أعلنت أوكرانيا أنها تلقت مليارَي يورو مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي.
وهي الدفعة الأولى من حزمة مساعدات بلغت 5 مليارات يورو، تعهّد بها التكتل الأوروبي بعد بدء العملية الروسية، وذلك على شكل قروض ميسرة طويلة الأجل، وبذلك تتكون الشريحة الجديدة من 490 مليون يورو، وهي مخصصة لشراء معدات عسكرية لأغراض الدفاع، و10 ملايين يورو لتوفير معدات الحماية الشخصية، وأدوات الإسعافات الأولية، والوقود.
وقد تزامن ذلك مع الإعلان عن تزويد واشنطن وبرلين أوكرانيا بأنظمة دفاعية مضادة للطائرات لمواجهة الروس.
والسؤال المهم الآن هو: إلى أي مدى يمكن أن تستمر المساعدات الاقتصادية والعسكرية لأوكرانيا؟
يشير الواقع الراهن إلى أن بعض الدول تقدم أكثر من غيرها بكثير لمساعدة أوكرانيا، فيما لا تزال الولايات المتحدة تتوسع في تقديم المساعدات لها، بينما لم تقدم أوروبا سوى عدد قليل من التعهدات الجديدة، كما أن هناك فروقا كبيرة في مساعدات الدول نفسها، إذ قدمت لاتفيا وإستونيا تعهدات تعادل نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لكل منهما.. كما أن إسهام بولندا يعادل 0.6% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهي كنسبة تفوق الولايات المتحدة.
اللافت أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات عسكرية واقتصادية بمعدل يفوق الدول الأوروبية مجتمعة، حيث أقر الكونجرس مساعداتٍ جديدة لأوكرانيا قدرها 12.3 مليار دولار، في تصويت للتصديق على الميزانية لنهاية العام، وبذلك يرتفع إجمالي قيمة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا إلى 65 مليار دولار.
ومن المتوقع أن تستمر المساعدات الأمريكية في التدفق إلى أوكرانيا، حتى بعد الانتخابات النصفية في الكونجرس، برغم التخوف من استمرار التجاذب الأوروبي الأمريكي بشأن شكل ومضمون المساعدات التي تسعى أوكرانيا للحصول عليها.
ومن المهم الإشارة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي لم تصرف حزمة المساعدات المالية التي وعدت بها في إبريل الماضي حتى الآن، رغم ما أعلن رسميا في النطاقات الأوروبية، فقد كثف الاتحاد الأوروبي دعمه العسكري لأوكرانيا -والذي ما زال في نطاقه المخطط له- مع إطلاقه مهمة لتدريب 15 ألف جندي أوكراني على أراضيه، حيث تجري عدة مهام تدريب في دول أوروبية مختلفة، ولا سيما في ألمانيا وفرنسا، حيث سيتم تدريب عسكريين أوكرانيين على استخدام مدافع وقاذفات صواريخ ودفاعات جوية أرسلتها دول أوروبية لأوكرانيا.
ومن المقرر أن تبدأ مهمة التدريب الأوروبية عملها الشهر المقبل، وستبلغ ميزانيتها نحو 105 ملايين يورو لفترة أولية من عامين، وتهدف الخطة لتوفير تدريب أساسي لـ12 ألف جندي، وتدريبات متخصصة لـ2800 آخرين.
ومن المقرر أن تكون بولندا، المجاورة لأوكرانيا، بمثابة المرتكز الرئيسي للمهام المخطط لها، كما ستكون ألمانيا مركزا رئيسيا للتدريب.. وستستمر البرامج التي تديرها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بصورة منفردة، ويمكن إدماجها لاحقا في مهمة الاتحاد الأوروبي.
وسترفع المساعدة الجديدة، بقيمة 500 مليون يورو لتأمين أسلحة، الإسهام الأوروبي لدعم كييف إلى ثلاثة مليارات يورو.
كذلك، أنفقت الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي أموالا أكثر بشكل فردي، فعلي سبيل المثال أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون رصد صندوق خاص بقيمة 100 مليون يورو يمكّن أوكرانيا من شراء العتاد العسكري مباشرة من طرف مصنعي الأسلحة، التي هي في حاجة إليها، ودراسة إرسال مدافع "هاوتزر" من طراز "قيصر" إضافية إلى أوكرانيا.
ومن الواضح أن النقطة المفصلية في هذا التطور مرتبطة بأن فرنسا لا يمكنها أن تغرد خارج السرب الأوروبي، في ظل المواقف القوية والمتزمتة لليتوانيا والتشيك، وبولندا التي تنصت لها فرنسا كثيرا، فكل هذه البلدان الأوروبية قريبة من روسيا، لذلك كان على الرئيس ماكرون أن يساند مواقف هذه الدول ويتخلى عن أمله في السلام، ويتخذ موقفا جديدا.
وهنا يبرز سؤال آخر: هل سيغير الموقف الأوروبي، بصرف النظر عن تبايناته وتجاذباته، من تطورات الحرب والمواجهة الراهنة أم أنه من الصعوبة بمكان أن تنجح الاستراتيجية الأوروبية في كسر شوكة الدب الروسي؟
كل المؤشرات تذهب نحو تصعيد كبير، وإطالة أمد الحرب، خاصة أن الرئيس الروسي بوتين يراهن على ارتدادات الرأي العام الغربي مع موجات البرد ونقص الغاز ومواد الطاقة، فكل هذه الأمور مرشحة للتطور والتأزُّم مع قدوم الشتاء، مع توقعات بتوسع دائرة المواجهة بتدخل أطراف أخرى على الخط، مثل بيلاروسيا، خاصة مع تكثيف المساعدات العسكرية النوعية الغربية لأوكرانيا.
المتوقع أن تبدأ الولايات المتحدة تلبية طلب أوكرانيا بإرسال بدائل منخفضة المستوى من الدعم والعتاد العسكري، مثل مدافع الهاوتزر الأخف وزنا.. لكن الإدارة الأمريكية لديها تحفظاتها بشأن مخاوف تجاوز الخط، الذي قد يفرض مواجهة مباشرة مع روسيا.. خاصة أن بعض المنظومات الدفاعية، التي طلبتها أوكرانيا، سيستغرق إرسالها سنوات، مع استمرار دعوة واشنطن دول حلف الناتو لإنفاق أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، رغم أن دولا أخرى قدمت عروضا جيدة ومهمة، مثل النرويج التي تعهدت بنحو 24% من ترسانتها، تليها التشيك 17%، وبولندا 13%، إلا أن بعض دول أوروبا تشير إلى أنها تقدم أشكالا مهمة أخرى من المساعدات، عبر استقبال ورعاية نحو 4.5 مليون لاجئ فرّوا من أوكرانيا.. حيث تشير التقييمات إلى أن اللاجئين كلّفوا بولندا حتى الآن 0.71% إضافية من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يمثل اللاجئون 0.08% فقط من الناتج السنوي لألمانيا و0.01% بالنسبة لبريطانيا.
تبقى إشكالية أخرى، وهي مسألة إعادة الإعمار في أوكرانيا، حيث شكّل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المرحلة النهائية للاقتصاد الأوكراني، خاصة مع تكليف المفوضية الأوروبية بهذه المهمة، وهو ما يضمن توافق الهياكل الأساسية، المادية وغير المادية، في أوكرانيا مع معايير الاتحاد الأوروبي، ومعلوم أن المفوضية الأوروبية تتولى بالفعل إدارة خطة التعافي في أوروبا، والتي يتم بموجبها توفير الأموال للمساعدة في تمويل التحولات الخضراء والرقمية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما تقدم الحكومات خطط إنفاق شاملة، ثم تفحصها "المفوضية" وتوافق عليها قبل دفع الأموال، كما طرحت جهات عدة، كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي استعرضت ترتيبات الاستثمار العام في أوكرانيا، وتنظيم الإدارة العامة، وبرامج التنمية الإقليمية، من بين سياسات أخرى تُعرض في سياقات الاهتمام بإعادة تأهيل أوكرانيا حال انتهاء الحرب، أو بقاء الأوضاع الراهنة على ما هي عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة