"ارجموا مريم".. واقع المرأة الفلسطينية بين رقصتي التحرر والموت
مسرحية "ارجموا مريم" عُرضت عدة مرات في أحياء مختلفة من قطاع غزة، لتوعية الجمهور المحلي، بضرورة مناهضة العنف ضد المرأة
من رقصة التحرر إلى رقصة الموت، 80 دقيقة من الأداء المسرحي، جسدت فيها الممثلة الفلسطينية لينا العاوور 10 شخصيات في مسرحية "ارجموا مريم" لتسلط الضوء على العنف ضد المرأة.
وعرضت المسرحية عدة مرات في أحياء مختلفة من قطاع غزة، لتوعية الجمهور المحلي، بضرورة مناهضة العنف ضد المرأة، بعد تسجيل تزايد حالات القتل والعنف ضد النساء في المجتمع الفلسطيني.
10 شخصيات
وعبرت لينا العاوور (20 عاما) عن سعادتها بهذه التجربة المميزة، التي تحدت فيها نفسها وقدمت أداء أعجب الجمهور، وكسر تابوهات المجتمع، وسلط الضوء على واحدة من أخطر القضايا المؤرقة للمرأة الفلسطينية.
وأوضحت في حديثها لـ"العين الإخبارية" أن الشخصيات التي قدمتها تناولت الأسباب التي تُقتل في سبيلها المرأة الفلسطينية والعربية عموما على خلفية قضايا الشرف، أو الحصول على ميراث المرأة، أو بسبب السلطة الذكورية التي تعززّها الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحيطة بالمجتمع.
ورغم صغر سنها وحداثة تجربتها، نجحت العاوور في تقديم 10 شخصيات مختلفة بأداء محترف أوصل فكرتها حول التوعية بقضايا العنف ضد المرأة.
وعرضت فصول المسرحية على مدار 80 دقيقة بدأت من رقصة التحرر من كل القيود التي اكتشفت في النهاية أن الحريات المتعلقة بالمرأة كاذبة لتنتهي برقصة الموت التي تعبر عن كل الجرائم المرتكبة بحق المرأة من قتل وعنف واضطهاد.
مونودراما تجسد واقع المرأة
كاتب المسرحية ومخرجها، مصطفى النبيه، أشار في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أن كتابة سيناريو “ارجموا مريم” استمرت عامين، حتّى خرج للجمهور بهذا الشكل القوي.
وأوضح السياق الذي دفع لكتابة المسرحية قائلاً: "بتنا نستيقظ في صباحات كثيرة على جرائم قتل للنساء في عالمنا العربي، يندى لها الجبين تحت حجج واهية".
وأضاف: "في مرحلة البحث للإعداد للمسرحية تبين أن 20 فتاة فلسطينية في غزة والضفة قتلن على خلفية الشرف وتبين أنهن عذارى".
وتنقسم المسرحية لقسمين؛ الأول: يتحدث عن فساد السلطة، وفساد أدعياء الثقافة والدين والسياسة، أما القسم الثاني فيتحدث عن اضطهاد وقتل النساء، وفق النبيه.
وتنطلق المسرحية برفض من أب لطفلته التي كانت جنينا في بطن والدتها، حيث كان يعنّف زوجته لحملها أنثى، وهي واحدة من الشخصيات التي جسدتها المسرحية لتعكس أشكال العنف ضد المرأة.
ويقول النبيه: "أدعياء السلطات الاجتماعية والدينية والسياسية يريدون من الإنسان أن يبقى متخلفا وجاهلا ليبقى تحت إرادتهم".
وأضاف أن المسرحية تؤكد حق النساء بحياة كريمة بعيدا عن السيطرة والاستعباد من الأب والزوج وحتى السلطات خارج البيت.
وحملت المسرحية اسم "ارجموا مريم"؛ لأن مريم العذراء تعرضت للقذف والتشهير وما زالت المرأة تتعرض لما تعرضت له مريم العذراء رغم الظلم الذي تعرضت له ورغم القرآن الذي نفى عنها الاتهامات؛ بحسب الكاتب.
ويشير النبية إلى أن المسرحية تناولت أيضا دور المرأة في "اضطهاد نظيراتها من النساء، وتعزيز القوة الذكورية لدى الرجال في المجتمع والتشجيع على التعنيف".
وأضاف: "مثلا في المسرحية هناك سيدة كانت تؤيد تعنيف ابنها لزوجته لأنها حملت بأنثى وليس ذكرا، وكانت تلومها على ذلك، وهذه السيدة كانت تشعر بالاضطهاد أصلا”.
ثورة على الموروثات البالية
مديرة المسرحية ديانا الشناوي، استعرضت لـ"العين الإخبارية" التدريبات الشاقة لفريق المسرحية على مدار 6 أشهر.
وقالت: "العمل في المسرحية كان من عدم، فلا يوجد أدوات مسرح، ولا يوجد دعم مالي حقيقي للعمل؛ لكن إيماننا أن الإبداع لا حدود له كان القوة التي ألهمتنا للانطلاق والاستمرار".
وأشارت إلى أنهم تلقوا دعما في نهاية العمل من وزارة الثقافة للعروض في قطاع غزة.
وأكدت أن المسرحية تهدف إلى إلقاء الضوء على جزء من المجتمع العربي والفلسطيني الذي يعيش بموروثات قديمة تعادي المرأة، وقالت: "مهمتنا أن نخرج الأشياء الساكنة حتى يفكر الناس تفكيرا صحيا وسليما بعيدا عن الانطباعات السلبية الموروثة".
الفن رسالة
وتابعت "الشناوي": "الفن رسالة لذلك لن تقف مهمتنا عند إنتاج المسرحية وإنما ندعو لثورة حقيقية على الموروثات البالية، التي تعتبر المرأة جسدا فقط".
وأضافت: "أخذنا على عاتقنا عرضها على أوسع مدى ومنذ بدأ عرضها في أول أغسطس/ آب الجاري عرضناها 10 مرات في مناطق متعددة بغزة وبحضور جمهور متنوع وواسع.. وسنواصل العروض".
وكسرت المسرحية بعض تابوهات المجتمع الغزي المحافظ، من خلال اعتلاء شابة خشبة المسرح، وتقديم أداء تمثيلي ورقصات استعراضية.
وتعلق الشناوي على ذلك بقولها: "مجتمعنا يتطور فكريا ببطء في اتجاه التحرر من موروثات المجتمع الذكوري ونتمنى أن يصل لمرحلة تنتهي فيه معاناة المرأة واضطهادها".