الفلسطيني محمود شقير: الرواية العربية تنقصها الحرية
الروائي الفلسطيني محمود شقير أوضح أن الرواية العربية رغم ازدهارها خلال الفترة الأخيرة فإنها تعاني من نقص الحرية.
أكد الروائي الفلسطيني محمود شقير أن الهوية الفلسطينية كانت عرضة للطمس والضياع في السنوات القليلة التي أعقبت نكبة عام 1948، لكن مع ظهور الثورة الفلسطينية المعاصرة انتعشت الهوية الوطنية، وما زالت تغتني وتتطور باستمرار.
وأشار إلى أن الرواية العربية رغم ازدهارها خلال الفترة الأخيرة فإنها تعاني من نقص الحرية.
شقير من مواليد جبل المكبّر، القدس عام 1941، حاصل على ليسانس فلسفة واجتماع من جامعة دمشق، نشر العديد من القصص والمقالات الأدبية والنقدية والسياسية، وصدرت له عشرات الكتب والأعمال الأدبية في مجالات القصة والرواية والسيرة الذاتية وأدب الأطفال.
أصدر 45 كتاباً، وكتب 6 مسلسلات تلفزيونية طويلة، و4 مسرحيات، تُرجم العديد من قصصه إلى اللغات الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الصينية، المنغولية، والتشيكية.
وأبعدته سلطات الاحتلال عن الوطن لسنوات طويلة، تنقل بين بيروت وعمّان وبراغ، ويقيم حاليا في مدينة القدس، وشغل مواقع قيادية في رابطة الكتاب الأردنيين وفي الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
حاز شقير على جائزة محمود درويش للحرية والإبداع عام 2011، وكُرم من أهم المؤسسات الثقافية الفلسطينية في القدس، واختيرت روايته "أنا وصديقي الحمار" ضمن لائحة الشرف لأفضل رواية في العالم عام ٢٠١٨.
وفي حواره مع "العين الإخبارية" قال شقير إن الرواية العربية ينقصها مناخ الحرية على الصعيد العام وعلى الصعيد الشخصي، مؤكداً ضرورة كسر التابوهات، وضمان وجود حركة نقدية باتت محدودة الحضور هذه الأيام.
- تتعدد توجهاتك الكتابية بين الرواية والقصة والمسرح والكتابة للأطفال وللتلفزيون.. لماذا هذه المسارات وما الهدف الذي تلتقي عنده؟
بدأت كاتباً للقصة، وما زلت، وكان لديّ طموح بأن أكتب الرواية، وقد انتظرت زمناً غير قليل ثم كتبت الرواية للفتيات والفتيان ثم للكبار، أما الكتابة للأطفال فقد حفزتني عليها أسباب عدّة من بينها الردّ على نماذج عنصرية في أدب الأطفال الصهيوني تصف العربي بأنه إرهابي قذر غدّار..
أما الكتابة للتلفزيون استدعتْها العلاقة التي نشأت بيني وبين مخرجي المسلسلات حين كنت مقيما في عمان، وعندما عُدت إلى القدس أبديت اهتماماً بالكتابة للمسرح الفلسطيني.
- يلجأ بعض الأدباء للكتابة حتى يتخلصوا من آلامهم، أو ليبوحوا بأحزانهم، تُرى لماذا تكتب؟
أكتب حين يستفزني الخلل في الواقع المعيش، وحين أرى استفحال الشر، وقد كتبت ذات مرة: "الكتابة هي الرئة التي أتنفّس منها.. من دون الكتابة لا معنى لحياتي".
- ماذا عن روايتك "ظلال العائلة"؟
هي الجزء الثالث المتمّم للروايتين السابقتين "فرس العائلة"، و"مديح لنساء العائلة"، في الثلاثية رصد متشعّب لحياة عشيرة العبداللات التي انتقلت من حياة البداوة في البرّيّة إلى حياة الزراعة والتجارة في قرية على مشارف القدس.
- لمدينة القدس والوطن الفلسطيني المحتل حضور طاغ عبر صفحات الرواية.. كيف يؤثر المكان في كتابة الروائي وفهمه لذاته؟
المكان في هذه الرواية وفي الروايتين السابقتين هو جزء من مضمون الروايات الثلاث، وليس مجرد وعاء لاحتواء الشخوص والأحداث، وذلك بالنظر إلى أنّه مكان واقع في مهبّ الخطر جرّاء ممارسات حكّام إسرائيل والحركة الصهيونية، ولا بدّ في هذه الحالة من الدفاع عن المكان والانتصار له بوصفه مكاناً فلسطينياً بامتياز.
- هل يمكننا القول إن الرواية الفلسطينيّة الحديثة عرفت نهضة قوية في السنوات الأخيرة، وكيف تنظر إليها ضمن مشهد الرواية العربيّة؟
يمكن قول ذلك بالتأكيد عبر الإنجازات المتميزة التي خطتها أقلام بعض المبدعين الفلسطينيين والمبدعات.
- تقول أنا أحمي الذاكرة الفلسطينية من الطمس بأعمالي الإبداعية.. وأسألك هنا: ما هو تعريف الرواية التاريخية عندك؟
كل رواية مهما أوغلت في وصف الواقع المعيش تصبح مع الزمن رواية تاريخية، من حيث هي وثيقة تدلل على زمن ما، بصراحة.. لا أتحمّس للروايات المكتوبة عن أزمنة بعيدة، ليس لخلل فيها وإنما هي مسألة مزاج.
- هل تعتبر الرواية التاريخية وثيقة لقراءة التاريخ؟
هي كذلك، وأعتقد أنها أكثر صدقاً من التاريخ الرسمي المدوّن من وجهة نظر القوى الطبقية المسيطرة.
- كيف أثرت الصحافة على مشروعك الأدبي.. وهل أضافت إلى مشروعك الإبداعي أم أخذت منه؟
لا أظنّ أن الصحافة أضافت كثيراً لمشروعي الأدبي، ثم إنني لا أعتدّ بتجربتي في الصحافة رغم أنها امتدت لسنوات، وتنوّعت ما بين العمل في بعض الصحف وفي عدد من المجلات.
- كيف تعامل النقد معك وإلى أي مدى نجح بالدخول إلى كتاباتك وقدمها للقارئ؟
لم يبخل النقّاد عليّ بكتاباتهم النقدية، نقاد كثيرون كتبوا عن قصصي ورواياتي، بعض هذه الكتابات مقالات في الصحف وبعضها الآخر دراسات في مجلات وفي كتب، يمكن القول إن كثيرًا من هذه الكتابات النقدية كانت في الاتجاه المطلوب.
- أترى أن الجيل الأدبي الجديد في فلسطين يؤسس لنمط جديدة في الكتابة الإبداعية؟
يُفترض أن يظهر الجديد في الكتابة الإبداعية دائماً، في البداية على نحو خجول ثم يصبح ظاهرة أدبية، ولو لم يكن هناك تجديد، لو كنّا نسخاً متشابهة متكررة لما تطور الإبداع.
- كيف ترى دور المؤسسة الثقافية الرسمية الفلسطينية في حماية الثقافة والهوية الفلسطينية داخل الوطن المحتل وخارجه؟
هناك جهود لا بأس بها تبذلها وزارة الثقافة، لكن هذه الجهود محكومة بالتوجّهات العامّة للسلطة التي لا تعطي اهتمامًا كافيًا للثقافة، وهي تخصّها بميزانيات ضئيلة، ما يقلّل من فرص الانتشار والتطور، مع العلم بأن الثقافة الفلسطينية هي جزء أساس من مكوّنات هويتنا الوطنية.
- إلى أي مدى ترى أن الأدب الفلسطيني استطاع أن يواجه حالة ضياع الهوية التي يراهن عليها قادة الفكر الصهيوني؟ وكيف ترى موضوع الهوية والتمسك بها؟
ربّما كانت الهوية الفلسطينية عرضة للطمس والضياع في السنوات القليلة التي أعقبت نكبة عام 1948، لكن مع ظهور الثورة الفلسطينية المعاصرة انتعشت الهوية الوطنية واغتنت، وهي ما زالت تغتني وتتطور باستمرار.
- وهل نحن نعيش زمن الرواية وعلى الأجناس الأدبية الأخرى أن تتنحى جانبا؟
ربّما كان الزمن هو زمن الرواية بالفعل، بالنظر إلى اتساع المساحة التي تتيحها الرواية للتعاطي مع المجتمع والكون والبشر والوجود، وبالنظر إلى تركيز بعض المؤسسات الثقافية على الرواية دون غيرها بتخصيص الجوائز لها، لكن هذا لا يعني تنحّي الأجناس الأدبية الأخرى.
- وكيف ترى مستقبل القصة القصيرة عربيا؟
لا أستطيع إصدار حكم قطعي، لكنني ألمح تجارب قصصية حديثة مطمئنة، وثمة مبررات كثيرة تستدعي بقاء القصة وتطورها، لعل أقربها إلى الذهن الآن تلك المنابر الإلكترونية الكثيرة التي تتطلب وجود القصة.
- ثمة انعطافات في حياة كل كاتب، فماذا عنك؟
الانعطاف الأكبر في حياتي حين انتميت سياسيا إلى فكر اليسار، والانعطاف الثاني حين تقاعدت من الوظيفة وأصبحت متفرغا للكتابة، والانعطاف الثالث حين أتقنت الكتابة على الحاسوب ما شجعني على التخلص من الكتابة المرهقة على الورق، وما جعلني أضاعف إنجازاتي في الكتابة.
- كيف تؤثر الجوائز سلبا وإيجابا في مسيرة المبدع، وهل للإبداع حدود تؤطره؟
لا حدود للإبداع، وبخاصة حين يتوافر مناخ الحرية وإمكانات تحدي التابوهات المعيقة لتجلّياته، أما الجوائز ففيها ما هو إيجابي في التأثير على الإبداع لجهة خلق الحوافز، وفيها ما هو سلبي لجهة نشر الشكوك والحساسيّات والتباغض والتنافر في أوساط الكتاب.
- ما الذي ينقص الرواية العربية لتصبح منافسا عالميا؟
ينقصها مناخ الحرية على الصعيد العام وعلى الصعيد الشخصي، وضرورة كسر التابوهات، وضمان وجود حركة نقدية باتت محدودة الحضور هذه الأيام.
- ماذا عن المشروع الأدبي الجديد؟
أكتب الآن سيرتي الشخصية التي ستظهر قريبا في كتاب.