تنطلق اليوم، ولثلاثة أيام، احتفالات مرور 50 عاما على تأسيس العلاقات المصرية-الإماراتية، التي تقام بشعار "مصر والإمارات.. قلب واحد".
وربما من حُسن المصادفات أن تبلغ العلاقات الإماراتية-المصرية عامها الخمسين، مع تولي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئاسة دولة الإمارات.. في تزامن يمهّد -وفق المعطيات الواضحة- للنقلة النوعية التي تهدف إليها هذه الاحتفالات وتنتظرها الروابط الأخوية بين الشعبين والبلدين الشقيقين.
وأهم ما تستدعيه هذه الذكرى إلى الأذهان أن العلاقات الإماراتية-المصرية تقدم نموذجا يُحتذى للعلاقات التعاونية والتعايش الإنساني الذي يجب أن يكون مؤشرا للعلاقات بين مختلف الشعوب والدول.
وعلى المستوى العربي، فإن الروابط الإماراتية-المصرية تجسد الحالة المثالية التي طالما سعت إليها الشعوب العربية منذ عقود، وهي الحالة التي يجب أن تكون قدوة للعلاقات بين كل الدول العربية، فضلا عن الشعوب.
ولعلها واحدة من الحالات النادرة التي سجلت فيها العلاقات بين بلدين عربيين استمرارا وتناميا لنصف قرن دون أي عقبات أو محطات سلبية.. وذلك رغم مرور أحداث وتطورات شديدة الأهمية والصعوبة، إلى حد جعلها أشبه باختبارات حقيقية لمتانة أسسها ورسوخ مقوماتها.. وذلك منذ اللحظة الأولى لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد سارعت مصر حينها إلى الترحيب بإعلان دولة عربية جديدة قررت إماراتها السبع التكامل والتوحد تحت راية دولة اتحادية واحدة.
وبعد أقل من عامين كانت الوقفة الإماراتية الأخوية والقومية مع مصر في حرب أكتوبر 1973.. وهكذا كانت العقود الخمسة التالية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي حتى الآن شاهدا على عمق ومتانة العلاقات بين البلدين الشقيقين على المستويات كافة، وتضمنت مسارات تعاونية متعددة، وتفاعلات أخوية ومواقف متبادلة في مجالات عديدة وأمام جميع التطورات.
وبينما كانت للخبرات المصرية إسهاماتها في بناء دولة الإمارات وتعزيز مسيرتها التنموية، كان لدولة الإمارات دور محوري بإمكاناتها وقدراتها في الوقوف إلى جانب مصر ومساندتها اقتصاديا ودبلوماسيا في أحلك الظروف.
ويتبادل البلدان أعلى مستوى من التضامن الثابت بدعم سيادة البلدين في مواجهة أي تحديات، فالإمارات كانت ولا تزال على رأس الدول الداعمة بقوة لاستقرار مصر ضد أي تهديدات أو مخططات تخريب.
وهناك مشاهد ولقطات لا تنسى في هذا الصدد، تؤكد عمق واستمرارية هذا الخط العام للعلاقة الأخوية بين البلدين. من أبرزها تأكيد مصر الدائم أن أمن الإمارات وبقية دول الخليج العربي جزء من الأمن المصري.
على جانب آخر، لا يغيب عن الذهن وقوف الإمارات إلى جانب الشعب المصري في فترات عصيبة من تاريخه، خاصة بين عامي 2011 و2013.. إذ قدمت المساندة الكاملة لمصر وثورة شعبها في 30 يونيو 2013 ضد حكم الجماعة الإرهابية.. ولا غرابة أو دهشة في تلك المواقف، فدولة الإمارات ظهير لمصر العروبة، ومصر ظهير لأشقائها في الخليج العربي في مواجهة تحديات وظروف إقليمية وعالمية شديدة التحول.
هناك أيضا بُعدٌ حاضر دائما في العلاقات الإماراتية-المصرية، وهو الدور الكبير والأساسي الذي يلعبه عنصر القيادة في البلدين الكبيرين.. فلا شك أن الروابط التاريخية والوشائج الشعبية التي تتضافر حولها عَلاقة البلدين لم تكن لتستمر وتتعزز وتتنامى إلا في وجود قيادات واعية وحكيمة ولديها من الواقعية والحصافة والحس الوطني والقومي ما يجعلها حريصة على تطوير وتعميق مثل هذه العلاقة على مدى نصف قرن، منذ الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، حتى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات.
ومع تولي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئاسة دولة الإمارات، فالمؤكد وفقا للواقع أن التفاهم والانسجام بين سموه وفخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، سيدفع بالعلاقات الأخوية إلى آفاق أرحب وأعمق.. فتلك "الكيمياء"، التي جمعت بين الزعيمين، لم تنعكس فقط في توطيد دعائم العلاقات الثنائية وتعزيزها، لكنها أيضا تجاوزت بالعلاقات النطاق الثنائي المباشر، لتشمل التنسيق والتفاهم وتبادل الرؤى وتوحيد المواقف بشأن قضايا إقليمية مُلحة على أمتنا العربية.. ما يبشر بطفرة تنتظر العلاقات بين الإمارات ومصر، نابعة من الروابط والمقومات وتُحركها مصالح واعية وأهداف نبيلة، دون انتقاص من استقلالية قرار وسياسات أي طرف منهما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة