الشيخ والختيار.. "بوابة العين" تروي آخر اللحظات في حياة عرفات
الشيخ تيسير التميمي الذي رافق ياسر عرفات في لحظاته الأخيرة يروي قصته مع الصوم والسفر للعلاج، ولماذا نزف الدم من جسده بعد الوفاة؟.
كان يوم العاشر من رمضان 1425 هـ (2004 م) حينما التقى الشيخ تيسير التميمي، قاضي قضاة فلسطين آنذاك، الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر المقاطعة في مدينة رام الله .
"بدا الإعياء واضحا جدا عليه وكان محاطا بأطباء عرب قالوا لي إن وضعه الصحي خطير للغاية، وطلبوا مني أن أنصحه بأن يفطر" قال الشيخ التميمي في حديث خاص لـ"بوابة العين الإخبارية" بمناسبة الذكرى الـ13 لوفاة الرئيس الراحل.
وأضاف: "استعنت بعديد من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة للاستشهاد على رخصة الإفطار للشخص المريض، وقلت له إن بإمكانه تعويض هذه الأيام، ولكن الرئيس الفلسطيني الراحل رفض وقال باللهجة المصرية التي كانت محببة له:" نعم يا خويا!!، عمري 75 سنة وعاوزني أفطر؟!".
وبعد أن ازداد عليه المرض، تردد عرفات الذي أطلق عليه الفلسطينيون لقب "الختيار" في مغادرة رام الله إلى فرنسا للعلاج؛ خشية أن ينفذ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وعدوه اللدود أرئيل شارون وعده بألا يسمح له بالعودة.
ولكن مع المرض ووجود ضمانات عربية ودولية بأن شارون لن يمنعه من العودة ، قبل على مضض السفر .
وفي 26 رمضان التقى الشيخ التميمي مع أمين عام مجلس الوزراء الفلسطيني د.حسن أبو لبدة، الذي أبلغه بالتراجع المتواصل في الوضع الصحي للرئيس الفلسطيني، وأنه دخل مرحلة غيبوبة؛ فاقترح عليه الشيخ التميمي أن يسافر إلى فرنسا لأن من الضرورة وجود رجل دين إلى جانبه في هذا التوقيت.
وأشاعت إسرائيل حينها أن التميمي ذاهب إلى باريس لإصدار فتوى بجواز رفع الأجهزة الطبية عن عرفات، وهو ما نفاه جملة وتفصيلا.
وكان التميمي من القلائل الذين سُمح لهم بالدخول على عرفات في غرفة علاجه.
ومع وصول الشيخ التميمي إلى باب الغرفة التي يرقد فيها عرفات كان في استقباله مدير الصندوق القومي الفلسطيني د.رمزي خوري (آنذاك مدير ديوان الرئيس).
وقال التميمي: "بعد مصافحتي سألني عن قوة أعصابي، فقلت: هي جيدة والحمد الله، فأخبرني أن أحمد قريع (رئيس الوزراء الأسبق) أغمي عليه عندما شاهد أبو عمار لأول مرة وهو راقد في غيبوبة".
وتابع: "دخلت إلى الغرفة وكان الرئيس أبو عمار محاطا بأجهزة طبية وكان رأسه متضخما ووضعه الصحي صعب جدا.. ولكن معالمه كانت معروفة وخاصة وجهه".
سورة "يس"
وأشار التميمي إلى أنه منذ دخوله إلى غرفة عرفات أخذ بقراءة آيات من القرآن الكريم، قائلا: "كنت أواظب طوال الوقت على قراءة آيات من القرآن الكريم وخاصة سورة "يس" التي قرأتها أكثر من مرة".
ومع غروب الشمس، أعلن الأطباء إن تحسنا طرأ على صحته، وحرك الرئيس الراحل لأول مرة كتفه، ولكن- يضيف التميمي- ""للأسف كانت هذه صحوة الموت".
ففي الساعة الثالثة والنصف من فجر 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 "انتقل إلى رحمة الله".
جسده ينزف دما
ولفت الشيخ التميمي إلى أنه طلب تغسيل جسد عرفات بعد وفاته وتجهيزه للدفن.
وقال:"كان هناك رأي بإبقائه على سريره إلى المساء حتى قدوم الرئيس الفرنسي جاك شيراك لوداعه الأخير، خاصة أنه كان يعتبره صديقا شخصيا له، ولكنني قلت يجب تغسيله حسب الشريعة الإسلامية، وبإمكان من يريد أن يودعه لاحقا أن يودعه".
وأردف قائلا: "بينما كنت أغسل جسد الرئيس عرفات كان الدم ينزف من جسده رغم مرور 5-6 ساعات على وفاته، وفي الحقيقة كان هذا الأمر غريبا بالنسبة لي، كان برفقتي أئمة مسجد باريس وسألت طبيبا فرنسيا من أصل مغربي كان معنا عن هذا الأمر، فقال: هناك بعض أنواع السموم التي تسبب تجلطا في الدم بما يؤدي إلى استمرار نزيف الدم، ولهذا خرجت وكنت أول من قال بأن أبو عمار قتل مسموما".
لاحقا نقل جثمان عرفات في جنازة رسمية بدأت من باريس، وتم تشييعه بحضور قادة عدد من الدول العربية والأجنبية في القاهرة (لصعوبة ذهابهم لتشييعه في رام الله)، ثم تم نقل الجثمان إلى الأردن فرام الله، حيث تم استكمال التشييع بحضور شعبي واسع، وجرى دفنه بانتظار نقله إلى القدس حينما يسمح الظرف السياسي بذلك.
وكان الشيخ التميمي من المقربين للختيار الذي قال عنه: "أبو عمار زعيم تاريخي للشعب الفلسطيني استطاع أن ينقل القضية الفلسطينية من قضية لاجئين إلى قضية شعب يطالب بأرضه ووطنه، واستطاع أن يؤسس سلطة، مهما قالوا عنها، تؤسس لقيام دولة فلسطينية ولكن الظروف السياسية كانت على خلاف ما يخطط له أبو عمار ولهذا قتل".
aXA6IDUyLjE0LjMzLjE3NSA= جزيرة ام اند امز