"جامع النخلة" بالجزائر.. حكاية معلم أثري عمره 6 قرون
تعد الجزائر بلد المساجد العتيقة، ومن أصل 18 ألفاً و449 مسجداً في البلاد، يوجد أكثر من ألف جامع عتيق في الجزائر.
إذ إن كل مدينة جزائرية صغيرة كانت أم كبيرة، تجدها "تتبرك" بمسجد عتيق، كل واحد منه يروي قصة تعلق شعب بدينه الحنيف منذ مئات السنين، والذي تشهد عليه جدرانه ومآذنه وحتى تشققاته التي تشبه تجاعيد الإنسان المتشبع بخبرة الحياة.
ومن بين تلك المساجد، يوجد "جامع النخلة" بمنطقة "بوسعادة" المعروفة بأصالة تاريخها وعاداتها وتقاليدها وموروثها الشعبي والثقافي، وتقع على بعد 242 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائرية.
تسمى "مدينة العطاء"، فهي أقرب واحة صحراوية إلى الساحل الجزائري، ميزة ربانية وطبيعية يضاف لها ميزات تاريخية ودينية تزخر بها مدينة الأصالة "بوسعادة".
جامع متعدد التسميات
ولكل تسمية منها سبب محدد، إذ إن "المسجد العتيق" أطلقه عليه أهل المدينة باعتباره أقدم مسجد فيها، و"مسجد القصر" تسمية أخرى للسكان القدامى في مدينة بوسعادة، ويرجع ذلك إلى أن بناءه كان على أنقاض قصر أو مركز حربي روماني بحسب الروايات التاريخية.
أما مسجد "سيدي ثامر" فتذكر بعض الأبحاث التاريخية بأنه مشتق من اسم أول من فكّر وسعى لبناء المسجد، فيما يعد مسجد "النخلة" أشهر تسمية لهذا المسجد العتيق، ويعود ذلك نسبة إلى نخلة قديمة جداً تتوسط الجامع.
جامع الأولياء الصالحين
وساهم في تشييد الجامع أيضاً عدد كبير من شيوخ المدينة بينهم "سيدي أدهيم" الذي يقال إنه "كان بنّاء الجامع"، وكذا "سيدي ميمون خديم سيدي ثامر"، و"سيدي عطية"، واختاروا تشييد الجامع بالقرب من إحدى عيون الماء للتبرك بها، وانطلقت عملية تشييده بالأدعية أيضاً.
أما موقع الجامع فهو بداخل أحد الشوارع الضيقة لمدينة بوسعادة أو كما يسميها أهلها "قصبة المدينة" بالقرب من أحد القصور القديمة التي كانت مناطق سكنية وثقافية وتجارية وروحانية، وتتسم تلك الشوارع بنهايات مغلقة لكونها في منطقة أنشأت للسكن فقط.
وجاء بناء جامع "النخلة" في ذلك المكان على اعتبار أن الهندسة العمرانية لمدينة بوسعادة كانت قديماً عبارة عن "حارات كثيرة وضيقة"، ولكل حارة منها مسجداً ومنبعها المائي الخاصين بها، وكذا أبواب من خشب النخيل تفصل بين كل حارة، بينما كانت المنازل مصنوعة من الطوب.
ويؤكد أهل مدينة بوسعادة، بأن جامع "النخلة" كان له دوراً كبيراً في نشر القرآن الكريم وعلومه بين سكانها والمناطق المجاورة لها، ودورها التاريخي أيضاً خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830 – 1962)، حيث يضم أيضاً رفاة شهيدين من شهداء الثورة التحريرية وهما "العمري بن الشيهب" ووالده.
ونتيجة لأهميتها التاريخية، صنفت الجزائر جامع "النخلة" مسجداً وطنياً وتاريخياً عام 1993، وصنف في العام ذاته أيضاً "معلماً أثرياً من الآثار العربية والإسلامية" من قبل منظمة اليونسكو.
ولمسجد "النخلة" هندسة معمارية إسلامية أصيلة وبسيطة، اعتمدوا مشيدوه في إنشائه على مواد بسيطة لكن بمميزات ديمومتها ومقاومتها العالية للتلف ومختلف أخطار وعوامل الزمن والطبيعة، بينها أخشاب الزيتون والنخيل والعرعار والطوب والجير، وكذا ممرات حجرية ومداخل وأروقة جعلت منه معلماً دينياً عريقاً.
ولا تغيب روائح البخور منذ القدم عن جامع "النخلة" وكذا أصوات ترتيل القرآن من قبل الطلبة.