شاهد حي.. الصحافة في غزة بدائرة الاستهداف الإسرائيلي
الصحافة في غزة كانت وما زالت تشكل قلقاً للاحتلال لأنها تخترق الرواية المزيفة التي تروجها للعالم وتبطل مفعولها أمام الصورة الحية.
خرج من مكتبه صباحاً، ظله المكسور على حائط مائل، قرب بوابة خزاعة، شرق خانيونس، جنوب قطاع غزة، تركه مصلوباً على بوابة الشمس، ليكمل مسيره مشياً على الأقدام إلى أقرب نقطة تمكنه من التقاط الصور، ونقل الحدث الجاري، من أرض إحياء ذكرى يوم الأرض.
تلك الذكرى التي جاءت هذا العام رداً على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وما كان الرد من الجماهير الحاشدة قرب السلك الفاصل لقطاع غزة، إلا بنصب الخيام، ومكبرات الصوت، والإبراق إلى العالم بأسره، رسالة مفادها "باقون ولن نرحل، وإلى ديارنا عائدون حتماً".
المصور الصحفي أحمد معمر، الذي ترك ظله للشمس، نجح في تركيز عدسة الكاميرا، على نقطة قريبة، في منطقة خزاعة شرق خانيونس، لسحب المشهد برمته، ولكن سرعان ما اخترقت رصاصة القناص الإسرائيلي، درعه الصحفي لتدخل بطنه وتتفجر.. الصورة بقيت ناقصة، والمشهد لم يتمم عليه، وأحمد المحمول على الأكتاف أصبح خبراً، بعد أن كان صانعه.
الصحفي معمر أول الصحفيين الذين أصيبوا إصابة خطيرة، وتم نقله إلى مستشفى ناصر الحكومي، ولكنه ليس الصحفي الجريح الوحيد، فزملاء له في المهنة، أصيبوا أيضاً إصابات ما بين متوسطة وخفيفة، برصاص وغاز مسيل للدمع، أثناء تغطيتهم للأحداث على طول الشريط الشرقي لقطاع غزة.
لؤي الغول، الذي استنشق الغاز بشكل مباشر، شرق غزة، تم إسعافه على عجل، بوسائل بدائية، وتم نقله إلى وحدة إسعافية في المكان، بينما الصحفية آمنة الدبش، التي أصيبت بقنبلة غاز شرق البريج، وسط القطاع، تم إسعافها في مستشفى شهداء الأقصى، وخرجت في ذات اليوم، لاستكمال علاجها منزلياً، بينما الصحفية هالة الحسنات، أصيبت بكسر في القدم بعد إطلاق كثيف للنار من جنود الاحتلال، شرق دير البلح، لتسعف في المكان وتنقل إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة.
من جهته حمل الدكتور تحسين الأسطل نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين في تصريح لـ"العين الإخبارية" المسؤولية الكاملة للقوات الإسرائيلية المتمركزة على تخوم قطاع غزة، واستهدافها المباشر وغير المبرر للصحفيين، الذين أخذوا التدابير الوافية، للإبلاغ عن أنفسهم، وارتداء الدروع الحامية، ووضع شارات الصحافة المعترف بها، ولكن رغم كل هذه التدابير، تعمد الجيش الاسرائيلي قنصهم أثناء مهامهم في تغطية الأحداث، وهذا ما تدينه وتستنكره جميع القوانين وأنظمة العمل الصحفي الدولي.
وطالب الأسطل بضرورة تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، من أجل الصحفيين الذين تعرضوا للقتل المتعمد والإصابات البليغة، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، على اعتبار أنها ممارسة أخلاقية من قبل المجتمع الدولي، لعدم تكرار الاعتداءات المقصودة بحق الصحفيين في الأراضي الفلسطينية.
يذكر أن الجيش الإسرائيلي وحسب إحصاءات حقوقية، ارتكب خمس عشرة جريمة قتل بحق الصحفيين الفلسطينيين، ما بين عام 2008 حتى عام 2014، فيما سجلت أكثر من 150 حالة إصابة بشكل مباشر لصحفيين في الضفة وغزة، بذات الفترة، أما الاعتقالات والاستدعاءات لم تظهر إحصائية واضحة خلال السنوات العشر الأخيرة، لأنها كثيرة، ويمارسها الاحتلال بشكل متواصل، رغم مناشدات ومطالبات اتحاد الصحفيين العرب، وتدخلات الاتحاد الدولي للصحافة لدى إسرائيل لوقف هذه الاعتقالات، فيما تعرضت مؤسسات إعلامية ومراكز صحفية إلى تدمير كامل، بقصف جوي استهدفها خلال الاعتداءات الثلاثة الأخيرة على القطاع.
الصحفي معمر أكد لـ"العين الإخبارية"، أن "الجيش الإسرائيلي، استغل مسيرة العودة السلمية، ليقوم بارتكاب مجزرة فظيعة، لأن الجماهير رغم كثافة تواجدها في المناطق القريبة من السلك الفاصل، إلا أنها كانت مسالمة، فهناك من أصيب وهو داخل الخيام المنصوبة، ومنهم من قتل بعيداً عن نقاط التماس المباشرة، في دلالة على أن الجيش الاسرائيلي، بيت ارتكاب جريمته، لردع الحراك السلمي، وإفشاله ولو بالقتل والإصابات".
أما الصحفي هشام معمر شقيق المصاب أحمد، يقول لـ"العين الإخبارية": إن إسرائيل ارتكبت جرائم قتل بحق الصحفيين الفلسطينيين، باعتداءاتها الثلاثة الماضية، ولاحقت العدسة، كما دمرت مراكز إعلامية في قطاع غزة، وللأسف الشديد لم يتم ردعها بعد هذه الجرائم، والمطلوب اليوم ملاحقة الجنود الاسرائيليين قضائياً، وتقديمهم للمحاكم الدولية، لضمان حرمة العمل الصحفي، ومعالجة الاستهتار الإسرائيلي بهذه المهنة النبيلة.
الصحافة في قطاع غزة، كانت وما زالت تشكل قلقاً للاحتلال، لأنها تخترق الرواية المزيفة، التي تروجها الماكينة الإعلامية الإسرائيلية للعالم، وتبطل مفعولها أمام الصورة الحية، والمرئية الواضحة التي لا تقبل التحريف ولا التزوير، فيد إسرائيل الغارقة بالدماء البريئة، لن تطهرها عين كاذبة، ولا حبر مغشوش.
aXA6IDEzLjU5LjEyOS4xNDEg
جزيرة ام اند امز