الروائية المصرية سهير المصادفة: الانتصار للمهمشين من أدوار الرواية
أحداث رواية الكاتبة الجديدة تدور حول مجموعة من الشخصيات وقع عليها الاختيار لتعيش تجربة فريدة من نوعها، يتجرَّد فيها الإنسان من مشاعره
تراهن الروائية المصرية سهير المصادفة دوماً على كتابة نص مشوِّق يُجهِز عليه القارئ في ليلة واحدة؛ فالكتابة بالنسبة لها هي الوجود، وهي البداية، والمتعة شرط القراءة الأول.
وقالت المصادفة في حوارٍ مع "العين الإخبارية" إنَّها تراهن على روايتها الجديدة "يوم الثبات الانفعالي"، التي صدرت هذا الأسبوع في العاصمة المصرية القاهرة.
تدور أحداث الرواية الجديدة حول مجموعة من الشخصيات وقع عليها الاختيار لتعيش تجربة فريدة من نوعها، يتجرَّد فيها الإنسان من مشاعره، وأعلن الناشر عماد الأكحل قرب الانتهاء من ترجمة العمل إلى الإنجليزية.
هل تتعمدين مفاجأة القراء والنقاد بأجواء غير متوقعة في كل عمل جديد؟
عندما تطاردني الفكرة والشخوص أعيش معها فترة، وأدعها تتحرك أمامي وأختبر مألوفيتها، وأسألها هل التقينا من قبل؟ هل تحدثنا معاً؟ وإذا كانت إجابتي بنعم، أمزّق أوراقي على الفور.
كتبت في روايتي الثانية "ميس إيجيبت" هذه الفكرة، حول كراهيتي للتكرار على لسان البطل "لا توجد كارثة في الوجود يا سلمى تضاهي كارثة ثبات الصور"، أنا إذن لا أتعمد مفاجأة القراء والنقاد، وإنما أحاول مفاجأة نفسي أوّلًا حتى لا أملّ من التكرار.
أحاول ألَّا أكرر رواية واحدة إلى ما لا نهاية.. نعم، يُقال إننا نكتب رسالة واحدة نسعى إلى تطويرها من مسودة إلى أخرى، ولكنها في الواقع لن تتطور أبدا إلا إذا تحرّكت بشخوص غير مكررة في عالم تحده جغرافيا جديدة وتاريخ مسكوت عنه وزاوية رؤية مختلفة.
الإهداء مكتوب إلى "الأحياء المنسيّة"، هل تعتبرين الانتصار للمهمشين واجباً على فن الرواية؟
نعم، فأنا أصدق مقولة الكاتبة الكبيرة فيرجينيا وولف حين تقول: "ما لم يُكتب، لم يحدث أبدا"، الكتابة هي الوجود وهي البداية "في البدء كانت الكلمة"، وهي النهاية، مثلما ننتهي بكلمة أو جملة منقوشة على شواهد قبورنا.
الرواية هي التي تنتصر للمهمشين والمنسيين الذين أرادوا إخفاءهم من الحياة، لاعتبارات كثيرة، إمَّا لأنهم أقبح ممَّا يمكن رؤيته أو لأنهم أفقر أو أنهم يقفون على دَرَجٍ أقل على سُلم التفاوت الطبقي، عندما يتساءلون: "من أين آتي بشخوصي، وأماكنهم؟ أرد ببساطة: "أنا لا أكتب تاريخًا رسميًّا، أنا صوت مَن لا صوت لهم، وذاكرة أماكن ستُمحى من الوجود بالحرب أو التطوير أو حتى بهجرها يأسًا من فرط تخلفها".
عملك سيُترجم إلى الإنجليزية، ما الذي يمثله أن تكوني مقروءة في الغرب؟
لا أكتب للشرق أو للغرب، وإنّما أكتب للإنسان وعنه حيثما كان، عن رحلته ومصيره، وأسئلته الوجودية الكبرى، ومشاعره، وآلامه وأحلامه، والمدهش أن كل ذلك واحدٌ في العالم رغم اختلاف اللون والعرق والفقر والثراء وطبيعة المشاكل الاجتماعية والسياسية، المعاناة واحدة رغم تنوع أسباب الحروب وطرق القتل والعنف؛ ولذلك نعم يهمني أن يقرأ رواياتي كل إنسان على سطح الكرة الأرضية، وخارجها إذا وُجد؛ لأن رسائلي الروائية ليست مكتوبة لمنطقة جغرافية بعينها.
متى يصل أدبنا العربي إلى الغرب؟
يصل أدبنا العربي للآخر حين ندعمه ونقف خلفه ونؤمن به، ونضع استراتيجيات لنقل ثقافتنا بإسهام مؤسسات عديدة من المفترض أن تقوم بدورها، مثلما يفعل الغرب وهو يدعم ترجمة أدبه منذ سنوات.
هل تحرصين على الوصول إلى جميع شرائح القراء؟
الغريب أنني أكتب ما أتمنى أن أقرأ، أنا بطبيعتي شخص ملولٌ جدًّا، وأحيانًا أحاول قراءة رواية رشّحها لي أحد أصدقائي، فلا أستطيع مواصلة القراءة؛ لأنني أشعر بثقلها، يقول لي الصديق: "لا تقرأي أوّل خمسين صفحة وواصلي القراءة"، فأقول له: "ولماذا إذن نُشرت هذه الصفحات الخمسون"، بينما أقرأ كتاب "شخصية مصر" كاملًا ودون توقف وباستمتاع تام، أكتشف أن التشويق هو ما كان ينقصني لقراءة الرواية، التشويق يأتي من سلاسة اللغة، وأصالة الفكرة، والعالم الروائي المحكم، نعم المتعة شرط من شروط استكمال قراءة أي عمل.
أتساءل: ما الذي يجعلني أكتب عملا غير مشوق للقارئ، وأنا أعرف أنه لن يقرأ كتابًا به أسرار الكون مجتمعة إلا إذا كان مشوقًا وممتعًا ويجبره على مواصلة القراءة، ودائمًا أراهن على أن تُقرأ روايتي التي استغرقتُ في كتابتها عامين كاملين متواصلين في ليلة واحدة.
لماذا تخيم روح الشعر على سردك الروائي؟
نحن أمةٌ شاعرة، العرب حين يتكلمون كلامهم العادي اليومي تستطيع الاستماع إلى أبيات شعرية متناثرة حولك، وفي أسواق مصر سيدهشك المجاز والتورية وخفة الظل وألمعية استخدام الصور الجمالية على ألسنة العامة.
قلت ذات حوارٍ: "ما ليس شعرًا لا يعوّل عليه كثيرًا"، ربما فعلًا لأنني بدأت مشواري الأدبي شاعرة -وما زلت بالمناسبة أكتب الشِّعر حين تباغتني قصيدة ولكنني لم أنشر قصائدي الجديدة بعدُ- وربما لأنني معجونة من تراب هذه الأرض، وحين تباغتني الأصوات أكتبها بموسيقاها الخاصة.
كلُّ ما حولنا يحوّلنا إلى شعراء، الجبال العملاقة فوق الرمال في صحرائنا الشرقية، النجوم التي ترصع السماء بأعداد لا حصر لها، صوت سكون تكاد تلمسه بيدك على شاطئ البحر الأحمر عند الغروب، وأنت تتابع ألوان السماء فتكاد تبكي من فرط الجمال، كلُّ آثارنا النثرية العربية الكبرى كانت لا تخلو من الشِّعر، كما أن كلَّ معلقاتنا الخالدة لا تخلو من السرد، مثل "الحيوان" للجاحظ، أو "الأغاني للأصفهاني"، أو حتى الأثر الخالد الذي ظل حتى هذه اللحظة هو أعلى ذروة للسرد وأعني "ألف ليلة وليلة".
في الغرب أيضًا كانت أحسن القصص آتية من ملحمة الإلياذة والأوديسة، وكانت أحسن القصص من مسرحيات الشاعر "شكسبير"، إنها الرواية -فحسب- ابنة الحداثة التي تجعلنا نعود دائما إلى سؤال الشِّعر والنثر.
aXA6IDMuMTQ0LjEwNi4yMDcg
جزيرة ام اند امز