الثوب الفلسطيني.. عودة لمواجهة التزوير وإحياء الموروث
الثوب الفلسطيني لم يغب بشكل مطلق عن الأسواق، ولم تتركه الفلسطينيات، ولكن كان ارتفاع ثمنه في فترة ما سبب لقلة شرائه
عرفت فلسطين عبر التاريخ بتراثها وعاداتها وتقاليد تخصها، ولم يكن الثوب الفلسطيني بعيداً عن ذلك، بل متقدماً بشكل كبير على سواه من مظاهر الأصالة الوطنية، ولكنه في فترة ما تراجع عن ظهوره وتم اختصاره على السيدات كبيرات السن، خاصة في القرى والمناطق النائية، إلى أن عاد إلى الواجهة وبشكل ملحوظ، ليصبح الماضي الأبعد أقرب للمستقبل البعيد حفاظاً على الهوية.
محمود الحدايدة من مواليد المجدل عام 1941 ويعتبر من أقدم الحائكين للثوب الفلسطيني في قطاع غزة، يقول لـ"العين الإخبارية" إن الثوب الفلسطيني لم يغب بشكل مطلق عن الأسواق، ولم تتركه الفلسطينيات، ولكن كان ارتفاع ثمنه في فترة ما سبب لقلة شرائه، واليوم بدى أنه بمتناول كل يد، لأن طريقة حياكته دخلت عالم المصانع الآلية، بعد أن كان مختصراً على الحياكة اليدوية المكلفة من خياطة الثوب بقماش غالي الثمن، إلى التطريز اليدوي، وحبكة خاصة وخيط متين كان يتم استيراده من الخارج.
ويضيف الحدايدة: "اليوم أصبح الثوب أقل كلفة، وتطبع التطاريز عليه طباعة آلية، وعلى أقمشة متنوعة، وفي خيط عادي، مع وجود الثوب الفلسطيني التراثي، الذي يحاك يدوياً، هذا موجود، والثوب الجديد موجود، أما عن أسباب زيادة الطلب عليه، فالثوب الفلسطيني بتميزه، نجح في إقناع السيدات بعد أن تم تطويره بشكل كبير، تطوير متوافق مع الموضة والحداثة".
وأكدت الدكتورة سهام أبو العمرين المحاضرة في جامعة الأقصى، لـ"العين الإخبارية" أن بعث الثوب الفلسطيني بشكل كبير في حياة الفلسطينيين، وارتداءه من قبل السيدات له أسباب أخرى متعلقة بالتحدي الوجودي للكيانية الفلسطينية، بعد أن حاول الاحتلال الاسرائيلي سرقة التراث الفلسطيني، بما فيه الثوب، واعتباره تراثاً خاصاً به، ونجحت معارض البيع والمصانع الفلسطينية في من مواجهة هذه السرقة بكثرة إنتاج الثوب، وعرضه للبيع بأسعار معقولة، حتى أصبحت السيدات الفلسطينيات يرتدينه في كل المناسبات الوطنية، والأعراس، وحتى المناسبات الخاصة من أعياد، وزيارات متبادلة بين العائلات، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى تمسك الفلسطينيين بتراثهم، وحفاظهم على ذاكرة الأجداد.
فيما أكدت مها حنون خبيرة الزي الفلسطيني، أن المرأة الفلسطينية استطاعت أن تؤرخ المراحل التاريخية وسماتها عن طريق النقشات والرسومات المطرزة التي أصبحت رموزاً ذات دلالات عميقة، تسجل للتاريخ وتؤصل الرواية الفلسطينية للأجيال اللاحقة.
وكان للصحفية شيرين خليفة رأي ينسجم مع التوجه العام، إذ تقول لـ"العين الإخبارية": "شهدت السنوات الأخيرة عودة قوية لارتداء الثوب الفلسطيني المطرّز خاصة من قبل الشابات، هذا جاء بفعل شعورنا بأن تراثنا يتعرض للسرقة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حتى إن مضيفات إحدى شركات الطيران الإسرائيليات يدعن أنه تراثهن، وهذا دفع الشباب للتمسك بتراثنا خشية غلبة الرواية الإسرائيلية المزيفة، ما ساعد على ذلك ظهور شكل من الإبداع في استخدام هذه المطرزات التي تعدّت التراث التقليدي نحو الأزياء العصرية فأصبحنا نشاهدها على ملابس عادية وعلى بدل أفراح وكذلك ميداليات وساعات وإكسسوارات وأصبحنا نراها مطرزة وهي تضيفي شكلاً جمالياً عصرياً مهماً أسهم في انتشارها بين الأجيال الشابة.
وتشيف: "اللافت ليس العودة للتراث كمطرزات يتم ارتداؤها في المناسبات الوطنية بل حتى في الأيام العادية نرى شابات وشباب يستخدمون هذا التراث وحتى العرائس وصديقات العرائس يلبسن مطرزات خاصة بالأفراح رغم أنها مكلفة جداً ولكن هذه ظاهرة آخذة في الانتشار بشدة".
فيما قالت الناشطة المجتمعية سوسن نجيب عبدالحليم لـ"العين الإخبارية": "كان الثوب الفلسطيني هو عنوان الحضارة والهوية وحصيلة الماضي والتاريخ الذي تربطه بالأرض وعودته بزخم هذه الأيام أسقطت الأفكار التي أنتجها الاحتلال (الكبار يموتون والصغار ينسون)، واثبت الصغار أنهم على درب الآباء ماضون وأنهم رضعوا من باطن الأرض عشق الوطن،
وتضيف: "إن شعورنا بفقدان الوطن وتمسك الشعب بامتداده التاريخي له أبعاد سياسية واجتماعية، صرخات لأجيال شاهدة على الهمجية واللامنطقية والخوف, مما أدى إلى التمسك بالتراث والأصالة الوطنية، ومن هنا عاد للثوب الفلسطيني بهجته بعد هجره ومسح أدمغتنا، بالأزياء العالمية التي لا تشبه عاداتنا وتقاليدنا".
وتوضح عبدالحليم: "محاولة اليهود تهويد هذا الثوب واستخدامه في مناسباتهم ومؤسساتهم بدأ بتقليد الدبكة مروراً بارتداء مضيفات شركة العال للطيران وعارضات ازياء للثوب الفلسطيني المطرز، جعل فتيات فلسطين يخضن معركة التحدي مع الوجود الفلسطيني وأصبحت الفتاة تبتكر تصميمات حديثة ممزوجة بعطر التاريخ فتظهر بزي شعبي يروي حكايات الماضي والحاضر، ولا شك أن حملات الاهتمام بالتراث والوعي الثقافي منذ سنوات مضت، وإقرار 25 يوليو/تموز كيوم الزي الفلسطيني لم يأتِ من فراغ فهو رسالة قوية تعبر عن تحدٍ وصمود وإثبات هوية تراثية يجب أن ندعمها ونتمسك فيها ولا يمكن أن دعمها إلا بممارسة طقوس لبس هذا الثوب في مناسباتنا، ولا ننسى حملة مها السقا، سادنة التراث عندما أطلقت فكرة المريول المدرسي مطعم بجزء على القبة والأكمام وتبنتها وزارة التربية والتعليم، وهذا أول خطوة على سلم التربية الوطنية".