حليمة شماسنة.. فلسطينية تقهر الزمن لاحتضان ابنيها بعد 34 عاما بالأسر

على طرف قرية قطنة، شمال القدس، حيث يعلو الجدار الفاصل ويخنق الأفق، تنبض الحياة اليوم في منزلٍ واحدٍ أكثر من أي وقتٍ مضى.
بيت عائلة شماسنة الذي عرف الحزن طويلاً يستعدّ لأن يعرف الفرح أخيراً. بعد 34 عاماً من الغياب، يعود عبد الجواد ومحمد — ابنا حليمة ويوسف — إلى حضن العائلة من بوابة الحرية.
تجلس حليمة شماسنة (83 عاماً) قرب نافذتها المطلة على بساتين الزيتون. وجهها المرهق يحكي كل فصول الانتظار. «قالوا إنهما سيخرجان هذه المرة… الحمد لله»، تقول وهي تمسح دموعها بكفٍّ تجعّدها الزمن. في صوتها رجفة امتزج فيها الدعاء بالدهشة، وكأنها لا تزال لا تصدّق أن لحظة اللقاء اقتربت.
من الثمانينات إلى الآن.. صورٌ تنتظر أصحابها
في غرفة الجلوس الصغيرة، تتدلّى صورٌ قديمة للأخوين من زمن الثمانينات، بقمصان قطنية وشعرٍ كثيف.
ألوانها بهتت، لكن ملامحهما لم تغب. على الجدران أيضاً ملصقات تعود إلى التسعينيات تحمل شعارات «الحرية للأسرى»، صارت جزءاً من ذاكرة البيت مثل طاولة القهوة القديمة أو الكرسي الذي يجلس عليه يوسف كل مساء يراقب الأخبار.
يقول يوسف شماسنة، وقد ارتدى اليوم كوفيته الفلسطينية والعقال: «انتظرنا أكثر من نصف عمرنا.. كنت أظن أني لن أراهما ثانية، لكن الله كبير».
يضحك قليلاً ثم يسكت، فيسكن المكان صمت طويل يشبه صلاة.
أجيال بلا لقاء
أجود، ابن عبدالجواد، كان في التاسعة من عمره يوم اقتاد الجنود والده. اليوم هو في الرابعة والأربعين، أبٌ لأربعة أطفال لم يروا جدّهم يوماً.
يقول بصوتٍ يختنق بالعاطفة: «أن تعانق والدك بعد 34 عاماً من الانتظار… شعور لا يمكن وصفه».
حولَه إخوته وأبناؤهم، يجهزون المنزل للفرحة المرتقبة. زينة بسيطة، رايات فلسطينية، وبعض الحلوى التي صنعتها والدته بيديها المرتجفتين. «لن ننام الليلة»، تقول حليمة بابتسامةٍ تخفي خوفاً قديماً من أن يخدعهم القدر مرة أخرى.
فرحٌ ممزوج بالقلق
رغم الفرح الذي يغمر القرية، لا يزال القلق يسكن قلب يوسف: «سمعنا أن بعض المفرج عنهم يُنفون إلى الخارج.. إن حدث هذا، فسيكون أصعب من السجن نفسه». يتوقف للحظة، ثم يضيف بصوتٍ خافت: «أريد أن أراهما هنا، بيننا، تحت سقف بيتنا».
الأخَوان شماسنة مدرجان ضمن قائمة تضم 250 معتقلاً فلسطينياً من المتوقع الإفراج عنهم مقابل رهائن إسرائيليين في غزة، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي رُعِيَ ضمن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لكن بالنسبة لحليمة، كل الأسماء والتفاصيل السياسية لا تعني شيئاً. كل ما يهمها هو لحظة واحدة: «سأعدّ المنسف بيدي، وسأذبح خروفاً. الليلة سنستقبل القاصي والداني… هذه فرحة عُمر».
تضحك، ثم تطلق زغرودة طويلة تشقّ صمت البيت، كأنها توقظ فيه سنواتٍ نامت على وسادة الغياب.
وبين الدعاء والدموع، بين الجدار والحرية، تكتب عائلة شماسنة سطراً جديداً في قصةٍ فلسطينيةٍ لا تعرف النهاية.. لكنها لا تكفّ عن الإيمان بأن الانتظار، مهما طال، لا يقتل الأمل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز