الفلسطينية آمال العويني.. 37 عاما من العمل الإنساني
الفلسطينية آمال العويني تفتح قلبها لـ"العين الإخبارية" وهي تروي محطات مضيئة في قصة كفاح ممتدة 37 عاماً.
عبر 37 عاماً حافلة بالذكريات تمتد رحلة الفلسطينية آمال العويني مع العمل الإنساني، بعدما قادها تبدد حلمها الأول في أن تكون طبيبة لدراسة السكرتارية التي كانت بوابتها للعمل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة.
تفتح العويني "59 عاماً" قلبها لـ"العين الإخبارية" وهي تروي محطات مضيئة في قصة كفاح ممتدة أوصلتها لتتبوأ أرفع موقع يتولاه شخص غير أجنبي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة.
في عمر 7 سنين، كانت بداية معرفتها للجنة الدولية للصليب الأحمر عندما جاء مندوبها، ليزف للعائلة بشرى وجود والدها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وفق العويني.
تستعيد الذكريات العابرة: "نعم بشرى، لأنها جاءت بعد 40 يوماً من اختفاء والدي خلال حرب يونيو/حزيران 1967، كنا نتعذب يومياً تارة هو مفقود وتارة ميت، ولا أي معلومة أكيدة، وبعد 40 يوماً جاء مندوب الصليب الأحمر حاملاً رسالة من والدي أنه بخير وهو معتقل في السجون الإسرائيلية".
من الطب للسكرتارية
آمال الثانية بين 7 شقيقات و3 أشقاء، نشأت في مخيم خانيونس جنوب قطاع غزة، وبين جنباته تجرعت مرارة اللجوء ومعاناة المخيم، ولكنها جابهتها بعزيمة فأتمت دراستها بتفوق في المرحلة الثانوية لتطارد حلمها أن تكون طبيبة، وتسجل في كلية الطب بالقاهرة قبل أن تمنعها ظروف طارئة عام 1977 – 1978 من الالتحاق بها.
تقول: "بكيت كثيراً، عندما حُرمت من دراسة الطب، حلمي الكبير، ولكن استعدت توازني ودرست في غزة سكرتارية، وهي ما كانت بوابتي في يونيو/حزيران 1982 للعمل في مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتبدأ رحلة الكفاح والعطاء المستمرة".
أرفع موقع لامرأة غير أجنبية
تقول العويني: "تنقلت من قسم لآخر، تجاهلت المضايقات والصعوبات الاجتماعية التي تحيط بعمل المرأة، وواصلت عملي بكل ثقة، وكنت أقطع 60 كيلومتراً ذهاباً وإياباً بسيارتي الخاصة بين خان يونس وغزة".
وأشارت إلى أنها عملت في قسم السجون ومتابعة أحوال المعتقلين، واستقبال الأهالي وكتابة شكواهم لعرضها على المندوب المختص، وكذلك نقل رسائل المعتقلين لذويهم، حيث بدأت تمارس الدور الذي عاشته قبل سنوات عندما تلقت رسالة والدها.
ومن العمل في مكتب غزة انتقلت لتتولى مسؤولية مكتب خان يونس التنفيذية، حتى عام 2013 عندما تولت للمرة الأولى في تاريخ المنظمة الدولية إدارة مكتبها جنوب قطاع غزة، وهي أول امرأة فلسطينية تتولى هذا الموقع وحاليا هي أقدم موظفة في الصليب الأحمر.
ذكريات لا تنسى
عقود العمل الإنساني ساهمت في تضخيم صندوق ذكريات آمال التي أكملت دراستها الجامعية وحصلت على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية، ولكنها من بين كل هذه الذكريات تستذكر مواقف لا تمحهما السنين.
فكما جاءتها بشرى حياة والدها، زفت هي الأخرى بشرى وجود الشاب وليد على قيد الحياة بعد عامين من اعتقاد ساد أنه متوفى.
وقالت: "اتصلت بعائلة وليد وأبلغتهم عبر الهاتف أنه يهديهم السلام وبين أيدينا رسالة بخط يده، والعائلة تفاجأت وجاء والده ووالدته الذين كانا أقاما له بيت عزاء قبل عامين، كانت فرحة لا تنسى".
ومن الذكريات الأليمة التي لا تغيب عنها، ما حدث عام 2004، خلال عملية للجيش الإسرائيلي فرض خلالها حصاراً شديداً على رفح، وبعد طول تنسيق تمكنت من الوصول للمنطقة لتقابل الأهالي الذين كانوا يعانون من التجريف والقتل والحصار فقابلوهم بالغضب والحجارة.
قالت: "كان موقفاً صعباً لم أحتمله، فأنا فلسطينية مثلكم، بكيت وبكيت يومها، لم نستطع العودة وأمضينا ليلتنا عند أحد المواطنين".
حاملة الأمل
تبتسم العويني وهي تقول: "تجاوزنا كل ذلك، عايشنا المعاناة مع المواطنين أهالي المعتقلين والمزارعين والصيادين، وفي كل مكان به اجتياح نذهب لنقدم ما نستطيع".
وأضافت: "عملت ليل نهار دون كلل أو ملل، حرصاً على إرضاء الجميع، ورسم البسمة على الوجوه حتى في أحلك الأوقات، متناسية حياتي الشخصية، فقمت بتوصيل المعونات لمن هم بحاجة إليها".
وفي كل اجتياح أو تصعيد، لا يتوقف هاتف آمال عن الرنين، فهذا يطلب التنسيق لإخلاء جريح أو شهيد، أو إغاثة محاصر، مشيرة إلى أنهم يعملون على التنسيق لإسعاف الجرحى والمرضى ونقلهم بسيارات الإسعاف إلى أماكن آمنة، وهي مهمات لم تخلُ من الفشل.
وقالت: "ألمي يكون كبيراً لمشاهدة وفاة من نعجز عن تقديم المساعدة الطبية لهم، وتأثرت بالدرجة نفسها عند رؤية اقتلاع أشجار الزيتون التي تتجاوز أعمار أصحابها، أو هدم بيوت لا ملجأ لأفرادها سواها، أو فقد أسر لزهراتها في مقتبل العمر".
دموع العجز
وأضافت: "كثيراً ما خانتني دموعي أمام عجزي في بعض الأحيان عن تقديم الدعم والحماية، وهي الدموع نفسها التي انهمرت في إحدى مرات عندما استعانوا بي لمساعدة من فقدوا بيتهم".
وتابعت: "كنت أذهب إلى العمل في المنطقة الوسطى في غزة تراودني الشكوك في إمكانية العودة سالمة، ودوماً ما كانت ثقتي بالله كبيرة، وعزيمتي قوية، ودعم أسرتي رائعاً، ورضا الآخرين محفزات لي للاستمرار ولتجاوز الآلام".
وتحمل حرب 2014 عشرات الذكريات لآمال، فقد تركت بيتها ونامت لأسبوعين في المكتب مع زملائها، وحزنها الأكبر يوم تمكنت من دخول قرية خزاعة المحاصرة لتفاجأ بحجم الدمار.
وقالت: "شاهدت بعيني الأماكن الجميلة مدمرة، الشوارع مجرفة، بصعوبة نتحرك عبرها، الحيوانات تصرخ تنادي هل من منقذ لنا.. الأشخاص وكبار السن في كل مكان.. لا أستطيع وصف ما شاهدت بعيني.. الاتصالات من كل ناحية.. لكن بحمد الله وصلنا وعملنا على مساعدة المحاصرين".
توسع عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع حصار غزة، وباتت تدخلاتها كبيرة في الصحة ومع المزارعين والصيادين، ومعها زادت أعباء آمال وعطاؤها.
محطات عديدة لا تزال محفورة في ذاكرة آمال التي تختم بالتعبير عن أملها أن يعم السلام، وأن يحظى وطنها فلسطين بالحرية.
aXA6IDE4LjIyNi4xNy4yMTAg
جزيرة ام اند امز