زكريا الزبيدي من النفق للحرية.. قصة مقاوم فلسطيني لم يجد الحل

صراع بين الحرية واليأس، بين المقاومة والأمل، هكذا هي حياة زكريا الزبيدي الأسير الفلسطيني المحرر من السجون الإسرائيلية.
في فبراير/شباط الماضي، عندما أُطلق سراح زكريا الزبيدي، من سجن إسرائيلي، في إطار صفقة تبادل أسرى، كانت لحظة فرح نادرة وعابرة للفلسطينيين.
وقتها، خرج المئات إلى شوارع رام الله وسط الضفة الغربية، للاحتفال بوصوله، مرددين هتافاته كبطل عائد، وبعضهم رفعه على أكتافهم.
ومن بين المشاهد المؤثرة، تمسك الطفل وطن أبو الرب (11 عاما) بعلبة جل للشعر أهداه له الزبيدي قبل ست سنوات، قائلا: "أريد أن أري العم زكريا أنني احتفظت بها، وسأستخدمها فقط الآن بعد أن أصبح حرا".
ويُعد الزبيدي، البالغ من العمر 49 عاما، الأكثر شهرة بين الأسرى الفلسطينيين الذين تمت تبادلهم مقابل رهائن إسرائيليين خلال هدنة قصيرة في غزة.
مقاوم وسجين ومسرحي
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ألهم الزبيدي الفلسطينيين وأزعج الإسرائيليين بقيادته مجموعة مسلحة مرتبطة بحركة فتح في مخيم جنين للاجئين شمالي الضفة الغربية.
ولكن حياته اتخذت مسارا غير متوقع حين توقف عن القتال وأسهم في تأسيس مسرح، لتبرز لاحقا قصته الأسطورية حين هرب مؤقتا من السجن، قبل أن يُعاد اعتقاله. وهي المسيرة التي سردها بنفسه في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز".
في المقابلة التي طالعتها "العين الإخبارية" في الصحيفة الأمريكية، تحدث الزبيدي عن شعوره بأن كل ما قام به – كمقاتل، وقائد مسرح، وسجين – لم يحقق شيئا ملموسا في سبيل إقامة دولة فلسطينية.
وقال: "علينا إعادة النظر في أدواتنا. أسسنا مسرحا، وجرّبنا المقاومة الثقافية - ماذا فعل ذلك؟" وتساءل: "جرّبنا البندقية، وجرّبنا إطلاق النار. لا يوجد حل".
ولشرح صعوبة الواقع الذي عاشه، كشف الأسير الفلسطيني المحرر، عن فمه الخالٍ من الأسنان، موضحا أن أسنانه وفكه قد كُسرا خلال فترة سجنه الأخيرة، نتيجة الضرب المتكرر على يد الحراس.
صدمة ما بعد الحرية
بعد انقطاعه عن وسائل الإعلام في السجن، خرج الزبيدي بعد 16 شهرا من الحرب، ليكتشف أن غزة قد دُمّرت بالكامل نتيجة الهجوم الإسرائيلي المضاد.
ووجد أجزاء كبيرة من جنين، مسقط رأسه في شمال الضفة الغربية، مدمرة ومُهجّرة من سكانها جراء الغارات الإسرائيلية.
كان منزله الواقع في منطقة محاصرة من قبل الجيش الإسرائيلي بعيد المنال. كما فقد ابنه البالغ من العمر 21 عاما في ضربة إسرائيلية، مما زاد شعوره بأن الاستراتيجيات الفلسطينية كلها فشلت.
"لكن ما هو الحل؟" سأل الزبيدي. "أنا أسأل هذا السؤال بنفسي".
كمقاتل شاب، كان الزبيدي يملك هدفا واضحا، فبعد انهيار محادثات السلام انضم إلى فصيل مسلح في جنين، معتقدا أن ذلك الطريق الأفضل لتحقيق السيادة الفلسطينية.
تصاعدت الأحداث إلى الانتفاضة الثانية، وانضم إلى كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح، ليصبح قائدها.
بالنسبة للإسرائيليين، كان الزبيدي "إرهابيا". وهو ينفي تورطه في أي جريمة قتل إسرائيلي، لكنه اتُهم بإصدار أوامر بالعديد من هذه الهجمات.
مع ذلك، بالنسبة للفلسطينيين، كان "مناضلا من أجل الحرية، قاد دفاعا عن الأرض الفلسطينية ضد الاحتلال".
غير أنه مع مرور الوقت، تحول إلى نهج أكثر عقلانية، وقبل عرض العفو الإسرائيلي في 2007، اعتبر الانتفاضة فشلت، وركز على تأسيس "مسرح الحرية" في جنين مع فنان إسرائيلي وناشطة سويدية، لتقديم ورش درامية للشباب، وكان هدفه الجمع بين النضال الثقافي والعسكري، من دون التخلي عن أي منهما.
الهروب من نفق
إلا أن إسرائيل أعادت اعتقاله في 2019، متهمة إياه بخرق شروط العفو، مما مهد الطريق لأحد أبرز مغامراته وهي هروبه من زنزانته عبر نفق طوله 32 ياردة حفره مع مجموعة من زملائه السجناء، عام 2021.
رغم اعتقاله مجددا بعد أيام مع الأسرى الخمسة الآخرين، أصبح الهروب رمزا للحرية لدى الفلسطينيين. وقال عن تلك اللحظة: "كان من المستحيل أن أكون مسجونا دون أن أسعى للحرية. السجين الذي لا يفكر في الهروب لا يستحق الحرية".
علق في النفق لعشر دقائق، واضطر أحد الأسرى إلى إخراجه، على حد قوله. وعندما شعر أخيرا بنسيم الليل الدافئ على جلده، كما قال، شعر وكأن "الحرية تتدفق في عروقه".
ومع ذلك، اعتبر أن الهروب لم يحقق الكثير في النهاية.
وأشار إلى أنه كان يعلم دائما أن الأمر سينتهي بالموت أو إعادة القبض عليه، وبالفعل، عثر عليه شرطي إسرائيلي بعد أيام مختبئا في شاحنة.
دفعت هذه الحادثة مصلحة السجون الإسرائيلية إلى فرض شروط أشد قسوة على السجناء الفلسطينيين، ووُضع الزبيدي نفسه في الحبس الانفرادي.
بالنسبة له، تجسد هذه النتيجة المأزق الذي يواجهه جميع الفلسطينيين، لافتا إلى أنه شعر أن حياته كمناضل وقائد مسرحي وسجين قد باءت بالفشل في نهاية المطاف.
وأضاف أن كل ذلك لم يُسهم في بناء دولة فلسطينية.
رحلة البحث عن الإجابة
غير أن الزبيدي يقول إن "إسرائيل هي العقبة، فهي أقوى من أن تُهزم بالعنف، وأنانية للغاية بحيث لا تكافئ الشراكة الفلسطينية الحقيقية بإقامة دولة".
واختتم حديثه "لا يوجد حل سلمي، ولا يوجد حل عسكري. لماذا؟ لأن الإسرائيليين لا يريدون منحنا أي شيء.. من المستحيل اقتلاعنا من هنا، وليس لدينا أي أدوات لاقتلاعهم".
ومع ذلك، لم ييأس الزبيدي من البحث عن إجابة. ومنذ إطلاق سراحه، بدأ، كما قال، دراسة الدكتوراه في جامعة بيرزيت، وهي جامعة فلسطينية رائدة، ويأمل أن تساعده على فهم تعقيدات الصراع بشكل أفضل.