مصر والإمارات قررتا الاحتفال بمرور خمسين عاما على العلاقات الرسمية بين البلدين.
ليست مصر البلد الوحيد، الذي مضى نصف قرن من الزمان على العلاقات بينه وبين دولة الإمارات، ولكن مصر هي أكثر دولة في العالم تربطها علاقات الثقة والاحترام والمصالح مع الإمارات طوال تلك السنين، دون أن تتزعزع الثقة أو تتغير المصالح.
من الطبيعي أن هذا هو الحال، فمصر هي وصية الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه، لأبنائه، فقد أوصى الشيخ زايد باستمرار العلاقات مع مصر وعدم التفريط فيها، فقد قال سموه: "نهضة مصر نهضة للعرب كلهم، وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، وهذه وصيتي أكررها لهم أمامكم، بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب، إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تُكتب للعرب الحياة".
ويلاحظ كل من يتابع اللقاءات بين القيادتين الإماراتية والمصرية حجم الحميمية، التي يستقبل بها الطرفان بعضهما، ما يدل على عمق العلاقة وقوتها والإصرار على مواجهة جميع التحديات بتماسك وتعاون صادق.
كنتُ حاضرا في مصر قبل أحداث 25 يناير 2011، وكنتُ شاهدا على حكم الإخوان، وكنتُ في مصر قبيل وبعد 30 يونيو 2013.. لم أنقطع عن أم الدنيا إلا عندما حرمنا فيروس كورونا من بعض، وقطعنا عن العالم، وبعد أن فُتحت الأجواء وعادت حركة الطيران كانت مصر هي الدولة الأولى التي زرتها في نهاية 2020.
كانت مصر وستبقى هي البلد الذي يشتاق إليه كل إماراتي، وهي الأرض التي تستقبل كل العرب بكل حب وشوق، ومن الطبيعي أن تكون كذلك، فهي مصر العظيمة بتاريخها وبحضارتها وبإنجازاتها، وهي العظيمة بمواجهتها محاولات التخريب التي حيكت ضدها تحت شعار "الربيع العربي" المشؤوم، هذه المحاولات التي باءت بالفشل بسبب وعي شعب مصر ويقظة جيش مصر ووقفة أصدقاء مصر، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، إذ لم يترددا للحظة في دعم مصر معنويا واقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا وأمنيا، كيف لا والجميع أصبح مقتنعا بأن "مصر هي قلب العرب، وإنْ توقف فلا حياة للعرب"؟
هذا ما آمن به الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه، وهو ما يؤمن به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، فكل تحركات ومواقف الشيخ محمد بن زايد على مدى العقود الماضية تؤكد أنه يؤمن بذلك، وينفذ وصية والده في الحفاظ على العلاقات مع مصر والوقوف بجوارها دائما.
في عام 2011 عندما كانت الإدارة الأمريكية "متحمسة" وتدعم إسقاط نظام الرئيس مبارك، كانت مواقف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان واضحة في الوقوف مع مصر والتحذير من القيام بأي خطوة تهز استقرار مصر، لأنها ستكون خطوة لزعزعة استقرار المنطقة بأسرها، إلا أن الإصرار الأمريكي في التغيير كان هو الغالب، فحدث ما حدث، وسقط النظام، وجاء بدله نظام الإخوان، الذي أدخل مصر في مرحلة من الخطر الكبير، فالسنة الأولى من حكم الإخوان كانت كفيلة بأن تكشف فشل هذه الجماعة في إدارة الحكم، بل كان واضحا أنها تأخذ مصر إلى المجهول!
ما زلت أذكر ذلك العام الذي كنتُ فيه في القاهرة، فلم أجد القاهرة التي أعرفها، القاهرة الفرحة، والعاصمة الآمنة، والمدينة التي تحب الحياة! لم يكن نهر النيل سعيدا يغني، واختفى الأطفال والرجال والنساء الذين تزين وجوههم الضحكة والابتسامة رغم صعوبة الحياة، كل شيء مختلف، لقد كانت مدينة أخرى غير التي نعرف، وكل من زار القاهرة شعُر بذلك، فضلا عن شعور أهلها بذلك، لذا كان التحرك من أجل إعادة الأمور إلى نصابها حتميا، فاستمرار الوضع يعني توقف قلب مصر، وتوقف قلبها يعني موت العالم العربي بأسره.
لقد كانت ثورة 30 يونيو الشعبية حركة وطنية جريئة لاستعادة وطن وحفظ أمة وحماية أرض، وكانت للمصريين كلمتهم التي لا تعلوها كلمة، فاستعادوا مصر البهية بثورة سلمية، لتعود الروح للقاهرة، ويستعيد النيل ابتسامته للأبد.. وتنفس العرب الصعداء، وكانت الإمارات من أسعد الدول بهذه العودة، وبدأ العمل لدعم مصر من أجل استعادة عافيتها وقوتها وأمنها واستقرارها.
الإمارات مع مصر دائما في "الحلوة والمرة"، ومنذ بدأت علاقاتهما الرسمية قبل خمسين عاما وهذه العلاقات في تصاعد مستمر، وهذه الاحتفالية التي يتم تنظيمها على مدى ثلاثة أيام في القاهرة ويشارك فيها أكثر من 1800 شخص من رجال دولة ورجال أعمال ومثقفين وإعلاميين من الجانبين، تؤكد من جديد حرص الجانبين على أخذ هذه العلاقات إلى مستويات متقدمة ومتينة في الخمسين سنة المقبلة، برؤية واضحة وخطة محددة تخدم مصالح البلدين.
بعد سنوات من استعادة الوضع الطبيعي في مصر، وكمتابع من الخارج، فإنني ألاحظ في كل زيارة إلى القاهرة مدى التقدم والتغيير الذي تشهده المدينة، من خلال مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية والسياحية، فضلاً عن تطور علاقة مصر بدول العالم، فقد نجح الرئيس عبد الفتاح السيسي في ترميم علاقات مصر بالعديد من دول العالم، كما نجح في بناء علاقات جديدة مع دول أخرى، وكل هذا يصب في مصلحة مصر وشعبها، ويعزز مكانة مصر بين دول العالم، ويذكّر بثقل مصر الحقيقي والمؤثر في العالم.
بلا شك فإن طموحات الشعب المصري كبيرة، وهي طموحات مشروعة لأي شعب، والإمارات قيادة وشعبا اختارت أن تكون الشريك الأول والأقرب لمصر في الحاضر والمستقبل، وهذا ما نلمسه جميعا من خلال العلاقة القوية التي تربط الزعيمين رئيس جمهورية مصر عبد الفتاح السيسي، ورئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، اللذين يبذلان كل الجهد من أجل رفعة بلديهما، ومن أجل نقل علاقة البلدين إلى مستويات غير مسبوقة من التقدم والمتانة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة