خلال فترة "أبو بكر البغدادي" كزعيم لتنظيم "داعش" الإرهابي اختار استراتيجية تدويل الإرهاب، ليضطر بعد ذلك لتحويله إلى إرهاب محلي.
وبعد اغتياله في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وتولّي "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي" قيادة التنظيم، تساءل الجميع عن الاستراتيجية التي سيتبعها القائد الجديد، لكنه لم يُدخل تغييرات كثيرة على وحشية التنظيم الإرهابي باستثناء إظهار رغبة قوية في تغيير مسرح العمليات من سوريا والعراق إلى أفريقيا.
وأظهر الزعيم الجديد للتنظيم اهتمامه بليبيا والصومال وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر وبوركينا فاسو وبنين.
وخلال قيادة الزعيم السابق، كان التنظيم يعتبر هذه المناطق "ولايات" تابعة له، وكانت خطط "القرشي" تقتضي تعزيز الحضور بها بدلا من التوسع في مناطق جديدة.
ولوحظت تغييرات بعد مقتل "البغدادي"، فحتى ذلك الحين كان العداء يسود بين فروع "القاعدة" و"داعش" الإرهابيين، لكنها لم تهاجم بعضها في غرب أفريقيا.
وفي شهر يناير/كانون الثاني 2020، اندلعت اشتباكات داخلية بين عناصر "جبهة تحرير ماسينا"، التابعة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي في منطقة الساحل، تسببت في انصراف مقاتليها إلى فرع "داعش في الصحراء الكبرى" بقيادة "أبو الوليد الصحراوي".
وبهذا اندلعت المواجهات بين الفصيلين الإرهابيين مختلفي الأيديولوجية، وبدأت تُلاحظ بعض التغيرات في المواقف، لا سيما بعد تولي "القرشي" زعامة "داعش".
منذ هذه اللحظة، هاجم الزعيم الثاني لتنظيم "داعش في الساحل" مواقع "كتائب تحرير ماسينا"، وهو ما يُظهر نيات "داعش" للحضور بوسط مالي، بهدف التموقع قرب الحدود الموريتانية.
كانت هناك إشارة أخرى على التغيير، وهي إعادة تفعيل فرع تنظيم "القاعدة" في نيجيريا، المعروف باسم "أنصارو"، فتغيّر أسلوب هجوم "داعش" في مالي والنيجر.. إذ تم تقليل عدد الهجمات، مقابل زيادة أعداد الضحايا، وبدؤوا الاستيلاء على أسلحة ومركبات ووقود وممتلكات أخرى.
كان تنظيم "داعش" يعتزم مواصلة طريق التوسع عبر وسط مالي باتجاه الجزائر وموريتانيا، وهو الأمر الذي فشل فيه بعد التصدي له من طرف الجيشين المالي والفرنسي.
من ناحية أخرى، فإن "القاعدة في منطقة الساحل" لم يُسمح له باحتلال مناطق بوسط القارة أيضا.
وتبعت ذلك تغييرات كثيرة، منها ظهور كتيبة "جنود الخلافة" في مالي، والمنتمية لـ"داعش".
وفي 3 فبرار/شباط الماضي وردت أنباء عن مقتل القائد الثاني لـ"داعش"، وكان "القرشي" وباقي قادة الجماعة الإرهابية ينتظرون حدوث تغييرات جديدة.
ومن المفارقات أن "داعش" بدلاً من تعزيز حضوره في مناطق سيطرته في أفريقيا، أظهر رغبته في التوسع بشكل خاص داخل نيجيريا ونحو بنين، وفي مالي نحو الشمال وفي النيجر، وتحديدا نحو سلسلة جبال أغاديس في الشمال.
ويبدو أن "داعش" يعتزم إقامة مرتكز له داخل النيجر، حيث وفرة المياه وصعوبة تحديد مواقع مقاتليه، تماما كما يستخدم تنظيم "القاعدة" سلسلة جبال "أفوغاس" في مالي كمرتكز خلفي.
وبالنظر إلى تحركات "داعش" في منطقة الساحل، والشدة التي يواجه بها تنظيم "القاعدة" في مالي، يبدو أن الاستراتيجية الجديدة لفرع "داعش" ستتمثل في الاتجاه شمالا، حيث مالي والنيجر، ثم محاولة التقدم في اتجاه الجزائر وموريتانيا، وهو ما لم يتمكن من القيام به في 2020 عبر وسط مالي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة