الذهب في كل مكان.. إرث ترامب الثقيل يؤرق مستقبل أمريكا

في خطوة تعكس ذوقه الفاخر الذي طالما اشتُهر به، يعيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشكيل القلب النابض للسلطة التنفيذية.
بعد ثمانية أسابيع فقط من عودته إلى البيت الأبيض، شهد المكتب البيضاوي، الغرفة الأكثر رمزية في العالم تحولات جذرية، حيث تضاعف عدد اللوحات الزيتية المعلقة على جدرانها ثلاث مرات، بينما تزدحم الرفوف والأسطح بتماثيل نُسور مذهبة تلمع تحت الأضواء، وميداليات ذهبية تزين مدفأة القرن التاسع عشر، مع لمسات الطراز الأوروبي الفاخر على الأبواب.
وحتى التفاصيل الصغيرة لم تسلم من لمساته، مثل الملائكة الذهبية المصغرة التي نُقلت خصيصاً من مار-إيه-لاغو لتُوضع فوق المداخل، وجهاز التحكم بالتلفاز المُغلف بطبقة ذهبية لامعة في زاوية القاعة، وفقا لشبكة سي إن إن.
توسعات مستلهمة من عوالم الملوك
لا تقتصر رؤية ترامب على الداخل، بل تمتد إلى حديقة الورود التاريخية – التي صممتها السيدة الأولى إلين ويلسون عام 1913 – حيث يعتزم تحويل مساحاتها الخضراء إلى "فناء خارجي" على نمط مارالاغو، مع ممرات مرصوفة بالحجر ومقاعد فاخرة محاطة بالنوافير.
لكن المشروع الأكثر إثارة للجدل هو خطته لبناء قاعة رقص فاخرة على العشب الجنوبي للبيت الأبيض، مستوحاة من قاعة المرايا في قصر فرساي الفرنسي، والتي ستُخصص لحفلات العشاء الرسمية بدلاً من الخيام المؤقتة التي اعتادت الإدارات السابقة استخدامها.
وأشارت مصادر مقربة إلى نيّته إضافة ثريا كريستالية ضخمة تتناسب مع الطراز الباروكي للمكتب، رغم التحذيرات من أن مثل هذه الإضافات قد تُعيق الإضاءة الطبيعية التاريخية.
ورغم تصريح ترامب بأنه سيمول المشروع من جيبه الخاص – كما فعل سابقاً في تجديدات بقيمة 1.75 مليون دولار خلال ولايته الأولى – تظل الشكوك قائمة حول الجدوى القانونية لتعديلات معمارية جذرية في موقع مُدرج على قائمة التراث الوطني.
صراع الهوية الرئاسية والذوق الشخصي
تحول المكتب البيضاوي تحت إدارة ترامب إلى ما يشبه معرضاً فنياً شخصياً، حيث تتزاحم عشرات اللوحات الزيتية لإبراز الرؤساء السابقين الذين يُعجب بهم، مثل لوحة رونالد ريغان الضخمة خلف مكتب "ريزولوت"، وجورج واشنطن الذي حلّت صورته فوق المدفأة محل لوحة تاريخية تعود للقرن الثامن عشر.
ولم يكتفِ باختيار الأعمال، بل أشرف شخصياً على تصميم إطاراتها الداكنة المُذهبة، متجاوزاً في عددها ما وضعه سلفاه باراك أوباما (لوحتان فقط) وجو بايدن (6 لوحات). حتى أن مساعديه يؤكدون أن كل قطعة – من أصغر تمثال إلى أكبر مرآة – مرت بموافقته الشخصية، في سعيه لخلق بيئة عمل "تُشعره بالانتماء"، حسب تعبيره.
روتين يومي بين الهاتف والجدران المكتظة
ويبدأ يوم ترامب في البيت الأبيض قبل الفجر، حيث ينهمك في الاتصالات من مقر إقامته منذ السادسة صباحاً، لينتقل إلى المكتب البيضاوي حوالي العاشرة صباحاً. وهناك، يقضي معظم وقته محاطاً بجدران مكتظة باللوحات والتذكارات، مناقشاً الخطط السياسية أو مستقبلاً زعماء العالم، مثل اللقاء المثير للجدل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وعلى عكس سابقيه الذين فضلوا عقد الاجتماعات في قاعات مجاورة مثل "غرفة روزفلت"، يصر ترامب على جعل المكتب مركزاً لكل الفعاليات، بدءاً من توقيع القوانين إلى إلقاء التصريحات الإعلامية اليومية، مما جعل تصميمه جزءاً من السردية الإخبارية الدائمة.
ردود الفعل بين الإعجاب والسخرية
أثارت تحولات المكتب البيضاوي تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث علّق أحد المستخدمين: "يبدو وكأنه غرفة نوم سلطان عُثماني!"، شبه قارن آخرون الديكور بفيلم "المواطن كين" الكلاسيكي الذي يجسد هوس الثراء. من جهة أخرى، يرى محللون سياسيون أن التغييرات تعكس استراتيجية ترامب لتسييس الذوق الجمالي، عبر ربط الفخامة المادية بصورته كـ"رجل أعمال ناجح" يُعيد تعريف الرئاسة بعيداً عن النخبوية التقليدية.
مستقبل الرمز
رغم أن لكل رئيس الحق القانوني في تعديل ديكور المكتب البيضاوي، إلا أن التغييرات الجذرية التي يطبقها ترامب تطرح تساؤلات عن إمكانية استمرارها بعد رحيله. ففي السابق، حرص معظم الرؤساء على الحفاظ على الهوية الكلاسيكية للمكتب، مع تعديلات طفيفة تعكس توجهاتهم.
لكن تحويل ترامب الغرفة إلى "علامة تجارية" ذهبية، قد يدفع الإدارات القادمة أمام خيار صعب: إما الحفاظ على إرثه الجمالي الثقيل، أو إزالة التعديلات بكلفة عالية، وهو ما قد يُعيد إشعال الجدل حول حدود التعبير الشخصي في الفضاء الرئاسي.
aXA6IDMuMTQ0LjQxLjIyMyA= جزيرة ام اند امز