهلكة ذهبت إلى رصدها ما وصفته بتبدل في الأدوار داخل منظمة الأوبك.
ذهبت بعض الكتابات المتخصصة في صناعة النفط بالدول المستهلكة إلى رصدها ما وصفته بتبدل في الأدوار داخل منظمة الأوبك؛ إذ أشارت هذه الكتابات إلى أن إيران التي كانت من بين أهم صقور المنظمة تحوّلت إلى الموقف المعاكس مع تصريح وزير النفط الإيراني بأن إيران ترى ضرورة التفكير في الخروج من اتفاق خفض الإنتاج بين الأوبك ومنتجين آخرين قريبا؛ لأنها ترى أن سعر 60 دولارا لبرميل النفط من نوع برنت هو السعر المناسب وليس 70 دولارا كما ترى بعض الدول الأخرى أعضاء الأوبك الآخرين في إشارة إلى المملكة السعودية. ومن جانب آخر ترى هذه الكتابات أن موقف المملكة العربية السعودية الداعي إلى ضرورة الاستمرار في خطط خفض الإنتاج حتى إلى ما بعد الموعد المتفق عليه عند نهاية هذا العام ضروري من أجل تحقيق هدف خفض مستوى المخزونات في الدول المستهلكة، والقضاء على تخمة العرض التي اتسمت بها السوق منذ النصف الثاني من عام 2014؛ إذ يمثل هذا الموقف برأيهم تحولاً في موقف المملكة السعودية من جناح الحمائم في المنظمة إلى جناح الصقور.
رغم التباين الكبير والمعلن بين سياسة المملكة السعودية وروسيا في العديد من القضايا سواء داخل المنطقة أو خارجها؛ فإن ما يجمع البلدين من حيث اعتمادهما اقتصاديا على عائدات تصدير النفط هو ما يوجه العلاقات بهدف تحقيق مصالحهما المشتركة
وإلى جانب تميز هذا الطرح حول حمائم وصقور الأوبك بالتسطيح الشديد، حيث لا يتبنى الاتفاق الحالي سعرا محددا لبرميل النفط، فإن هدف هذا الطرح الحقيقي هو محاولة ثني منظمة الأوبك بقيادة المملكة السعودية عن تمتين تحالفها مع الدول المنتجة خارجها؛ حيث يهدف هذا التحالف إلى تحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية، وضمان الدول المصدرة لعائدات مناسبة ومستقرة عن ثروتها النفطية الناضبة. ومن المتصور أن تزداد مثل هذه المحاولات مع نجاح الأوبك وحلفائها في الاقتراب من تحقيق أهدافهم، وفي ظل استمرار التنسيق بين مختلف الأطراف التي يضمها اتفاق خفض الإنتاج.
والسبب الرئيسي وراء ترجيح زيادة مثل هذه الضغوط يعود إلى توجه جديد في إدارة السياسة النفطية في المملكة العربية السعودية؛ حيث أضحت هذه السياسة تدار بعقل عملي بارد يسعى إلى تحقيق المصالح الوطنية دون حسابات عاطفية أو أيديولوجية. فرغم التباين الكبير والمعلن بين سياسة المملكة السعودية وروسيا في العديد من القضايا سواء داخل المنطقة أو خارجها؛ فإن ما يجمع البلدين من حيث اعتمادهما اقتصاديا على عائدات تصدير النفط هو ما يوجه العلاقات بهدف تحقيق مصالحهما المشتركة. وليس أدل على ذلك من بادرة قيام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة روسيا في شهر أكتوبر الماضي، وهو أول ملك سعودي يفعل ذلك، حيث تم طرح العديد من اتفاقيات التعاون الاستثماري بين البلدين خاصة في قطاع النفط والغاز.
ويأتي في هذا السياق أيضا تصريحات وزير الطاقة السعودي التي ذهب فيها إلى أن تحقيق أهداف المنظمة وحلفائها سيستغرق بعض الوقت، وأنه يدعو إلى مواصلة التنسيق مع روسيا ومنتجين آخرين بشأن تقييد الإمدادات في 2019 لخفض مخزونات النفط. إذ استُقبلت هذه التصريحات بشكل إيجابي في موسكو، حيث قال وزير الطاقة الروسي إنه من المبكر جدا الحديث عن الخروج من اتفاق خفض الإنتاج، ودعا إلى أن يتم أي خروج من الاتفاق، في حال حدوثه، بشكل تدريجي بحيث لا يؤدي إلى التأثير سلبيا على الأسواق. وربما كانت قمة التطورات في هذا الشأن ما جاء في حديث أدلى به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لوكالة رويترز من أن الرياض وموسكو تدرسان التحول من اتفاق تنسيق السياسات النفطية على أساس سنوي إلى اتفاق لفترة عشرة أعوام إلى عشرين عاما، وقال نصّا: "لدينا اتفاق على الخطوط العريضة، لكن ليست لدينا تفاصيل بعد". ومن المهم لفت الانتباه إلى أن هذا الحديث جرى على الأراضي الأمريكية إبان الزيارة الحالية لولي العهد لها.
يضاف إلى ما سبق استمرار النجاح في تحقيق أهداف الاتفاق الحالي من خفض الإنتاج؛ إذ تشير البيانات الأخيرة التي نشرتها هيئة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن الأسبوع الماضي المنتهي يوم 23 مارس قد شهد ارتفاعا في المخزون التجاري من النفط الخام بمقدار 1.6 مليون برميل. ولكن في الوقت ذاته انخفضت مخزونات كل من البنزين ومنتجات التقطير، وفي الإجمال انخفضت المخزونات من الخام والمنتجات بمقدار 1.6 مليون برميل. وقد أشرنا من قبل إلى أن هذا يأتي ضمن عملية إعادة هيكلة بين الخام والمنتجات تجري منذ عدة أسابيع، وفي ظل انخفاض مستمر في مستوى المخزون الإجمالي من الخام والمنتجات. وقد بلغ المخزون الإجمالي في الأسبوع الماضي 1855 مليون برميل (بما في ذلك المخزون الاستراتيجي من الخام)، وهو ما يغطي نحو 90 يوما من الاستهلاك، ويعد ذلك هو الحد الأدنى المتعارف عليه لهذا المخزون. يترتب على هذا التطور الاتجاه إلى محاولة تعزيز المخزون أو الحفاظ عليه عند حدوده الحالية، ويعني ذلك احتمال العودة لزيادة الواردات، وهو الأمر الذي حدث بالفعل في الأسبوع الماضي بارتفاع الواردات من الخام بمقدار يزيد على مليون برميل يوميا وثبات في مستوى صادرات الخام، بحيث ارتفع صافي الواردات إلى نحو 6.6 مليون برميل يوميا مقارنة بنحو 5.5 مليون برميل في الأسبوع السابق عليه. ونلفت النظر إلى أن هذا الارتفاع في مستوى الواردات قد أدى إلى زيادة الطلب في السوق، وهو ما أسهم إلى جانب تطورات أخرى في حدوث زيادة كبيرة نسبيا في مستوى الأسعار تعد أكبر زيادة نسبية أسبوعية منذ يوليو الماضي.
وخلاصة الأمر أن عودة الحديث حول الصقور والحمائم داخل الأوبك، لا تعدو أن تكون مهاجمة مبطنة لنظرة استراتيجية -في طور التبلور- تتبناها أوبك بقيادة السعودية. وتسعى هذه النظرة لتحقيق المصالح الوطنية للمملكة وبلدان الأوبك وجميع مصدري النفط الآخرين، ومن المهم كذلك الإشارة إلى حدوث ذلك في ظل مؤشرات تؤكد النجاح المتدرج والمستمر للاتفاق الحالي بين أوبك وحلفائها في تحقيق أهدافه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة