قرار قطر الانسحاب المفاجئ من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لا يعود فقط إلى انعدام تأثيرها داخل منظمة الأوبك
قرار قطر الانسحاب المفاجئ من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لا يعود فقط إلى انعدام تأثيرها داخل منظمة الأوبك، وأن إنتاجها لا يتخطى 2% من إجمالي إنتاج المنظمة، صحيح أن الخطوة القطرية تعكس دور الدوحة الهامشي داخل المنظمة، بدليل أن قرار انسحابها لم يكن له تأثير على سوق النفط، ولم يكون له تأثير على استمرارية عمل المنظمة لأسباب منها انعدام التأثير، وأن الدوحة لا تعد عضواً مؤسساً في منظمة الأوبك، إلا أن هذه الخطوة في تقديري قد تكون لها أبعاد أخرى تتخطى الدور الهامشي للدوحة داخل المنظمة، وتفتح الحديث بشكل جدي عن الأفكار التي طرحت سابقاً عن إنشاء تكتل للدول المصدرة للغاز على غرار منظمة الأوبك.
إذا كانت الدوحة التي انسحبت من الأوبك تفكر بشكل جدي لإعادة إحياء الأفكار التي طرحت سابقاً عن إنشاء تكتل للدول المصدرة للغاز على غرار الأوبك، فإنها بذلك تكشف عن حالة الجمود في العقلية السياسية القطرية، وتكشف عن عدم قراءة ودراية بالمتغيرات الحاصلة في خارطة الغاز
بالنظر إلى بيان الدوحة الذي أعلنت فيه عن انسحابها من منظمة الأوبك نجد أن قطر أكدت -في بيان الانسحاب الذي اعترفت فيه بهامشية دورها في الأوبك- أنها قررت أنه من الأفضل لديها هو التركيز على استراتيجيتها في الغاز"، وهذا هو ربما ما يدفعنا للقول إن هناك أبعاداً أخرى للخطوة القطرية المفاجئة، وإن هذه الخطوة من قبل الدوحة بالانسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) قد يكون مقدمة نحو التفكير بشكل جدي للذهاب نحو تأسيس تكتل للدول المصدرة للغاز، على غرار منظمة الأوبك للدول المصدرة للنفط، وهي الفكرة التي طرحتها إيران في عام 2006، وأكدتها أيضا الجزائر في عام 2007، عندما صرح وزير الطاقة الجزائري قائلاً "إنه في الأجل الطويل ستتحرك الدول المصدرة للغاز في اتجاه إنشاء تكتل على غرار منظمة الأوبك للدول المصدرة للنفط".
يوجد منتدى للدول المصدرة للغاز يضم 12 دولة، تأسس المنتدى عام 2001 في العاصمة الإيرانية، ويقع المقر الرئيسي للمنتدى في العاصمة القطرية، وهو منتدى حواري أقرب ما يكون منصة للبحث وتبادل وجهات النظر، لا يمتلك هذا المنتدى الخاص بالدول المصدرة للغاز أي تأثير، بعكس منظمة الأوبك للدول المصدرة للنفط، والذي يمتلك تأثيراً في سوق الطاقة العالمية، ولذلك تأمل قطر أن يكون لهذا المنتدى الخاص بالدول المصدرة للغاز تأثير على المستوى العالمي، ويسهم إلى حد كبير في إنعاش دور الدوحة الهامشي.
إن فكرة إنشاء تكتل للدول المصدرة للغاز على غرار منظمة الدول المصدر للنفط (أوبك) لا يمكن النظر له بعيداً عن العقلية السياسية القطرية التي تعيش عقدة النقص، وتأمل أن يكون لها تأثير على المستوى الدولي، ولذلك فإن إنشاء تكتل للدول المصدرة للغاز ربما تكون إحدى محاولات الدوحة لتعويض عقدة النقص والهامشية التي تعيشها، وهي تأمل أن يكون لها تأثير في سوق الطاقة العالمية، وتتخلص من الدور الهامشي الذي كانت عليه في الأوبك، مستغلة بذلك ترتيبها بأنها تعد ثالث أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي في العالم.
في خضم الحديث عن الغاز، فقد أعلنت المملكة العربية السعودية الأربعاء 9 يناير عام 2019 عن زيادة احتياطاتها من النفط والغاز، لتزيد احتياطات الغاز 17 تريليون قدم مكعب إلى 319.5 تريليون قدم مكعب، ويعتبر الغاز مصدراً مهماً للطاقة، وأحد أركان "رؤية السعودية 2030"، وتتوجه المملكة إلى زيادة الاستثمار الداخلي والخارجي في صناعة الغاز، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي البحر الأحمر، حيث كشفت "صحيفة الحياة" في مارس 2018 أن شركة أرامكو وقعت اتفاقاً دولياً أولياً مع (رويال داتش شل) للسعي إلى فرص في قطاع الغاز العالمي، وكذلك وفق ما نشرت صحيفة الحياة أن «أرامكو» السعودية تعتزم إنتاج 200 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز الصخري بحلول عام 2018.
ومن جهة أخرى فقد وقعت شركة أرامكو السعودية وشركة أبوظبي الوطنية (أدنوك) اتفاقاً في شهر نوفمبر عام 2018، يهدف لاستكشاف فرص التعاون المحتملة في مجال أعمال الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، وحسب الاتفاقية ستتعاون الشركتان "أدنوك" و"أرامكو" في إجراء تقييم مشترك لفرص الاستثمار في جميع جوانب ومراحل أعمال الغاز الطبيعي المسال، بهدف تعزيز القيمة وزيادة العائدات للطرفين، ولا ننسى في معرض الحديث عن التنقيب عن الغاز في دولة الإمارات، فقد كشفت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) عن طرح ست مناطق لاستكشاف وتطوير وإنتاج النفط والغاز، وأوضحت الشركة في مؤتمر صحفي في شهر أبريل عام 2018 أن المناطق الجديدة تشمل منطقتين بحريتين وأربع مناطق برية، تغطي مساحة 30 ألف كيلومتر مربع تحتوي على مليارات براميل النفط وتريليونات الأقدام المكعبة من الغاز، كما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي في نوفمبر عام 2018 أن دولة الإمارات ماضية في تطوير قطاع النفط والغاز واستثمار عوائده، باعتباره العمود الفقري والممكن الأساسي لجهود تنويع الاقتصاد وضمان التنمية المستدامة الشاملة.
في ظل ما أعلنت عنه المملكة العربية السعودية من احتياطاتها الضخمة من الغاز، وعن توجه المملكة إلى التوسع وزيادة الاستثمار الداخلي والخارجي في صناعة الغاز، والتوجه الإماراتي للتنقيب عن الغاز، وعن التعاون بين الرياض وأبوظبي في مجال التنقيب عن الغاز، من هنا نجد أنه إذا كانت الدوحة التي انسحبت من الأوبك تفكر بشكل جدي لإعادة إحياء الأفكار التي طرحت سابقاً عن إنشاء تكتل للدول المصدرة للغاز على غرار الأوبك، فإنها بذلك تكشف عن حالة الجمود في العقلية السياسية القطرية، وتكشف عن عدم قراءة ودراية بالمتغيرات الحاصلة في خارطة الغاز، التي تشهد الكثير من التغييرات، في تقديري أن الترتيب السابق الذي كانت فيه قطر تحتل المرتبة الثالثة كأكبر دولة مصدرة للغاز سوف يتلاشى، ولذلك فإن سعي دول لها ثقلها وتأثيرها في سوق الطاقة العالمية مثل المملكة العربية السعودية التي أعلنت في مؤتمر صحفي عن احتياطاتها الضخمة من الغاز الطبيعي والتي بلغت 329.5 تريليون قدم مكعب، وتعزيز استثماراتها الداخلية والخارجية في مجال الغاز، وكذلك دولة الإمارات التي تسعى إلى تطوير إنتاجها من النفط والغاز والكشف عن مواقع جديدة للتنقيب عن الغاز على مساحة إجمالية تصل إلى 30 ألف كيلومتر مربع، سيكون لذلك الكثير من التأثيرات لإحداث تغييرات في خارطة ترتيب الدول المؤثرة في سوق الغاز العالمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة