دبلوماسية "اليد الممدودة" بوصلة عربية تعيد العراق لحضنه الطبيعي
جولات قيادات سياسية عراقية كرست توافقا على مراجعة سياسة "النأي بالنفس" وفتحت الطريق لعودة بغداد لحاضنتها العربية لاسيما الخليجية.
كرّست جولات لزعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، ورئيس التيار الوطني العراقي عمار الحكيم، ما بدا توافقاً عربياً على ضرورة مراجعة سياسة "النأي بالنفس"، التي كانت سببا في تمدد إيران في المنطقة، بحسب مراقبين، وفتحت الطريق أمام عودة بغداد لحاضنتها العربية الطبيعية لاسيما الخليجية.
- الصدر والحكيم.. هل يقودان حربا على تغول إيران بالعراق؟
- الصدر: زيارتي للسعودية ناجحة.. وقطر ستتنازل في النهاية
وزار الصدر، أحد أبرز القادة المؤثرين على الساحة العراقية، جدة في 30 يوليو/تموز الماضي، وبحث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سبل تعزيز العلاقات بين البلدين، قبل نحو أسبوعين من استقبال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، زعيم التيار الصدري في قصر الشاطئ، أمس الأحد.
وقال الدكتور أنور بن محمد قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، اليوم الاثنين، إن استقبال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، زعيم التيار الصدري، جزء من التواصل الخليجي مع العراق.
وأضاف قرقاش، في سلسلة تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أن "التحرك الواعد تجاه العراق الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان بمشاركة الإمارات والبحرين مثال على تأثير دول الخليج متى ما توحدت الرؤية والأهداف".
وكان رئيس التيار الوطني العراقي قد زار القاهرة في أبريل/نيسان الماضي، والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبحث مستقبل العراق ما بعد سقوط تنظيم داعش الإرهابي.
وتسارعت الخُطى العربية للحيلولة دون استفراد قوة إقليمية بمستقبل العراق مع نهاية التنظيم الإرهابي، في تحرك استجاب مبكراً لتحذيرات أطلقها الدبلوماسي الأمريكي المرموق، هنري كيسنجر، من احتمالية شغل إيران الفراغ الذي سينتج عن هزيمة عناصر داعش بالعراق وسوريا.
وتوقع كيسنجر، الذي عمل كوزير لخارجية الولايات المتحدة في عهد نيكسون، في مقال نشرته مجلة "نيوز ويك" الأسبوع الماضي أن تبني إيران إمبراطورية بالمنطقة على أنقاض داعش.
وعمدت طهران لدعم مليشيا الحشد الشعبي الطائفية لتوسيع وترسيخ وجودها العسكري على امتداد محافظات العراق، ودعم ترسانتها المسلحة بأنواع أسلحة تفوق قدرات الجيش العراقي التقليدي، لتنهي بذلك على هامش ضيق لعراق مستقل.
ودفع الحشد الشعبي في العراق إلى البرلمان، هذا الشهر، قانوناً ينظم تقاعد منتسبيه في خطوةٍ تهدف إلى منْح المليشيا الطائفية شرعيةً قانونية، وتؤيد بقاءه بعد سقوط تنظيم داعش الإرهابي، الذي استُخدم كحجة لإنشاء التنظيم الموالي لإيران.
وقطعت زيارة الصدر للسعودية جمود 11 عاماً منذ آخر زيارة له في عام 2006، كما أفشلت رغبة إقليمية في تقديم العراق على أرضية المكوّن الطائفي.
وقال بيان صادر عن مكتب الصدر ، عقب لقاء ولي العهد السعودي، "إننا استبشرنا خيراً فيما وجدناه انفراجاً إيجابياً في العلاقات السعودية العراقية، ونأمل بأنها بداية الانكفاء، وتقهقر الحدة الطائفية في المنطقة العربية الإسلامية".
ويعد الصدر أحد أبرز القيادات العراقية التي تقف في وجه المطامع الإيرانية في العراق.. وله موقف مناهض لجرائم الحشد الشعبي، دفعته إلى دعوة السلطات العراقية إلى دمج "العناصر المنضبطة" من الحشد الشعبي ضمن القوات المسلحة الرسمية، أو وجعل زمامه تحت إمرة الدولة حصرا و"بشروط صارمة".
وقبل استقبال الرياض الصدر، زارها حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، في يونيو/حزيران الماضي، ليفتح أبواباً مغلقة تفضي إلى تبدل سياسي إيجابي.
وخلال لقاء ولي العهد السعودي العبادي، أكد الأمير محمد بن سلمان أن بلاده جاهزة للوقوف مع العراق، معتبرا أنه "لا توجد بينها وبين العراق أي خلافات حقيقية".
وجاءت زيارات المسؤولين العراقيين للرياض، حصداً لثمار زيارة تاريخية لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في فبراير/شباط المنصرم، كانت الأولى لمسؤول سعودي رفيع منذ نحو 14 عاما.
وفي بغداد، تحدث الوزير السعودي عن تطلع المملكة إلى بناء علاقات مميزة مع العراق، كما أكد وجود رغبة مشتركة بالتعاون في ملف الحرب ضد الإرهاب، مشيرا إلى أن الزيارة تأتي لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح.
- الحشد الشعبي يشرعن وجوده في العراق عبر "قانون التقاعد"
- الحشد الشعبي يوسع "مستوطناته المسلحة" في محافظات العراق
وخلال زيارته، أبلغ الجبير المسؤولين في الخارجية العراقية أن الممكلة تنظر في تعيين سفير جديد لها في بغداد، بعدما استبدلت الرياض سفيرها في بغداد بقائم بالأعمال بعد شهور من طلب وزارة الخارجية العراقية ذلك، بعد أن أدلى بتصريحات حول ما وصفه "بالتدخل الإيراني في الشؤون العراقية واضطهاد السنة".
وفتحت السعودية سفارتها في بغداد في عام 2015، وعينت ثامر السبهان سفيراً لها، للمرة الأولى بعد نحو ربع قرن من إغلاقها إثر غزو القوات العراقية للكويت في عام 1990.
وفي تقاطعات دوائر السياسة، أجرى وزير الطاقة السعودي خالد الفالح مناقشات تمديد خفض الإنتاج الذي تقوده أوبك مع نظيره العراقي في بغداد في مايو/أيار المنصرم، في زيارة كانت الأولى لمسؤول سعودي رفيع في مجال الطاقة خلال ثلاثة عقود.
وفي ظلال التحركات الدبلوماسية العربية يلمح مراقبون عزماً عربياً على إنهاء مشاهد هيمنة النظام الإيراني الواضحة على كل مناحي الحياة في العراق؛ من التجارة والعمارة والمنتجات الرديئة إلى السيطرة على المصارف والحكومة والبرلمان والأحزاب.