ليلة سقوط قيادات حركة النهضة.. تونس تطوّق إرهاب الإخوان
ليلةٌ فارقةٌ في تاريخ حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في تونس، باعتقال رؤوسها، في مسار يتوج تطهير البلاد من آفة السنوات.
رأسان في ليلة واحدة كانا في قبضة الأمن، هما منذر الونيسي رئيس حركة النهضة بالإنابة، وعبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى أعلى هيئة في الحركة.
وسبقهما، رئيس الوزراء الأسبق الإخواني حمادي الجبالي، في وقت يتصاعد فيه النقاش داخل الحركة حول انعقاد مؤتمرها المقبل.
ويجزم مراقبون بأن النهضة التي أنهكتها قرارات 25 يوليو/تموز 2021، وانفضّ من حولها أغلب قياداتها التاريخيين، وفتحت في وجهها أبواب الجحيم القضائي، تكتب سطورها الأخيرة في المشهد السياسي، بعد التوقيفات والاعتقالات الأخيرة.
نهاية التنظيم
ويرى منجي الصرارفي الناشط السياسي التونسي أن توقيف قياديين بارزين اثنين من حركة النهضة في ليلة واحدة "يدل على نهاية هذا التنظيم".
وقال في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "حركة النهضة تهاوت ولم يتبق من جسمها المريض أي عضو قادر على التحدي ورص صفوف هذا البنيان المتهاوي".
ولفت إلى أن "النهضة حاولت يائسة تأليب الرأي العام التونسي على (الرئيس) قيس سعيد، من خلال وضع مخططات لتأجيج الأوضاع في البلاد، لكن كل ذلك انكشف بفضل فطنة السلطة".
وتطرق الناشط السياسي إلى التسجيل المسرب لمنذر الونيسي رئيس حركة النهضة بالإنابة، وما جاء فيه بشأن محمد الغنودي "الذي ما زال يتلقى أموالا طائلة من معاذ نجل راشد الغنوشي دون حسيب أو رقيب".
وفي هذا الصدد، دعا الصرارفي إلى ضرورة التحقيق مع الغنودي، في هذه القضية.
ومؤخرا، انتشر تسجيل مسرب للونيسي، هاجم فيه راشد الغنوشي وعائلته وعددا من قيادات الحركة، على خلفية ملفات الفساد التي اكتشفها بعد تسلمه مهام منصبه.
والتسجيل الذي تناقلته مواقع تواصل اجتماعي، هو اتصال هاتفي بين الونيسي والصحفية التونسية التي تعيش خارج البلاد شهرزاد عكاشة.
وتحدث الونيسي في التسريب عن فساد داخل الحركة وتلقيها أموالا من الخارج؛ حيث قال إن "أشخاصا داخل النهضة اغتنوا في السابق وهناك أشخاص آخرون يريدون الآن أن يستغلوا الوضع.. وأقصد القيادية بالحركة زينب البراهمي التي ظهرت أفعى كبيرة تريد التمعش (التكسب) من الحركة".
وأكد أن "هناك أشخاصا يريدون قيادة الحركة من داخل السجن"، موضحا أن هناك" أشخاصا تظن أن النهضة عزبة عائلية ومعاذ الغنوشي نجل راشد الغنوشي وراء كل ذلك".
وكشف أن "معاذ الغنوشي ورضا إدريس يرسلان الأموال إلى القيادي الإخواني محمد الغنودي ويتعاملان معه"، قبل أن يستدرك: "لكن الأشخاص الذين يقفون وراء الغنوشي، يحكمون حاليا القيادة الداخلية للحركة".
وقد أذن أمس الثلاثاء القضاء التونسي لأحد الفرق الأمنية المختصة بمباشرة التحريات اللازمة للكشف عن ملابسات تسجيل صوتي منسوب إلى الرئيس الحالي المؤقت لحركة النهضة منذر الونيسي.
وبعد التأكد من هذه التسجيلات، تم توقيف الونيسي مساء الثلاثاء.
والونيسي هو طبيب وقيادي بالصف الثاني لحزب الإخوان، اختاره رئيس النهضة راشد الغنوشي لنيابته إثر اعتقاله في 17 أبريل/نيسان الماضي.
تمويل الإخوان
وقال منجي الصرارفي الناشط السياسي التونسي إن تواصل تدفق الأموال الإخوانية إلى تونس من الخارج أمر خطير ويجب معرفة كيف يصل إلى تونس بالرغم من تجميد أموال أغلب القيادات الإخوانية وهل يتم ذلك بعلم من البنك المركزي التونسي من عدمه.
وأكد أن "كل هذه الأسئلة يجب الإجابة عنها لمعرفة مخططات الإخوان في الفترة المقبلة خاصة وأن نجل راشد الغنوشي معاذ، يخطط للإطاحة بحكم قيس سعيد عن طريق محاولاته لتأجيج الأوضاع".
وأشار إلى أن الونيسي تم اقتياده إلى وحدة مكافحة الإرهاب بضواحي تونس العاصمة وقد تم الاحتفاظ به لمدة 48 ساعة قابلة للتمديد، من أجل سماعه والنظر في أقواله.
وبعد وضعه قيد الإقامة الجبرية السبت، أوقفت قوات الأمن التونسي رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني للتحقيق معه في عدة قضايا وأبرزها انتدابات جماعة العفو التشريعي العام التي جرت بعد 2011، وفق ما أكده سمير ديلو، محامي الهاروني في تصريحات إعلامية.
وجرى في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء اقتياد الهاروني لوحدة مكافحة الإرهاب بالعوينة ضواحي العاصمة التونسية للتحقيق معه حول قضية الانتدابات العشوائية في المؤسسات الحكومية لتفجير الدولة من الداخل.
وإثر سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011، وبعد وصول الإخوان للسلطة ووضع أيديهم على جميع مفاصل الدولة، تم إصدار مرسوم عرف بـ"العفو التشريعي العام" في 19 فبراير/شباط من العام نفسه تم بمقتضاه انتداب نحو 7 آلاف موظف أغلبهم من الإخوان وأنصارهم، بالمؤسسات الحكومية.
وبعد 2011، استثمر الإخوان، بمن فيهم من شارك في عملية إرهابية عام 2007، قانون "العفو التشريعي العام" ومبدأَي العودة إلى العمل أو الانتداب المباشر في الوظيفة الحكومية.
ومنح الإخوان أعضاء التنظيم وأنصاره تعويضات مالية كبيرة، واستحدثوا صندوقاً وحساباً خاصاً في الخزينة العامة، منتهكين بذلك الإجراءات القانونية، باسم "حساب جبر الضرر لضحايا الاستبداد المتمتعين بالعفو العام".
وجرى تمكين أسر الإخوان في المؤسسات العامة، عبر تعيين فردين أو ثلاثة أو أكثر، إلى حدّ 11 فرداً من عائلة واحدة موالية لهم، بدلاً من توزيع هذه الوظائف على الأسر الفقيرة للمساهمة في تحسين أوضاعهم.
وقال عبد المجيد العدواني الناشط والمحلل السياسي إن قيس سعيد يعمل حاليا على إجراء إصلاح إداري شامل، ومراجعة التعيينات التي تمّت على أساس عشوائي وعلى أساس الولاءات الحزبية حيث تم تعيين شخص مسؤول على تفجيرات المراكز الأمنية بباب سويقة بالعاصمة في تسعينات القرن الماضي في منصب مهم في المعهد الوطني للرصد الجوي (حكومي).
كما جرت تعيينات لأشخاص متورطين في قضايا إرهابية في مناصب حساسة بوزارتي الداخلية والعدل.
وأكد العدواني لـ"العين الاخبارية" أن هناك انتدابات عشوائيّة وانتدابات بالولاءات والمحاباة، وانتدابات في إطار العفو التشريعي العام، مؤكدا عدم قدرة أحد على تحديد العدد الحقيقي للموظفين الذين تمّ انتدابهم بطرق غير قانونية أو عبر شهائد مدلسة.
وأشار إلى أنه آن الأوان لوضع حد لحقبة الإخوان والانطلاق في عملية تثبت الشهادات العلمية المزيفة والعودة لسجلهم الأمني وذلك عن طريق تكاتف جهود وزارات الداخلية والعدل والتعليم.
إقامة جبرية
والسبت، تم وضع الهاروني قيد الإقامة الجبرية، بعد محاولته تنظيم مجلس شورى حركة النهضة، رغم قرار السلطات التونسية بغلق جميع مقار حركة النهضة الإخوانية وحظر جميع اجتماعاتها منذ اعتقال راشد الغنوشي زعيم إخوان تونس، في 17 أبريل/نيسان الماضي.
قرار مدته 40 يومًا جاء تطبيقًا لأوامر أصدرها وزير الداخلية التونسي كمال الفقي، السبت، عملا بقانون الطوارئ.
ولد الهاروني في 17 ديسمبر/كانون الأول 1960 في المرسى بالضاحية الشمالية للعاصمة التونسية. واعتقل على خلفية نشاطه السياسي والطلابي سنوات 1981 و1986 و1987 و1990.
كانت آخر مرة اعتقل فيها، عام 1991 ليحاكم أمام محكمة عسكرية قضت بسجنه مدى الحياة لجرائم إرهابية. وأطلق سراحه عام 2007 بعفو رئاسي بعد قضائه قرابة 15 عاما في الحبس الانفرادي.
بعد 2011، تقلد منصب وزير النقل في حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض بين 2011 و2014. كما انتخب عبد الكريم الهاروني في 11 يونيو/حزيران 2016 رئيسا لمجلس شورى حركة النهضة خلفا لفتحي العيادي، إثر المؤتمر العاشر.
تعرض في 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، لحروق بليغة على خلفية الحريق الذي نشب بالمقرّ الرئيسي لحركة النهضة، والذي نتج عنه وفاة أحد عناصر الإخوان.
وفي 10 يوليو/تموز 2021، وتحديدا قبل أيام من الإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد بتعليق عمل برلمان الإخوان، دعا الهاروني، رئيس الحكومة هشام المشيشي -آنذاك- إلى ضرورة تفعيل ما يسمى بـ"صندوق الكرامة" لتعويض سجناء الإخوان قبل 25 يوليو/تموز 2021.
وأثارت دعوته حفيظة التونسيين، الذين قاموا في 25 يوليو/تموز 2021 بحرق مقار حركة النهضة بمختلف أنحاء البلاد، ونفذوا مظاهرات شعبية عارمة، ما دفع الرئيس قيس سعيد إلى إقالة حكومة المشيشي وغلق البرلمان ورفع الحصانة عن النواب.
ويتيح هذا الصندوق لمؤيدي حركة النهضة وأتباعها الحصول على مبلغ يساوي واحد مليار دولار من خزينة الدولة؛ كتعويض على سنوات السجن في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.