«مجزرة الدقيق» بغزة.. مصابون يصفون مشاهد الرعب والفوضى
بينما أسر «غزة» تستميت في البحث عن الغذاء مع اقتراب شبح المجاعة، حولت إسرائيل لحظات الفرح والأمل التي شعر بها سكان القطاع الفلسطيني مع إنزال المساعدات الجوية، إلى مشاهد حافلة بالرعب والفوضى.
هذا بعض ما رواه ناجون من «مجزرة الدقيق»، التي وقعت يوم الخميس في قطاع غزة، مشيرين إلى أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار عليهم أثناء اندفاعهم للحصول على الغذاء لأسرهم.
وقالت السلطات الصحية في قطاع غزة الذي تديره حركة حماس، إن 115 شخصا قتلوا في واقعة الخميس، مشيرة إلى أن القتلى لاقوا حتفهم بسبب النيران الإسرائيلية، في الحادث الذي وصفته بـ«المجزرة».
وشككت إسرائيل في هذه الأرقام وقالت إن معظم القتلى ماتوا في تدافع أو دهستهم شاحنات الإغاثة. لكنّ مسؤولا إسرائيليا قال أيضا إن الجنود أطلقوا نيرانا تحذيرية في الهواء ثم أطلقوا النار على من رفضوا الابتعاد على اعتبار أنهم يشكلون تهديدا. وحين سئل عن عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالرصاص قال إن إطلاق النار كان «محدودا».
وتبرز هذه الواقعة انهيار خدمات التوزيع المنظم للمساعدات في مناطق غزة التي تحتلها القوات الإسرائيلية مع عدم وجود إدارة، وتعطل نشاط وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) نتيجة تحقيق حول مزاعم اختراق حماس للوكالة.
مشاهد من الرعب
وقال أربعة شهود، تحدثوا من مستشفى الشفاء بمدينة غزة في مقطع مصور حصلت عليه «رويترز»، إن القوات الإسرائيلية أطلقت النار عليهم، وتحدث بعضهم عن دبابات وطائرات مسيرة أطلقت النيران.
محمود أحمد أحد هؤلاء قال، إنه انتظر منذ مساء الأربعاء القافلة التي وصلت صباح الخميس، ميرًا إلى أن الجوع أجبره على المخاطرة بالذهاب إلى مكان وصول الشاحنات على أمل الحصول على الطحين لأطفاله.
ومع وصول شاحنات المساعدات إلى شمال غزة، توجه نحوها، لكنّ دبابة وطائرة مسيرة، على حد قوله، بدأتا في إطلاق النار.
وقال: «رحنا (ذهبنا) من الساعة سبعة العشا وتمينا (وظللنا هناك) لثاني يوم الساعة 5 الصبح ولما أنه مرقت (جاءت) المساعدات رحت إلى هو (ثم) بدأت الدبابة والكوادكابتر (الطائرة المسيرة) اطخ (تطلق النار) فتصاوبت (أصيبت) في طلقين بظهري وضليتني (ظللت) أنزف لمدة ساعة لحد ما أجى أحد من أقربائي يوديني ع (ينقلني إلى) مستشفى».
وأضاف: «من حد ما (حين) دخلت المساعدات بدأت الدبابة وطائرة الكوادكابتر (مسيرة) بطخ (تطلقان النيران) على الناس المتواجدين غادة (تجاه) الناس اللي رايحة تجيب لقمة عيشها، لقمة أولادها، بدأت تطخ عليهم».
جهاد محمد قال -كذلك- إنه كان ينتظر عند دوار النابلسي على طريق الرشيد الساحلي، وهو طريق التوصيل الرئيسي إلى شمال غزة، مضيفا: «رحنا استنينا الشاحنات تدخل ما درينا إلا الطخ صار على كل الناس على أبو جنب وكان من نصيبي كل هالطلق (هذه الطلقات)».
وحين سئل عما كان الجيش تعمد إطلاق النار. أجاب جهاد محمد: «صحيح سواء دبابة أو جنود أو طيارة كله كان يطخ (يطلق النيران)».
وكان سامي محمد ممن جاؤوا على طريق الرشيد مع ابنه انتظارا لوصول قافلة المساعدات، قائلا: «كنا على خط الرشيد منستنى (ننتظر) المساعدات الساعة تلاتة ونص (ثلاثة ونصف)إلا هم (حتى) صاروا يرموا (يطلقون) قذائف ويطخوا على الناس، فكنا على الشط، عاود ابني جري على الشط إلا هو (حتى) طخوه طلقين واحد في جنب راسه أجى شعط (خدش رأسه) وواحد أجى (أصابه) في صدره».
وكان الولد يرقد في سرير المستشفى والضمادات على صدره وذراعه وفي وجهه جرح ظاهر.
عبد الله جحا قال إنه ذهب إلى هناك محاولا الحصول على الطحين لوالديه، مضيفًا: «رايح أجيب كيس طحين أطعم أهلي، إحنا (نحن) ميتين من الجوع (نموت جوعا) فيش حاجة موفر النا (لا يوجد شيء لدينا) ولا عنا أكل ولا نأكل أشي.. خشوا علينا طخوا علينا وقذائف وهجموا علينا وفعصونا».
وأصيب جحا، الذي وضعت كمادة على وجهه، برصاصة في الرأس. وأضاف: «أخوي الصغير والله بعيطلي بدي أكل بدي أكل من وين أجيبله (أجلب له طعاما) أروح أنا؟».
روايات متضاربة
ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن فريقا من الأمم المتحدة زار مستشفى الشفاء في مدينة غزة يوم الجمعة لتوصيل مستلزمات طبية والتقوا أشخاصا أُصيبوا في الواقعة، مضيفًا: «بحلول وقت زيارة الفريق، تسلم المستشفى أيضا جثامين أكثر من 70 قتيلا».
إلا أن مسؤولا إسرائيليا قال يوم الخميس إن واقعتين حدثتا وتفصلهما مئات الأمتار، مضيفًا: قُتل العشرات في الأولى أو أُصيبوا في ظل محاولتهم الحصول على مساعدات من شاحنات ودُهسوا بالأقدام في تدافع أو بالسيارات.
وأضاف أن الواقعة الثانية تلت الأولى بعد تحرك الشاحنات، مشيرًا إلى أن بعض الأشخاص في الحشد اقتربوا من القوات التي شعرت بالتهديد وفتحت النار وقتلت عددا غير معلوم في «رد محدود». ورفض عدد القتلى والجرحى الذي أعلنته سلطات غزة، إلا أنه لم يقدم عددا.
الرواية أكدها في إفادة لاحقة، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاجاري، قائلا إن العشرات دُهسوا بالأقدام حتى الموت أو أُصيبوا خلال اشتباك لإنزال الإمدادات من الشاحنات.
وذكر هاجاري أن الدبابات المرافقة للشاحنات أطلقت طلقات تحذيرية لتفريق الجمع وتراجعت حينما بدأت الأحداث في الخروج عن السيطرة، مضيفًا: «لم ينفذ جيش الدفاع الإسرائيلي هجوما على قافلة المساعدات».